شكل تنصيب الملك محمد السادس يوم الثلاثاء 8 ماي 2012 بالقصر الملكي بالدار البيضاء أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة منعطفا تاريخيا في الإيذان بانطلاقة مرحلة جديدة في مسار البناء والإصلاح وفق الرؤية الحكيمة للعاهل المغربي، وقد أضفى الخطاب الملكي بالمناسبة هالة من المصداقية والجدية والصرامة في التعامل مع هذا الملف الذي يعد أولوية في الفترة الراهنة من تاريخ المغرب. لاشك أن حديث الملك محمد السادس عن العدل باعتباره قوام دولة الحق والمؤسسات يعد مدخلا أساسيا ومركزيا في مسلسل التغيير والإصلاح الذي بدأه العاهل المغربي بالإعلان عن الدستور الجديد، كما أن ذلك يؤكد بما لا يدعو مجالا للشك أن محمد السادس هو الضامن للتطبيق السليم للقانون والحفاظ على استقلالية القضاء باعتباره سلطة قائمة الذات عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يضمن صورة جيدة للمغرب تمكنه من استقطاب الاستثمارات الخارجية والنهوض بمجالات التنمية. لقد أكدت التركيبة المتنوعة لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة أن العاهل المغربي يلتزم بتبني خيار التعددية في إطار احترام مختلف وجهات النظر بما يحافظ على الخصوصية المغربية وينهض بقطاع العدالة ويدفع قدما باتجاه إصلاح القضاء ومواكبة التغيرات العالمية في هذا القطاع وأيضا بما يضمن تمثيلية وازنة ومؤثرة لجميع المؤسسات الدستورية والحكومية والقضائية والمجتمع المدني وكافة الهيئات الحقوقية. إن المرحلة المقبلة لهذه الهيئة تقتضي الشفافية في الحوار الوطني وإطلاع الرأي العام على مستجدات الحوار بشأن إصلاح العدالة من أجل الوصول إلى بلورة ميثاق وطني واضح في أهدافه ومحدد في أسبقياته وبرامجه ووسائل تمويله ومضبوط في آليات تفعيله وتقويمه كما أكد على ذلك العاهل المغربي. إن تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة يعتبر عنوانا عريضا أن منطلق الإصلاح في مختلف القطاعات يبدأ بالرؤية الثاقبة والسديدة والمباركة والحكمة الملكية من أجل ضمان نجاح الحوار باعتبار أن العاهل المغربي هو الجهة العليا الضامنة للعدالة والحريصة على المصالح العليا للأمة التي ترقى فوق النزعات السياسية والثقافية والإثنية والدينية الضيقة من أجل خدمة الوطن بمختلف أطيافه ومكوناته في إطار مغرب جامع وموحد. الأكيد أن وجود أسماء من العيار الثقيل من حجم وزير العدل والرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس المجلس الدستوري والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس مؤسسة الوسيط وغيرهم من ممثلي المؤسسات الحكومة والقضائية والمنظمات الحقوقية والأكاديمية يعكس الرغبة الملكية في الارتقاء بمستوى الحوار الوطني حول إصلاح قطاع العدالة وجعل القضاء أولوية في مسلسل الإصلاح من أجل تدشين استثناء حقيقي للمغرب في محيط دول الربيع العربي.