المنتخب المغربي يرتقي إلى المركز 13 عالميا ويحافظ على الصدارة قاريا وعربيا        من وراء الهجوم المسلح على شركة الصناعات الجوية في تركيا الذي أسفر عن قتل 4 و14 جريحا؟    سجن تركي يأذن بزيارة زعيم الأكراد    إسرائيل تستهدف مخازن لحزب الله    مؤشر أسعار الخدمات البنكية ينخفض بنسبة 1 في المائة عند نهاية 2023    منتخب المغرب يتقدم في ترتيب "الفيفا"    هاريس تصف ترامب ب"الفاشي" وتحذر من سعيه للسلطة المطلقة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    مصطفى الفن يكتب: هكذا تصبح وزيرا بوصفة سهلة جدا    طقس الخميس: زخات رعدية بالمرتفعات وأجواء غائمة بعدد من المناطق    إصابة عدلي تقلق مدرب ليفركوزن    زخات رعدية مرتقبة اليوم الخميس ببعض مناطق المملكة    عدد الموظفين المدنيين في المغرب بلغ 570.917 موظفا عام 2024 أكثر 64.4% منهم في قطاعي التعليم والداخلية    تنسيق أمني إسباني مغربي يطيح بشخصين ينتميان لتنظيم "داعش" بمليلية المحتلة    مكتب الفوسفاط يعتزم إنجاز استثمارات تتجاوز 139 مليار درهم في الفترة 2025-2027    التعديل الحكومي في المغرب.. إعادة هيكلة الحكومة لتعزيز الفعالية ومواجهة التحديات    دوري أبطال أوروبا.. الصدارة إنجليزية    من أوحى له بمقترح التقسيم؟    ملاطي: الذكاء الاصطناعي بالتوثيق يساعد على مواجهة جريمة غسيل الأموال    نهضة بركان ينتصر ويصعد إلى الصدارة        حزب الله يؤكد مقتل هاشم صفي الدين في غارة إسرائيلية سابقة    شركة الخطوط الملكية المغربية ترتقب اختتام سنة 2024 بتسجيل 7,5 مليون مسافر (تقرير)    بعد إعفاء إبن بركان محمد صديقي.. من هو وزير الفلاحة الجديد؟    البطولة: نهضة الزمامرة يوقف قطار اتحاد طنجة بعد الانتصار عليه في آخر الدقائق    أمين عدلي يتعرض لإصابة قوية أمام بريست (صورة)    السلطات في الدار البيضاء تسمح بفتح الحمامات بشكل يومي    امطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة        كلمة .. وزراء يغادرون دون تقديم الحصيلة    3 قتلى و14 جريحا في هجوم قرب أنقرة    دراسة: الاستماع للموسيقى يعجل بالشفاء بعد الجراحة    الذهب يرتفع ويسجّل مستويات تاريخية غير مسبوقة    بعد «كسرها العظم» وسيمة الميل تطل من نافذة مغربية    مكافحة القنص الجائر.. تحرير 52 محضرا في الفترة ما بين 20 شتنبر و20 أكتوبر الجاري    19 يوما من إبادة الشمال.. إسرائيل تواصل القتل والحصار والتطهير    مؤتمر دولي لتكريم الدكتور حنون    استطلاع: المغاربة يعتبرون الصلاة متفوقة على التلقيح في الوقاية من "كوفيد"    شيرين عبد الوهاب: أول فنانة عربية تكتب اسمها في موسوعة غينيس    الجيش الملكي يستنكر تحكيم مباراة الرجاء ويدعو لتحقيق فوري    هذا ما قاله غوتيريش عن مدى احترام المغرب والبوليساريو وقف إطلاق النار    الدورة الثامنة لتحدي القراءة العربي تتوج ممثلي ‬فلسطين والسعودية وسوريا    الأول بإفريقيا والشرق الأوسط.. تدشين مركز ابتكار ل"نوكيا" بالمغرب    "لوبوان": هل أساءت المحكمة الأوروبية استخدام القانون بإبطال اتفاق الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب؟    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    آلاف الفنانين والكتاب يبدون في عريضة قلقهم من الذكاء الاصطناعي    المغرب الثقافي .. حب واحتراق    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    تغييب الأمازيغية عن تسمية شوارع العروي تجلب انتقادات للمجلس الجماعي    كمال كمال ينقل قصصا إنسانية بين الحدود المغربية والجزائرية في "وحده الحب"    الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات.. الذكاء المنطقي الرياضي/ تتويج المغرب بالذهبية/ تكوين عباقرة (ج2) (فيديو)    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا الربيع أتاك شتاء !.
نشر في محمدية بريس يوم 01 - 06 - 2011

قبل أن تلتهم النارُ جسد البوعزيزي ( رحمه الله ) ،ويتوقف نبض الحياة بقلبه،وتلتحق روحه بالرفيق الأعلى ،كانت كل الفصول في العالم العربي متشابهة حَدَّ التطابق... مكرورة حَدَّ الملل.

فالوجوه التي تدير أمور البلاد والعباد هي نفسها،والقضايا المطروحة للنقاش، ذرّاً للرماد في العيون،وزرعاً لليأس في النفوس،هي نفسها.وقليلا ما تمتعت شعوب المنطقة بفصول السنة فصلاً فصلاً ،يوماً يوماً .

وربما لم يصبح لفصل الربيع في ذاكرتها أثر ، إنه فصل بدون طعم،فيه تسجن البلابل والعصافير ،فتحرم من تغريدها ،وفيه تغتال الورود والأزهار وتُوأد في أفنانها، وفيه تُوشَّحُ الخضرة النضرة بسوادها .لقد صادرت أجهزة المخابرات طعم الإحساس بجمال الربيع ، وخنقت الأنفاس ،وبطشت بكل من تحدثه نفسه بالحرية والانعتاق .

أما فصل الشتاء فقد أصبح باردا ،والجو صقيعا متجمدا .. والصيف بحرارته يكتم الأنفاس ،وكان الخريف لا يعود إلا قاسيا.كنا نرقب خريف الطغيان والاستبداد ، وكانوا يزورون كل أمل،ويقلبون كل الانتظارت ...حيث أصبح خريف الحرية سرمدا ، وخريف العدالة قدرا مقدورا.بل انقلبت الفصول أحيانا،وانعكس دوران الأرض والشمس في حس كثير من الناس ، ألم يغن ناس الغيوان ذات ربيع خريفي، أو ذات شتاء قائظ ، تلك الأغنية الباقية :

سبحان الله صِيفْنَا وْلىَ شْتْوَة
وْارْجْعْ فْصْلْ الرّْبِيعْ فْ البُلْدَانْ خْريفْ

ولاشيء يبدل إحساس الناس بجمال الفصول،ويقلب في خلدهم تعاقب الأيام والليالي،إلا اليأس حين يسكن النفوس،ويستوطن القلوب والأفئدة ،ويضع على الأبصار غشاوة... وأية غشاوة. لقد فقدوا الأمل في الأمل ،وخاب رجاؤهم في الرجاء ،وتساوت معاني الموت والحياة : قمع ، قتل ، قهر ، قيد ، قحط ... واحتلال يصول ويجول ،وحصار يطال الأبرياء،وحكام مستبدون يتواطؤون مع العدو ،لضمان الحكم وتوريثه من بعدهم لذريتهم الفاسدة. فكيف ينبت في القفر الأمل ؟ وكيف يزهر في الخواء الرجاء ؟

لم تكن تونس أبدا خضراء كما هي اليوم... كانت في عهد الدكتاتورية الأولى تونس، هكذا مجردة، وأصبحت في عهد الدكتاتورية الثانية تونس الجرداء. سكن الخوف قلوب المواطنين ،واستوطن كل ربوع الوطن،وأصبح المواطن لا يأمن على نفسه من جاره بل وحتى من أقرب المقربين.

فأنظمة القمع تحكم فقط حين تجعل الخوف خبزا يوميا،وحين تنزع من المواطن كلَّ حس بالظلم،وكلَّ فكرة لمقاومته أو التخلص منه .تصوروا أن صلاة الفجر أصبحت شبه جريمة قد تورد المصلي موارد الهلاك،وأصبح أزلام النظام يفكرون في توزيع بطاقات خاصة على المواطنين ليعرفوا في أي مسجد يصلون،ولم يكن مسموحا لسكان حي ما أن يصلوا في مسجد آخر غير مسجد حيهم،وفي أحسن الأحوال فهم مراقبون .

لم تكن تونس استثناء وسط مملكات وجمهوريات الخوف العربية.لقد اختلفت الأنظمة حول كل القضايا ،واتفقت هذه الأنظمة البائسة حول المسألة الأمنية.وبالطبع، هم لا يقصدون أمن الوطن وسكينته،فلو كانوا يفكرون في هذا الاتجاه لكان المواطن العربي بذلك سعيدا مبتهجا.ولكن الأمن في قواميسهم وسياساتهم،يعني أمن كراسي الحكم والجالسين عليها ليس من الانقلابات والثورات،فذلك آخر ما قد يتبادر إلى ذهنهم،بل كانوا يريدون الوصول إلى درجة يأمنون فيها من صراخ المواطن وتذمره وشكواه ولو همسا .

إنها أعلى درجة في القمع والتنكيل بالمواطن،يمكن ترتيبها على سُلَّم ''بن علي –مبارك-القدافي-الأسد ...'' للقمع، كأعلى درجة وبلون أحمر قان يحاكي لون الدم.وللأسف يمكن تسميتها الدرجة العربية في القمع،وللتسمية دلالة تغني عن التفصيل،خاصة في حس أولئك المواطنين الضحايا الذين قدر لهم أن يقضوا فترة من الزمن البطيء الثقيل في أقبية السجون العربية.

*******************************

في تونس التي أرادها الرئيس زين العابدين بن علي جمهورية خوف من الدرجة الرهيبة جدا ،كان صوت آخر ينادي من أعماق التاريخ وبكل قوة وهيبة،فينبعث صداه قويا مزلزلا في كل النفوس،حتى وهي لم تكن قادرة على الإفصاح والجهر بذلك النداء القوي... ومع ذلك فإن الشعوب لا تموت،وهناك دوماً ثلة تقاوم بكل الوسائل كي ينعتق الوطن من أغلاله،ويتحرر المواطن من قيوده.فإن لم تكن ثلة ،فشخص واحد على الأقل،يتناسى ذاته،ويتجاوز أنانيته،ويتقمص رداء بحجم خريطة الوطن،ويعبر عن إرادة تجسد إرادة شعب بكامله.

قد يكون هذا الشخص نبيا أو رسولا أو قديسا أو فيلسوفا أو زعيما أو شاعرا ... أو بائع خضر له حس عال يميز به لحظات التاريخ الحاسمة،وله قدرة على قراءة واقعه كما هو لا كما يصوره سدنة المعبد وكهنة الهيكل.فكيف إذا كان هذا الشخص يجسد إرادة ثائر آخر وسم تاريخ بلاده بنضاله،وجسد بشعره مواقف التحرر والانعتاق من كل القيود.فاحتفظت به الذاكرة الجماعية حيا باقيا يقارب ''الخلود'' بمقاييس البشر.؟

كانت تُذكر تونس الخضراء ،يوم كان للخضرة بهاؤها،فيُذكر شاعر كبير بقامة أبي القاسم الشابي (1909 م- 1934 م ) ..

واليوم تُذكر تونس،التي بدأت تستعيد خضرتها وتألقها،فيُذكر بائعُ خُضرِ بحجم محمد البوعزيزي ( 1984 م – 2011 م ) ...

لقد نادى الأول ،وبقي مناديا بأعلى صوته، وتحولت كلماته إلى نشيد وطني يردد في تونس كل يوم :

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

فقال الثاني : لبيك يا شاعرنا المفدى ، أنا اليوم وبعد 80 سنة ،سوف أجسد نبوءتك ،وأحقق أملك،وأجعل من شعرك وقود ثورة،تضيء كل ربوع الوطن بعد أن أضيءَ أنا منه بقعة صغيرة بحجم هذا الجسد الضعيف الناحل،الذي سوف يستمد من النار قوته ،ومن كلماتك الصادقة ألقه وبقاءه ... إلى أن يندحر الظلم ويتوارى الطواغيت والمجرمون.

أنا حين أقتبس من كلماتك بعض الضياء، ومن عزيمتك بعض الرجاء ، ومن شعرك قوافيَه التي ترنو إلى عنان السماء ... سوف أوقظ شعبا بكامله ،وألهب حماس أمة بكل أطيافها ، كي يثوروا في وجه الظلم والقهر والاستبداد وكل أصناف التجبر والطغيان ..

وعلى إيقاع الكلمات الصادقة ، وهول فاجعة الاحتراق،هب شعب تونس يعانق الحياة من جديد،ويجود بفائض ثورته على باقي الشعوب العربية .

لقد أنشد الشابي ذات يوم ،متشوقا ، في بداية القرن السابق : كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً..

وأنشد البوعزيزي ، محترقا ، مع التباشير الأولى للقرن اللاحق : إذا الربيع أتاك شتاء ...

يا سادتي واسمحوا لي بكلمة أخيرة : ليس انقلابَ فصولِ هذا الذي ترون ،ولكنه انقلابُ إرادات،ولكم من الشعر أجمله ،ومن الياسمين بعض العبق...






لحسن عدنان المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.