تحوم حولها الشائعات أينما حلت وارتحلت، حجابها تحت المجهر دائما في قفص الاتهام، بين متاهات وتناقضات تحكمها الإيديولوجية الدينية، تواصل الإعلامية المحجبة بالمغرب سيرها على خط الالتزام بمسارها المهني والاعتزاز بالهوية، منهن من تمكنت من حصد مكان لها بالمشهد السمعي البصري، حتى لو بقناة ذات صبغة دينية، ومنهن من توارت خلف الأنظار، على أمل أن تجد حماية قانونية تنصفها وتعيد لها اعتبارها بعد سنوات من الإقصاء والتهميش، والحصار.
وعلى خلفية ظهور إعلاميات محجبات بالقناة الثانية عشية 25 نوفمبر يوم الانتخابات التشريعية، مما أثار جدلا بين أوساط العديد من المغاربة وخاصة بشبكة التواصل الاجتماعي، اعتبر البعض هذا الظهور غير المسبوق انتصاراً حقيقياً للمحجبات، للتمهيد لإعادة هيكلة المشهد السمعي البصري بالمغرب عموما، ولفك الحصار عن الإعلاميات المحجبات على وجه الخصوص، ومنهم من اعتبره مجرد مغازلة سياسية من القناة الثانية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل لأسباب مجهولة المعالم. أعتقد أن هذا الظهور لإعلاميات محجبات "نادية ليوبي" و"جليلة بنفتان" على شاشة "القناة الثانية دوزيم"، ليس محض صدفة خاصة عشية اقتراع 25 نوفمبر، وعند استشراف بعض النتائج التي تؤكد فوز حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، هو بمثابة تسويق إعلامي من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية ممثلة في القناة الثانية للمذيعة المحجبة، ومغازلة سياسية لهذا الحزب الإسلامي باعتباره الأوفر حظا بالفوز في انتخابات 25 نوفمبر، مما يمهد الطريق نحو مشهد إعلامي جديد يستجيب لمعايير الظرفية ويمهد لتحريره من منزلق الإيديولوجيات أيا كانت طبيعتها ،من أجل كسر الحصار عن الإعلاميات المحجبات اللواتي طالهن الإقصاء، على خلفية خوف غير مبرر من إعطاء الإعلامية المحجبة صورة إيديولوجية عن القنوات المغربية. فكرة إقصاء المحجبات من الظهور تعود إلى الأذهان بعد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي، باعتبارها خطأ فادحا ينبغي تجاوزه، فكيف يعقل أن نشاهد الإعلامية المحجبة بالفضائيات العربية تشتغل دون أي تمييز، في حين يتم إقصاؤها من المشهد السمعي البصري بالمغرب، هذا المنطق في التعامل يجب تفاديه، ونستبشر خيرا بالحكومة القادمة بإقدامها على إعادة هيكلة القطاع السمعي البصري، حينها سيتمكن المشاهد المغربي من رؤية المحجبة في الإعلام بكل قنواته دون إقصاء أو تمييز وبتمثيلية واسعة غير محصورة، وسيسود منطق الكفاءة وليس المظهر لكسب رهان إعلام مغربي هادف وفعال وبناء"،على حد تعبير إحداهن. في الوقت الذي تناضل فيه المرأة الأوروبية المحجبة من أجل احترام قناعتها بوضع الحجاب، ولمواجهة بعض القوانين الجائرة التي تمنعها من ارتداء الحجاب في أماكن العمل، نجد المحجبات المغربيات تحت حصار المنع من الظهور على شاشات التلفزيون بل وحتى أمواج الإذاعة، وهذا ما استهجنته بعض الصحفيات المغربيات ،مفضلة عدم ذكر اسمها بالقول: "أعتقد أن معيار الكفاءة في الصحفية هو الذي يخدم المشهد السمعي البصري ببلادنا، ليكون إعلاما هادفا وبناء وليس المظهر الخارجي، وهذا ما ينبغي على المسؤولين عن هذا القطاع استيعابه، ونتوسم خيرا في حكومة بنكيران القادمة ذات التوجه الإسلامي المعتدل أن تنصفنا، وذلك بفتحها المجال لنا للإسهام في الرقي بالإعلام المغربي، ومن أجل إعطاء صورة إيجابية على المرأة المغربية المحجبة، كما هو الحال ببعض الفضائيات العربية، والتي أظهرت فيه الإعلاميات المحجبات حنكتهن في تطوير المشهد السمعي البصري، وكفاءتهن في تقديم البرامج الإخبارية والتي ساهمت بشكل أو بآخر في تميزه، والأخت الإعلامية المغربية المتميزة "فتيحة دانيال" أبرز نموذج للصحفية المحترفة، لم يمنعها حجابها من التميز، ومن إبراز كفاءتها في التقديم الإخباري بإحدى القنوات العربية". وفي ظل مرجعية المغرب الإسلامية، يبقى تبرير تسويق الإعلامية المحجبة لإيديولوجية الدين مغلوطا وتشوبه علامات استفهام كثيرة، خاصة إذا ما سلمنا أن الإعلامية المحجبة تسير وفق توجه القناة المعمول به والتزاما بميثاق شرف المهنة، لكن الإشكال يبقى أن الشكل (المظهر الخارجي) للإعلامية هو الذي يحكم، وليس المهنية والاحترافية في الأداء والتقديم، حتى لو ساير مضمون ماتلقيه من أخبار أو تعده هذه الإعلامية من تقارير يوافق توجهات القناة أو الإذاعة. وطبقا لما راج من نقاش في صفحة شبكة التواصل الاجتماعي حول منع المحجبات من الظهور على شاشات التلفزيون المغربي، خلص البعض إلى أن الإعلاميات المحجبات بالمغرب ساهمن في تكريس هذا الحصار، وذلك بعدم كسرهن حاجز الصمت وعدم التجائهن للقضاء للشكوى من هذا المنع الذي ارتقى إلى مصاف الطرد التعسفي من قبل هذه المؤسسات الإعلامية، والتي اعتبرها أحد قيادي حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل تكريسا للفكر الفرانكفوني، باعتبار القائمين عليها منتمين إلى المدرسة الفرنسية العلمانية، التي ترفض الحجاب كرمز في الإعلام على حد تعبيره، على الرغم من عدم وجود أي قانون يمنع المحجبة من الظهور. غير أن أحد المسؤولين على هذا القطاع، اعتبر هذا المنع من الظهور استثناء لا يشمل المشهد السمعي البصري كافة، طالما أن هناك قناة خاصة ذات صبغة دينية "السادسة" وإذاعة للقرآن الكريم تحمل اسم العاهل المغربي ،احتضنت الإعلاميات المحجبات بتمثيلية أكبر، في إشارة منه إلى إشراك هذه الفئة المقصية في تطوير المشهد السمعي البصري، بالتالي احتجاج هذه الفئة التي تعتبر نفسها مقصية مبالغ فيه. ويبقى التساؤل مفتوحا: هل ظهور محجبات على شاشة إحدى القنوات الفضائية بالمغرب، هو تطبيع مع الإسلاميين يحمل نبرة المغازلة، ستنطفئ شمعتها مع تسليم الوزارة الوصية لحزب من أحزاب الكتلة، أم أنه مكسب حقيقي لا يمكن التنازل عنه، كأجندة خاصة لحكومة بنكيران القادمة، بإعادة هيكلة المشهد السمعي البصري، ليفتح الباب على مصراعية للمحجبات في الظهور اعتمادا على الكفاءة وليس المظهر الخارجي، وبذلك تكون الإعلامية المحجبة بالمغرب قد ودعت الإقصاء إلى غير رجعة.