لا يتجادل اثنان في المغرب الآن حول كون التعليم أصبح هاجس الحكومة والرأي العام على السواء وأضحى إصلاحه مطلبا وحاجة لا محيد عنها وضرورة قصوى للدفع بعجلة التنمية. لكن السؤال الذي يلقي بظلاله على الموضوع هو: أي نوع من الإصلاح نريد وأي تعليم نبتغي؟ أتعليما لخدمة الاقتصاد أم تعليما لخدمة الثقافة أم مجرد تعليم لمحاربة الأمية والهدر المدرسي؟ ومجرد الاختيار بين هذه الأسئلة أو غيرها قد يحدد ويرسم الخطوط العريضة الكفيلة باستبيان ملامح الإصلاح وصورة تعليم الغد. فقد بدا واضحا أن أكبر خطإ وقعت فيه الحكومة في رد فعلها لما بعد النكسة هو تعاملها مع موضوع التعليم على أنه غاية بحد ذاته، فسخرت له هالة من وسائل لتمجده وتعظم من شأنه وكأنه الهدف الأسمى الذي يخلق من أجله. لقد حان الوقت لطرح السؤال الفيصل الذي قد يحدث القطيعة مع تعليم الهدر وتعليم البطالة وتعليم اللامبالاة: ماذا نريد من التعليم، هل نريده غاية ومنتهى أم نريده قناة نعبر من خلالها إلى عالم البحث والابتكار والإبداع عوض عالم العشوائية والمحاكاة؟ وهل يمكن تحقيق ذلك في ظل إصلاح ذو نكهة سياسية موجه بالأساس للاستهلاك الخارجي؟ (كأسلوب نمطي للرد على التقارير الدولية وإنقاذ ماء الوجه). والحقيقة أننا نخشى أن يحدو المخطط الاستعجالي حذو سابقيه ويكون خطوة عجولة وغير مدروسة احتكم فيها للحماسة فأهمل الموضوع والباطن وعولج الظاهر والجاهر. فلطالما كان الاستعجال في اتخاذ القرارات إضافة إلى المقاربات الأحادية سببا وراء السياسيات الفاشلة ذات الرؤية الضيقة والاختيارات الجانحة، هذا وقد تعالت الصيحات مؤخرا تدعو إلى الاهتمام بقطاع التعليم باعتباره مستقبل المغرب وآمال المغاربة، وهو قول مأثور ربما لكنه يغيض الطرف عن الحقيقة الكامنة خلفه؛ وهي كون التعليم مجرد وسيلة لصنع المستقبل وسداده يعني سدادا للوضع الاجتماعي والاقتصادي الذين يعني سدادهما رقي الدولة المغربية. ومن تم فأي إصلاح ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار حاجة السوق والاقتصاد والإنسان على حد السواء. لكن ما يحز في أنفسنا نحن كمغاربة هو انتظارنا للتقارير الدولية لتفضح المستور كي نهم عزمنا على إصلاح مايمكن إصلاحه، حتى بتنا ننتظر بفارغ الصبر تقارير جديدة لقطاعات أخرى لنشهد تدخلا حكوميا لإصلاح الوضع. لذلك وباسم المعطلين أناشد الهيئات الدولية لوضع تقرير عن حالة البطالة بالمغرب لعلنا نستأثر باهتمام حكومتنا ونذكرهم بأننا لا زلنا هنا رغم الداء والأعداء. هذا كلام القلب، أما العقل فيخبرني إن كل مانحتاج إليه هو ضمير حي وشعور بالانتماء لهذا الوطن، والرغبة في التغيير واضطلاع أصحاب القرار لمسؤولياتهم ووجباتهم أمام بلدهم وشعبهم حتى يتسنى لنا وضع قطار التعليم على سكته الصحيحة ونتكاتف جميعا يدا في يد لندفعهم حتى يأخذ مساره ويستأنس بجديد أدواره، وذلك بمقاربة الموضوع/المشكل بحكمة ورصانة؛ مقاربة تأخذ بعين النظر المناهج التعليمية في علاقتها مع متطلبات لاقتصاد وإدماج الأطر التربوية في برنامج للتكوين المستمر لحثهم على ضبط مادة تدريسهم وتحيين طرائقهم ومناهجهم التعليمية، دون إغفال تسوية ملفهم المطلبي القاضي بإصلاح أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. فماذا ننتظر من كيان أنهكته السياسات المكرواقتصادية الفاشلة وتوالت عليه الضربات القاضية حتى أضحت معه المدرسة بيدقا تتعاقب على دحرجته الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟ تحضرني الآن مقولة أشبه بحكمة قالها ابن سينا، حيث اعتبر أن أول الفكرة هو آخر العمل وآخر الفكرة هو أول العمل. وإذا أسقطناها على موضوعنا الذي هو التعليم فيكون الأمر كالتالي: إصلاح التعليم يعني إنجاح المدرسة باعتبارها قلب وجسد التعليم، لكن لإنجاح المدرسة لابد من تكوين الأستاذ وتأهيله ليكون على قدر المسؤولية. وبالتالي فان أول الفكرة هي آخر العمل حيث أن إصلاح التعليم هو أخر حلقة من السلسلة بينما أول العمل هو تكوين الأستاذ وتأهيله وهو آخر الفكرة من تسلسل ابن سينا. ومن كل ذلك نخلص إلى أن إنجاح التعليم المغربي وتقديمه ليقوم بالأدوار المنوطة به يبدأ من الاهتمام بالموارد البشرية باعتبارها قطب الرحى. وتوفير مادة دراسية تجيب عن تساؤلات سوق الشغل وحاجات البلد الاقتصادية دون أن ننسى البنيات التحتية – وأضع خطا عريضا تحتها – حيث إذا افترضنا أن الأستاذ هو أساس العملية التدريسية وان مادة الدرس هي الأسوار الحامية فان البنيات التحتية تجسد السقف؛ سقف الأمان وغطاء يقينا شر الجهل والنسيان. لذلك ندعو الوزارة المكلفة بقطاع التعليم أن تتخلى عن نرجسيتها وتعتمد مقاربة شمولية تأخذ بجدية مقترحات الأطر التربوية أو نقاباتهم وجمعيات المجتمع المدني وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ والباحثين في الميدان والوزارة الوصية... حتى نخلص إلى حل جذري يقطع الصلة بالماضي ويؤسس لمستقبل واعد لنا وللأجيال المتعاقبة بعدنا. (مصدر الصورة) بقلم: كريم بن الهاشمي الاسم الكامل كريم بن الهاشمي، من مواليد 1984 وزان. طالب مجاز القراء