الصورة لفبرايريي المحمدية ومنظمين اليها لم أكن لأكتب هذه الأسطر، لولا الاستغلال البشع الذي تعرضت له حركة 20 فبراير الشبابية ، ومدى ركوب الكثيرين أمواج الحراك الشعبي وتسلحهم بغيرة الشباب الطموح ، للضغط على الدولة وفرض أشياء هي في الأصل تنقيب على مصالح شخصية وسياسوية ضيقة تضمن لهم مواقع الحكم والسلطة و الرفاهية .
ان المغربي اليوم ، بمجرد حديثه عن حركة 20 فبراير ، يشير الى مكونات هذا التكتل الشبابي الذي تحول من سكة أريد لها أن تعيد قطار المؤسسات بالمغرب الى الطريق المؤدي صوب مصالح الشعب و المصلحة العامة ، لبوق استغلته أطراف بهدف الدعاية لخطابات رجعية ، ظلامية وتايئيسية ، خلقت منذ الأزل لوضع العود في عجلة التنمية ، والديمقراطية واللعب على وتر معاناة المواطن بهدف الظفر بتأشيرة المرور الى حظيرة خططوا ليكونوا فيها وأبناؤهم أسيادا ، والاخرون قطيعا يتم اقتيادهم كلما دعت الضرورة الى ذلك .
فقبل اندلاع شرارة الحراك الشعبي بالمغرب ، أي قبل تاريخ 20 فبراير ، كان الكثيرون ممن هم اليوم يتغنون بشعارات لم تطرح من قبل ، ومواقف مزيفة ،كانوا يكشرون على أنيابهم ضد الشباب المخطط لهذا الحراك ويتهمونهم بالعمالة لجهات خارجية ، وفي البداية لا بد أن أشير الى أحزاب تحالف اليسار المشكلة لفريق " الاشتراكي الموحد ، الطليعة ، والمؤتمر الوطني الاتحادي " ، وسأبدأ من هذا الاخير لأسلط الضوء على بعض من تناقضاته الغريبة والمفضوحة في ذات الوقت ... فحزب المؤتمر الوطني الاتحادي ، الذي زعم في الكثير من المناسبات أنه جزء من مجلس دعم حركة 20 فبراير ، كان من الداعيين الى مقاطعة الدستور الجديد ، ونظم عدة لقاءات وتجمعات ومهرجانات خطابية بمعية حليفيه ، تمت خلالها الدعوة الى اجتناب المواطنين المشاركة في استفتاء الفاتح من يوليوز ، بذريعة أن الدستور الجديد لن يكون في مصلحة المغاربة بقدر ما هي وثيقة تحمي مصالح لوبي الفساد بالمغرب ، لكن نتفاجئ اليوم ، بقرار " المؤتمر الاتحادي " ، الذي أعلن من خلاله عزم قياداته المشاركة في الانتخابات البرلمانية ليوم 25 نونبر ، وهي الاستحقاقات التي يضمنها الدستور ، و طرحت الحكومة الحالية قانونا ينظمها ، وهي الحكومة التي ما فتئ يقول عنها الحزب المذكور انها فاقدة للشرعية و ضروري حلها ، لكن اليوم يقبل قانونها و ينخرط في لعبتها السياسية .
فالسؤال حول حقيقة قرار المؤتمر الوطني الاتحادي ، لن يكون لولا ما كان يدعيه من قبل ، اذ لا بد من الاشارة أن مشاركة هذا الحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة جاء بعد دعوته الى مقاطعة الدستور ، فكيف يمكننا تفسير هذا الموقف الحامل في عمقه لتناقضات عدة و غباء سياسي فهمه الكثيرون ، خاصة وأن " المؤتمر الاتحادي " قد شاركت قيادته في مسيرات " عشرين فبراير " ودعت الى مقاطعة الانتخابات البرلمانية ، بل لازال الكثيرون يخرجون للشارع من أجل البروز في المقدمة ، كما هو حال قيادة الناظور في شخص كاتبها الاقليمي الاستاذ الطيب العمراني الذي يستعد لخوض الانتخابات بلون حزبه .
فالاغتصاب الجماعي الذي تعرضت له حركة 20 فبراير من طرف هذه التنظيمات ، لم يقف عند هذا الحد ، بل بدأت تظهر معالمه أيضا ، بعد وقبل تشكيل لجنة المنوني التي تكلفت بمراجعة الدستور وصياغة بنوده الحالية ، اذ أنه في الوقت الذي كان العشرينيون يطالبون باسقاط لجنة " المنوني " ظهر دائما الى جانبهم منتمون لاحزاب تحالف اليسار ، كان هؤلاء كلما انتهت المسيرات الاحتجاجية ، الا وضربوا بالتو موعدا مع " المنوني " وتشكيلته ، لرفع مذكراتهم ، وهو في الاصل اعتراف باللجنة و اضفاء للشرعية عليها ، عكس ما تداولوه في الشارع أمام الشباب ، وادعاؤهم ان اللجنة فاقدة للشرعية و من اتكل عليها فهو متكل على السراب ، وما كانوا في الأصل الى جزء من هذا السراب .
فاجتنابا للاطالة ، ما أود أن أشير اليه في هذا السياق ، هو البحث عن نوع التحليل الذي من الممكن اضفاؤه على هذه المواقف والتذبذبات الغريبة ، لأبطالها من أحزاب تحالف اليسار ، اذ أنها في الشارع تقول شيئا ، لكن في دواليب المؤسسات المغربية تظهر بقناع أخر يجسد انخراطها في العديد من المشاريع السياسية التي تطرحها جهات لطالما قالوا عنها أنها فاقدة للشرعية ... زد على ذلك أن هذه الأحزاب طالبت بحل البرلمان ، لكن فضلت الابقاء على مقاعدها البرلمانية ، والاحتفاظ بها دون الانسحاب منها أو التلويح بالاستقالة .
نقابة الأموي أو الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي تشوب دواليبها الكثير من الخروقات وأشكال الفساد بعد أن استحوذ أمينها العام على جل ميزانيتها وأملاكها العقارية حتى وصلت به جرأته الى جعل مقرها في ملكيته زد على ذلك استفادة فرعها من دعم مشبوه مصدره صندوق المال العام ، نادت هي الأخرى باسقاط الحكومة ، وأكدت مرارا في الشارع المغربي أنها فاقدة للشرعية ، لكن نجدها دائما في مقدمة المطلين على مكتب الوزير الاول عباس الفاسي لطلب بركته ، و شاركت في الحوار الاجتماعي الذي تزامن مع الحراك الشبابي ، ووافقت على زيادة 600 درهم في أجور الموظفين ، لتظهر بعده أوجه التناقض ، حيث في الوقت الذي كان فيه الكثيرون ينتظرون رفض أي تنسيق أو انخراط مع حكومة نودي باسقاطها ، سارعت هذه النقابة الى الاعتراف بحكومة الفاسي رسميا عبر الجلوس معها على طاولة الحوار والانخراط في لعبتها ، فيما فضلت لعب دورا أخرا في الشارع لكسب ود الجماهير الشعبية .
فما أود التركيز عليه ، هو ضرورة أخذ الحيطة من تماسيح السياسة بالمغرب ، و تكثيف الجهود من أجل ظهور حركات تصحيحية من داخل الحراك الشبابي ، يحمل القائمون عليها مشعل السهر على تفعيل مضامين الدستور الجديد ، الذي يبقى مبدئيا قانونا يحمل الكثير من المكتسبات التي وجل الحفاظ عنها وصيانتها لضمان بعض من التغيير الذي كنا نحلم به ، وأختتم بمقطتف من خطاب الملك في 17 يونيو " ان أي دستور مهما بلغ من الكمال، فإنه ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لقيام مؤسسات ديمقراطية، تتطلب إصلاحات وتأهيلا سياسيا ينهض بهما كل الفاعلين لتحقيق طموحنا الجماعي، ألا وهو النهوض بالتنمية وتوفير أسباب العيش الكريم للمواطنين."
الحديث عن العدل والاحسان وباقي التنظيمات التي شكلت مجالس دعم حركة 20 فبراير ، سأخصص له موضوعا كاملا ، في الجزء الثاني من هذا الفضح ...