بقلم: زياد ابوشاويش الدخول الأمريكي الفج على خط الأزمة المصرية عقد وأربك كل الحلول التي تلبي مطالب الشعب المصري وانتفاضته المباركة. المشهد السياسي للوضع الراهن بمفاعيله الداخلية والخارجية تأثر بهذا القدر أو ذاك بهذا الدخول والمؤكد أن هذا لا يعبر عن حرص إدارة أوباما على السلم الأهلي المصري كما تقول القراءة المتأنية لتاريخ العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة. إن إلحاح أمريكا في طلب رحيل مبارك والتهديد بعقوبات اقتصادية وبقطع المعونة العسكرية إن لم يغادر الرجل موقعه تثير العديد من التساؤلات حول المغزى السياسي والهدف من وراء ذلك الرئيس المصري لم يتغير وهو ذات الشخص الذي قدم للولايات المتحدة وإسرائيل أكبر الخدمات وحافظ بطريقة زجرية وديكتاتورية على علاقات بلاده المميزة مع أمريكا والعدو الصهيوني، هذه العلاقة التي يرفضها الشعب المصري بأغلبيته الساحقة. كما أنه الرئيس العربي الأكثر طاعة وانسجاماً مع الولاياتالمتحدة وإملاءاتها الاقتصادية والسياسة المعروفة في المنطقة. في المغزى السياسي نشير إلى دروس تاريخية تخلت فيها الدولة العظمى عن حلفائها بسبب انتهاء مدة صلاحيتهم كعلبة الدواء، كما أن المغزى السياسي للسلوك الأمريكي يشير للمنافسة الداخلية في الولاياتالمتحدة حول مدى تمسك ذلك البلد بقيم ومباديء تتعلق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفيما يتعلق بدورها العالمي وصورتها الخارجية أيضاً . أما الهدف من الإلحاح على تغيير الرئيس واستبداله بالسيد عمر سليمان بضمانة المؤسسة العسكرية وتحت حمايتها أو من تنتدبه هذه المؤسسة تحديداً فذلك يعود لخشية أمريكا من انفلات الأمور من يد حلفائها داخل مصر وخاصة في قيادة الجيش المصري وانتقال السلطة ليد المعارضة أو القوى الجديدة والتي في أغلبيتها ضد علاقة التبعية الراهنة للولايات المتحدة وضد استمرار عملية السلام مع اسرائيل، وتسعى لقطع كافة العلاقات معها. إن استمرار السلوك الأمريكي وتصعيده دفع العديد من الشباب المصري الثائر إلى إبداء استغرابهم وتشككهم في الأمر خاصة بعد أن روجت أبواق الدعاية للنظام بأن البرادعي يعمل لصالح أمريكا وأنها أرسلته وتدعمه لاحتلال موقع الرئاسة بمصر، وساعد على ذلك الاتصالات المنتظمة بين البرادعي والسفارة الأمريكية في القاهرة ومع عواصم غربية متعددة، كترويجها لسعي حماس للاستيلاء على السلطة وقيامها بعمليات البلطجة والإخلال بالنظام. إن تصوير ثورة الشعب المصري وكأنها صناعة أمريكية من جانب أزلام النظام المصري وأيتامه يمثل قمة السخرية والاستخفاف بذكاء الشعب المصري وحس أبنائه الوطني ذلك أن نظام حسني مبارك لم يعرف عنه سابقاً عداءه للولايات المتحدةالأمريكية بل العكس هو الصحيح. ولو أضفنا على ما سبق حديث الرئيس المصري وبعض معاونيه عن رفض التنحي اليوم لخوفهم من انتشار الفوضى أو استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة فإن الصورة ستبدو أكثر كاريكاتورية ومدعاة للسخرية. يعرف الجميع في مصر وخارجها أن حركة الإخوان المسلمين ليست في وارد تولي قيادة مصر وهي لا تستطيع ذلك لأسباب كثيرة ليس هنا مجالها، كما أن حركة الإخوان المسلمين تدرك أن القفز على هذه الثورة وركوبها بالمعنى الانتهازي سيفقدها احترام الناس، ناهيك عن كونها مرفوضة كحكومة تسير البلد من قبل الشارع المصري ومن قواه السياسية جميعها. يتحدث المسؤولون المصريون من أنصار ما يسمى بالاستقرار بأن رحيل مبارك الآن سيترك فراغاً بالمعنى الأمني والدستوري وسيؤدي إلى الفوضى وهذا استنتاج خاطيء يقصد منه إطالة عمر النظام وإضعاف مصداقية المعتصمين في ميدان التحرير. إن ما تطرحه الجماهير واضح في هذا الشأن، ذلك أن مطالبها تحمل مضمون الانتقال السلمي للسلطة، والتدرج في تغيير طبيعة النظام. يتنحى الرئيس مبارك لتولى نائب الرئيس كل سلطاته ثم يجري حل مجلسي الشعب والشورى وتشكل حكومة انتقالية أو هيئة مستشارين من كافة القوى السياسية والمجتمع المدني بما فيها شباب الانتفاضة، مهمتها تقديم اقتراحات محددة بالتعديلات الدستورية والإشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. إن الشأن القانوني المرتبط بعمل غطاء لشرعية الإجراءات الثورية في المرحلة الانتقالية يمكن إلقاء مسؤوليته على أساطين القانون في مصر، وهم متواجدون بكثرة وهناك مؤسسات معنية يمكنها مساعدتهم في هذا المجال. إن الحديث المتكرر عن حيادية الجيش ونزاهته في التعامل مع الحراك السياسي الداخلي يكشف زيف الحديث من ذات الجهات التي تثني عليه حول الفراغ والفوضى إن رحل مبارك. ألم يكن حرياً بالذين يدعون ملايين الناس المنادية برحيل مبارك للعودة لبيوتهم أن يطلبوا من رجل واحد العودة لبيته وترك المقر الرئاسي حفاظاً على النظام العام ودرءاً للفتنة؟ هل مصر عقيمة إلى هذه الدرجة كي يربط أمنها واستقرارها برجل بلغ الخامسة والثمانين من العمر وأنتج أسوأ نظام وأكثرها فساداً في تاريخ مصر؟ مصر العربية تملك الإمكانيات البشرية والعقول القادرة على إدارة هذه الأزمة بطريقة حضارية وسليمة، كما أن أبنائها المخلصين الصادقين يستطيعون اليوم إخراج وطنهم من المأزق الذي صنعته الطغمة الحاكمة في مصر، وبرغم حداثة التجربة لهؤلاء الشباب إلا أن حسهم الوطني ونزوعهم للحرية والديمقراطية سيجعل خياراتهم متزنة وفي الاتجاه الصحيح، ومع وجود الكثير من الحكماء سواء كانوا من المستقلين أو الحزبيين الذين ناضلوا على مدار عقود وتعرفهم سجون مصر جيداً سيكون الوضع في جمهورية مصر العربية أكثر استقراراً وأمناً من أي وقت مضى، وستخرج البلد من أزمتها أقوى وأكثر منعة. إن استعادة مصر لدورها العربي والإقليمي والدولي لا يمكن أن يتم في وجود مبارك وفريقه، كما أن أهداف الثورة لن تتحقق في وجود هؤلاء في سدة الحكم، ولهذا فإن الشعار المناسب للرد على التشكيك والتخويف هو: يرحل مبارك وتبقى مصر. [email protected]