الكرامة ليست شعارا مكتوبا أو منطوقا، في هذه الوقفة أو المسيرة أو التظاهرة.. وهي ليست مطية لهذا الحزب أو ذاك يمكن الوصول بها إلى السلطة، كما وقع في تجربة الهزة الاجتماعية والسياسية التي عرفتها المنطقة العربية، كما أنها ليست موضوعا ولا قضية للمزايدة السياسية أو الإيديولوجية بين مختلف المشارب الفكرية والسياسية والاجتماعية. كرامة الإنسان هي قيمته؛ كونه إنسان بغض النظر عن أصله وجنسه وعمره وحالته. فالكرامة مفهوم يحيل على شعور الشخص بتقدير الذات واحترامها، وبالاعتزاز بالنفس، وبعدم قبول الإهانة من الآخرين. كما أنه يعبر عن الاستقلال الذاتي، وعن مدى ترسخ ثقافة حقوق الإنسان ومنظومتها القيمية في النفس البشرية، وعن مدى التشبع بالاتجاه الإنساني، وعن مدى قدرة أي منا على الحفاظ على الحقوق البشرية في المعاملة والتصرف والتفكير، وهي حقوق أساسية من حقوق الإنسان. تحقيق كرامة الإنسان كقيمة، والتي تشكل حجر الزاوية في منظومة حقوق الإنسان، يتطلب محاربة كل الأفكار والنزعات التمييزية، مهما كان مصدرها، ولو كان مصدرها الدين، ومحاربة الاتجاهات التي تحاول بث الحقد والكراهية على الشاكلة التي تتحرك بها الجماعات الدينية الإسلاموية، مستغلة شروط الأزمة التي تتخبط فيها الكثير من المجتمعات. ولا يمكن أن تتحقق هذه الكرامة إلا بإقرار تشريعات وآليات فعالة قمينة بمحاربة كل الانحرافات، وهو ما يمكن لجميع الفاعلات والفاعلين السياسيين والحقوقيين والاجتماعيين المغاربة المحسوبين على الصف الديمقراطي أن يساهموا في بلورته، من خلال المشاركة الفعالة والجدية في ورش إقرار القوانين التنظيمية خلال الولاية التشريعية الأولى التي تعقب إصدار الأمر بتنفيذ الدستور الجديد، ومن خلال إعادة النظر في العديد من القوانين العادية على قاعدة الروح والفلسفة ذات النفحة الديمقراطية والحداثية التي جاء بها الدستور. والمعول على الفاعلات والفاعلين في هذا المجال، هو إدراك ما لقيمة الكرامة من مؤشرات دالة عليها، كالحاجات الحيوية؛ من قبيل التغذية، الصحة، الملبس، الراحة، اللعب، التنقل، البيئة السليمة... والحاجات النفسية والروحية: من قبيل الهوية الخاصة، الثقة بالنفس، الشعور بالأمن، المعتقد... والحاجات الفكرية: من قبيل التفكير، التعبير، تلقي المعارف وتبادلها، الوصول إلى المعلومة، الإبداع... والحاجات الاجتماعية: من قبيل الجنسية، السكن، الشغل بالنسبة للبالغين 16 سنة فما فوق، التربية، الأسرة، الملكية... فالكرامة الإنسانية بالإضافة إلى كونها القيمة الأساسية التي تتفرع عليها باقي القيم الكونية، فهي حق أساسي وجوهري له نفس الأولوية التي يتمتع بها الحق في الحياة، لأن الحقيقة الثابتة، التي لا مراء فيها، هي أن لا حياة إنسانية بدون كرامة إنسانية. وعلى البلدان التي شكلت استثناء في الهزة الاجتماعية والسياسية التي عرفتها المنطقة العربية، والتي تعتقد أن تجربتها في منأى عن أي تغير أو تحول بالطرق العنيفة واللاإنسانية، أن تدرك بأن غاية الكرامة الإنسانية أصبحت مؤطرة لكل تحركات الشعوب والفئات والأفراد من أجل ولوج مستقبل يضع حدا لكل أساليب التحكم التي عرفتها البشرية، ولو تحت يافطة الدين الإسلامي. وهو ما يستدعي، بدل الالتفاف على الانتظارات المشروعة لأغلب الفئات والشرائح الاجتماعية، التوجه بالسرعة المطلوبة اليوم للتجاوب مع المطالب ذات الصلة بالحقوق الأساسية والضرورية التي بدونها لا يمكن الحديث عن الكرامة الإنسانية، وهي المتمثلة في التشغيل والإسكان والتطبيب والتعليم. وبدون رتوشات يمكن القول: المفترض أن الكرامة الإنسانية هي الجوهر الذي استندت إليه الأديان، والذي ميز الفكر البشري من حيث وضع بعض مرتكزات العدالة الاجتماعية، والذي أضافت الشُّرعة الدولية في مجال حقوق الإنسان ما يجعل من الكرامة الإنسانية مطلبا ضروريا للتطبيق. وعلى المسؤولين عن تدبير وتسيير الشأن العام، خاصة في ظل ما تم توسيعه من صلاحيات واختصاصات بفعل بنود الدستور الجديد، ألا يتلكؤوا، وألا يَتَلَوَّنُوا، إذ لا يمكن للشعب المغربي أن ينعم بالعدالة الاجتماعية إلا إذا وضعت الحكومة الحالية مفهوم الكرامة الإنسانية نصب عينيها في أي إجراء تدبيري أو تسييري للشأن العام، وهو للأسف ما لا تظهر مؤشراته، بل إن ما يتبدى كله على الطرف النقيض من كل هذا، وهو أميل إلى التحكم والاستبداد بطرق وآليات جديدة/قديمة، عماد ارتكازها هو الفهم الخاص للجماعات المتدينة للدين الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى للمجتمع المغربي. 06 غشت 2012