برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز شهدت العاصمة السعودية الرياض مساء الأربعاء 23/11/2011 توقيع «بعض» أطراف النزاع اليمني على المبادرة الخليجية، وقد بدا واضحاً الحرص الكبير والحب الأخوي الذي يكنّه ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لليمن الشقيق من خلال الكلمة المؤثرة التي ألقاها وأشاد فيها بالحكمة اليمانية والإيمان اليماني الذي امتدح به النبي الكريم اليمن وأهله. وما يعني الشعب اليمني اليوم هو أن يستفيد من هذه الخطوة بعيداً عن انزواء المعارضة والتوائها على أهدافه المشروعة من إطلاق ثورته المباركة التي استمرَّت زهاء العشرة أشهر - وما زالت -، ولعله ينبغي على شباب الساحات – بعد اليوم - أن يستندوا إلى ظهر (إقليمي) يحميهم من غطرسة قادمة – لا محالة – سيقوم بها ضدهم كل من يمتلك القوَّة والنفوذ والرضا (الدولي)، بينما هُم في حالة من الصمود الحاصد لمزيد من التضحيات، العظيمة غير المُعتَبَرة! لا من مجلس الأمن ولا غيره ولا يحزنون! ولأن المعارضة اليمنية - ممثلة في اللقاء المشترك - ظلت تتماشى مع رغبات وتقلبات المزاج السياسي الذي يتمتع به الرئيس صالح فإن الشارع اليمني اليوم سيتضاعف غضبه وانزعاجه من هدوء المعارضة الاستفزازي الذي بدا وكأنه مؤشر إغلاق لملف القضية التي راح في سبيلها أكثر من ألف و60 شهيداً وخلَّفت أكثر من 28 ألف جريح، وجميعهم من أبناء اليمن المغلوبين على أمرهم الذين لم تفهمهم قيادة الحكم ولم تستثمرهم قيادة المعارضة..! وقادتهم طاقات جبارة، ودماء شابة غيّبتها إرادة العالم لحظة التوقيع..! فلم نرَ الحقوقية العالمية توكّل كرمان ولا اللواء علي محسن ولا الشيخ حميد الأحمر ولا من في مقامهم! ومثلما أكَّد الرئيس صالح أن التوقيع ليس كل شيء، فإن منتسبي الثورة في ساحات اليمن اعتبروه لا شيء، ولا يعنيهم البتَّة، كردة فعل طبيعية موازية لتضحياتهم الجسام، وهنا تكمن المفارقة، وتبرز الأسئلة، حول امتناع صالح عن التوقيع طوال الفترة الماضية إذا افترضنا جدلاً قناعته بأن هذا الإجراء لا يرقى لمستوى حُسن النوايا الذي تحدَّث عنه في وقت سابق لحظة توقيعه مع شريكه الرئيس علي سالم البيض في عمَّان على وثيقة العهد والاتفاق إبّان حرب عام 1994! ولعل من شهد وتابع لحظات التوقيع سيقتنع بما يحمله المستقبل لليمن من غموض سياسي يخشى الجميع حدوثه، وتبلورت ملامحه في وجوه ممثلي الحكومة والمعارضة، حيث لم يحدث أن أعقبت التوقيع لحظات مصافحة أو بشاشة أو حتى مجاملات بروتوكولية، كنوع من رد الجميل لراعي اللقاء، وكبادرة وفاء وطني معبرة عن حُسن النوايا وكما هو معروف في مثل هذه الظروف..! وهذا يبعث على تحليلات نقيضة تضع الطرفين - حكومة ومعارضة - وكأنها تؤدي تمثيلية مسرحية تراجيدية تحمل في طياتها كثيراً من الأحداث الدراماتيكية وقليلاً من الفكاهة غير المستساغة لأحد! حديث الملك عبدالله كان مفعماً بالصدق والإخلاص وهذه هي سجيته وهذا هو المعهود والمعروف عنه من حرص دائم على أن ينعم اليمن وأهله بكل خير وأمن واستقرار. وحديث الزياني لم يخلُ - أيضاً - من مثل ذلك الشعور وتلك الأمنيات رغم أنه عانى كثيراً من مماطلات التوقيع لفترة طويلة مرّت بكثير من الجدل والهزل السياسي الممقوت، وكان المتسبب الأساسي فيها النظام اليمني ذاته، الذي امتدحه الزياني اليوم كتطبيق حقيقي لحسن نوايا التعاون والإسهام في إيجاد المخارج والحلول. أمَّا كلمة جمال بن عمر المندوب الأممي فقد حملت في طياتها غزارة الود الذي يحمله الرجل لليمن والمنطقة وقد كان منصفاً عندما شكر المتعاونين على أداء مهمته، في الوقت الذي بدأت الفرحة على محيَّاه! وفي اعتقادي فإن كلمة الرئيس صالح هي التي ينبغي ألا تقال في مثل هذه المواقف، لأنه أومأ بلا حدود إلى أنه كان وإلى اللحظة مخدوع ومغدور به من خصومه السياسيين الحاضرين في محفل التوقيع الذين ظلوا في نظر الكثيرين يعارضونه بشرف الموقف والكلمة، بينما يعلم العالم أن معارضيه الحقيقيين عسكرياً وميدانياً هم بنو عمومته ومن قبيلته ومن لحمه ودمّه، وهو الذي أسهم في جعلهم أعداء وخصوماً له في وقت حاجته الماسّة إليهم وإلى اصطفائهم إلى جانبه كما تعوَّد منهم فيما مضى وعاش معهم المثل القائل: «أنا وأخي على ابن عمِّي، وأنا وابن عمي على الغريب»! اليمن اليوم بين خيارين أحلاهما مُر، أوَّلهما بقاء الحال على ما هو عليه دون أدنى انتقال سلس للسلطة، وثانيهما ظهور طرف غير متوقَّع يشغر السلطة ولا يستطيع تلبية أبسط مطالب الشارع المنقسم بين متفائل ومتشائم، وهذا يعني أن مرحلة اليمن القادمة مرهونة بيد عفريت من الإنس أبى إلا أن يحيا بسبعة أنفس يحكم فيها اليمن سبع مرات من أكثر من موقع، وفي أكثر من صورة، شاء من شاء وأبى من أبى وحيا من حيا ومات من مات! ولو كان الكرسيّ رجلاً لقتله!