الفصل في التعديل الدستوري سيكون لصناديق الاقتراع يوم الاستفتاء لم يكن خطاب جلالة الملك الذي أعلن فيه جملة من الإصلاحات السياسية العميقة سوى لحظة تاريخية في مسار الأمة المغربية المتميزة على مرور قرون من تاريخها، وهو دعوة إلى مواصلة بناء الدولة المغربية الحديثة والنموذج المغربي المتفرد في الجوار العربي والإفريقي. كما لم يكن خطاب جلالة الملك "خضوعا" لضغوطات مجموعات من الغوغاء الذين صاروا يتحدثون باسم الشعب المغربي أو خوفا من امتداد ثورات "الربيع العربي" التي أسقطت أنظمة شمولية فاسدة، بل كان وبكل بساطة امتدادا لمسيرة إصلاحية بدأها جلالة الملك منذ توليه العرش، وقد نتفق أو نختلف عن سرعة ونجاعة تلك الإصلاحات، إلا أن العالم بأسره يشهد بأن المغرب، وخلال العشرية الأخيرة، حقق الكثير من المكاسب،جعلته علامة متميزة في المنطقة بالرغم من تكالب الأعداء عليه، سواء خارجيين أو أعداء الداخل العدميين الذين لا هم لهم سوى الانتقاد غير البناء وهدم كل المكاسب التي حققها المغرب وتبخيس كل خطواته الإصلاحية. لقد صوروا المغرب وكأنه سجن كبير أو دولة بوليسية شمولية، وتحدثوا من دون كلل عن الحقوق بدون أدنى مساهمة في الواجبات التي تفرضها المواطنة والانتماء إلى الوطن .وخلال أحداث مخيم اكديم ازيك في العيون التي راح ضحيتها شهداء الواجب من رجال أمن خرست ألسنتهم وكأن الشهداء قادمون من كوكب أخر. نفس الأمر تكرر كلما اعتدى مواطنون غاضبون على ممتلكات خاصة أو عامة في تحد للقانون وتكون الدولة في نظرهم هي المسؤولة. كما خرجوا في مسيرات شارك فيها الآلاف في مختلف المدن المغربية معبرين عن آراء سياسية واضحة نحترمها ونتفق مع بعضها، إلا أنهم حاولوا تصوير انسفهم وكأنهم الشعب المغربي قاطبة الشعب الذي سرقوا الكلمة باسمه، محاولين استيراد ما يجري في أقطار أخرى لخدمة حلمهم الأبدي في استنساخ ما تنقله قنوات المشرق، بل تحدثوا كثوار حقيقيين لقنوات الإعلام الأجنبية مصورين ما يحدث في المغرب وكأنه ثورة عارمة! و لقد تداخلت في هذا المسار الإيديولوجية اليسارية الراديكالية مع أجندة إسلاموية لا تؤمن إلا بشرعية الشيخ وأحلامه ومخططه للقومة والزحف وبناء دولة الخلافة التي يزعم لوحده امتلاك آليات بنائها وقيادتها، وكل ذلك غلف بمقولة الديمقراطية والحرية وما يسمونه مطلب "الملكية البرلمانية" وهم في نفس الوقت لا يؤمنون لا بالأحزاب ولا بالمسار الانتخابي ولا بالبلديات والجماعات المحلية، وفي نفس الوقت يطالبون بمجلس تأسيسي لوضع الدستور، لأنهم وببساطة لا يؤمنون بشرعية المؤسسة الملكية ولا بنظام الحكم في المغرب. فالشرعية من وجهة نظرهم إما شرعية الشيخ الحالم صاحب نظريات القومة أو شرعية القادمين من أزمنة الجمهوريات السوفياتية البائدة التي أثبت التاريخ فشلها. ووسط هذا الخضم، كلهم يستعملون اسم الشعب ويستغلون بكل مرضية تركيز الإعلام على المنطقة العربية لتمرير مخططهم،وظهرت الألوان الحقيقية لبعض السياسيين وبعض أصحاب المصالح الاقتصادية. فالكل حاول تصفية حسابات قديمة والركوب على الموجة والتسابق على شبكات التلفزيون ليصبح "الزعيم الثوري الخالد" وتخوين الجميع من أحزاب ونقابات وحكومة وباقي مكونات الشعب المغربي الأخرى. فمن وجهة نظرهم "إما أن تكون معنا وإما فانك مخزني عميل بلطجي" وكل ذلك باسم الديمقراطية. الآن، وفي مواجهة من يسرقون اسم الشعب ويدعون تمثيله ليس بالشكل الديمقراطي المتعارف عليه عالميا، أي عبر البرلمانات والأحزاب والنقابات والجمعيات بل بالشارع وبالمظاهرات وبالإعلام المشرقي، صار لزاما علينا أن نوضح بعض المواقف الأساسية وأكثرها أهمية أن الشعب المغربي لم يتحدث بعد، وعندما يتحدث فسيكون عبر صناديق الاقتراع. كما أن الخطاب الملكي الأخير وتأكيده على أن مسلسل الإصلاحات مستمر يجب أن يكون أرضية للتحاور والنقاش والبناء بين جميع الفرقاء الشرعيين الذين يؤمنون بالديمقراطية وبشرعية المؤسسة الملكية كضامن لوحدة للأمة المغربية المتعددة. كما أن نضال المغاربة ضد الفساد والرشوة وتجاوزات السلطات ومن أجل حكامة محلية وجهوية أفضل ومن أجل أداء حكومي فاعل وناجع، يجب أن يستمر كذلك من خلال وسائل الإعلام من خلال أحزاب سياسية نشيطة ومن خلال مؤسسات مجتمع مدني حيوية، كما أن مؤسسة القضاء يجب أن تضمن استقلاليتها ونزاهتها وان تقوم بدورها كاملا في تطبيق القانون. كل هذا المخاض يجب أن يستمر بشكل حضاري ديمقراطي ونشيط ودائم، لأننا بالفعل نريد نموذجنا المغربي للديمقراطية. فالبناء أكثر التحديات صعوبة أما الهدم فأسهل المهام. لا يجب علينا أن ننسى ألا احد له الحق الحديث باسم المغاربة من غير صناديق الاقتراع، ولذلك يجب على جميع فئات هذا الشعب التجند قصد قطع الطريق على كل من يحاول الحديث باسمها وسرقة مكتسباتها والقفز على حقيقة أن فرادة المغرب تتمثل في شرعية نظامه الملكي وتعدد مكوناته الثقافية والإثنية واللغوية والدينية وأن الملكية ليس، كما يحاول أن يصورها البعض بسذاجة واضحة، مجرد تقاليد وطقوس بالية بل هي في الحقيقة رمز وحدة وقوة وتقدم هذا الوطن منذ قرون.