Tweet 11-01-2013 11:33 محمد زروال التقويم الأمازيغي :محاولة للفهم . يعتبر التاريخ من أهم الوسائل المستعملة في صناعة العقل البشري وبناء الذاكرة الجماعية ، ولهذا نجد الأنظمة والدولة تتحكم فيه بكل الوسائل عن طريق اقتراح البرامج الدراسية و استعمال وسائل الإعلام للدفاع عن التاريخ الذي تريده ويتم أيضا التحكم في الفكر التاريخي عن طريق تسخير أقلام المؤرخين الموالين للبلاط للدفاع عن الأطروحات التاريخية التي ترتاح لها تلك الدولة. وهذه الإشكالية نلاحظها باعتبارنا ممارسين لتدريس التاريخ في المرحلة الثانوية، ففي السنوات الأخيرة خصص المخزن المغربي ميزانية مالية ضخمة للاحتفال بما سمي بمرور 1200 سنة عن تأسيس الدولة المغربية . وهي مغالطة تاريخية كبيرة دافعت عنها النظام وسخر الموراد البشرية في وزارة التربية الوطنية للدفاع عنها ، لم تستطع الدولة توقيف مهزلتها أنذاك رغم نداءات واحتجاجات الحركة الأمازيغية التي اعتبرت ذلك الاحتفال تجاهلا لما قبل وصول إدريس الأول إلى المغرب وهي فترة تاريخية أطول بكثير من تلك التي مرت منذ وصوله هاربا من الشرق إلى المغرب سنة 172 هجرية. وقد آثار الباحث الأمازيغي أحمد عصيد مؤخرا هذا الموضوع في حديثه مؤخرا عن قصة إنجاب إدريس الثاني الذي ولد حسبه بعد 11 شهرا من وفاة والده. يتعمد التاريخ الرسمي للدولة المغربية عدم الحديث عن قضية التقويم الأمازيغي الذي حافظ على استمراريته رغم تهميشه من طرف كل مؤسسات الدولة. فماذا نقصد بالتقويم الأمازيغي؟ وكيف يتم الاحتفال به؟ وما هي أبعاد ودلالات الاحتفال به سياسيا، ثقافيا، حقوقيا؟ في تعريف التقويم الأمازيغي: يتعرف غالبية المغاربة نوعين من التقويم : الأول هو التقويم الميلادي الذي بدأ مع ميلاد المسيح عيسى بن مريم وهو الأكثر انتشارا . والتقويم الثاني هو المعروف بالهجري ويرتبط بهجرة الرسول من مكة إلى المدينة، لكن البحث في قضية التقويم عند الشعوب و الحضارات الأخرى يكشف لنا عن وجود تقويمات أخرى أقدم زمنيا مقارنة مع التقويمين السابقين. هناك مثلا التقويم العبري الذي يعود إلى حوالي 5000 سنة، والتقويم الصيني يعود إلى حوالي 4709 سنة، والتقويم الأمازيغي يعود إلى حوالي 2963سنة. بالنسبة للتقويم الأمازيغي الذي نتحدث عنه اليوم يرى الباحثون في التاريخ القديم للشمال الإفريقي أن بدايته كانت سنة 950 قبل الميلاد، وذلك عندما اعتلى أحد المواطنين القادمين من الخارج عرش الفراعنة وكان اسمه شيشنق ، تختلف الدراسات التاريخية حول أصله إذ هناك من يقول أنه إغريقي من بحر إيجة وهناك من يقول أنه من ليبيا من قبيلة الماشوش، و تدرجه الدراسات المتعلقة بالتاريخ الفرعوني في الأسرة 22 حكمت ما يقارب قرنين من الزمن. قد يقول البعض أن الأمازيغ بدؤوا تقويمهم بحدث دموي استعماري، لكن المؤرخين لتلك الفترة يتحدثون عن انتقال سلمي للسلطة من الأسرة 21 إلى الأسرة 22 بسبب ضعف ملوك الأسرة 21 حتى أن الآثار التي تركتها هذه الأخيرة قليلة مقارنة مع الأسرة التي تلتها، وهناك من يعتقد أن الأمازيغ كانوا مهاجرين في مصر بسبب موجة من الجفاف عمت أراضيهم وهذا ما جعلهم يقيمون في ضفة النيل. تعتبر هذه الفترة من الفترات الغامضة في تاريخ الفراعنة، لكن هذا لا يعني التشكيك في التواجد الأمازيغي بمصر خلال تلك الفترة لأن الكثير من الشواهد الأثرية والمعمارية تؤكد ذلك وهناك باب يسمى ب "باب ششنق" بمصر إلى يومنا هذا. أسرة مصرية ثانية وعشرون : شيشنق الأول أوسركون الثاني تاكيلوت الأول شيشنق الثاني أوسركون الثالث تاكيلوت الثاني شيشنق الثالث بامى شيشنق الخامس أوسركون الخامس . منذ ذلك التاريخ والأمازيغ في الشمال الإفريقي يحتفلون براس السنة الأمازيغية دون أن يتأثروا بالغزوات التي قادتها الشعوب الأخرى كالفنيقيين ، الرومان ، الوندال و العرب . احتفالات وتواريخ مختلفة: يحتفل برأس السنة الأمازيغية في كل مناطق الشمال إفريقي في هضبة سوة بمصر ، مالي ، السينغال، موريطانيا، جزر أكناري، المغرب، ....... لكن الاحتفال يتخد أشكالا مختلفة ، وما يثير الانتباه في هذا الصدد هو أن القبائل غير الناطقة بالأمازيغية والتي تسمى بالعربية بالشمال الإفريقي بدورها تحتفل بهذه المناسبة لكن بدلالات أخرى ترتبط غالبا بالأرض والزراعة وتحت مسميات أخرى مثل " سبع خضار" و" حاكوزا" . مثلما تختلف طرق الاحتفال من منطقة إلى أخرى تختلف تواريخ الاحتفال أيضا، ففي الجزائر يتم الاحتفال يوم 12 يناير في السنة الميلادية، بينما نحتفل في المغرب في الليلة الثالثة عشر. تولي الثقافة الأمازيغية أهمية كبرى لمسألة التقويم ارتباطا بالأرض دائما ، وبالتالي فقد توارث الأمازيغ تقاليد الاحتفال منذ 950 سنة قبل الميلاد وأصبحت جزءا من ثقافتهم . يتم الاستعداد كل سنة لإحياء هذه المناسبة من خلال القيام بمجموعة من الطقوس مثل تنظيف المنزل ، إعداد وجبات خاصة للمناسبة ، وعند الأكل تقام طقوس معينة منها الأكل الجماعي فلا يمكن تقسيم وجبة " إيض سكاس " ، من شروط أكلها هي حضور كل أفراد الأسرة وقبل الشروع في الأكل ترفع الدعوات طلبا للغيث والمردود الجيد في المحاصيل الزراعية، وأتذكر عندما كنت صغيرا كنا نضع فيما بيننا مجموعة من الأواني في إشارة إلى تحمل كل فرد لمسؤوليته، ونظرا لاختلاط الأمر علينا في ذلك الوقت كنت أحضر القرآن وأضعه عوض الأواني بيني وبين أحد أفراد عائلتي اعتقاد مني أن الاحتفال له مرجعية دينية إسلامية. قبل ظهور وسائل الإعلام الحديثة كان الأطفال الصغار يستمعون إلى حكايات وقصص الجدات في انتظار موعد العشاء، وكانت القيم الأمازيغية تنقل في ثناياها ، أما الآن فإن "سبيس ستون" والمسلسلات التركية والمكسيكية هي التي تصنع مخيال أبنائنا و أصبح تقليد الآخر من سيئات مجتمعاتنا. من بين الأمور التي انتبهت إليها أيضا هي كمية الأطعمة تكون كثيرة مقارنة مع باقي الأيام، لأن الحكايات تقول أن من لم يشبع في عشاء " إيض سكاس" سيظل جائعا طول السنة. يناير بين الحقوقي والسياسي والثقافي: طرح في العقدين الأخيرين نقاش سياسي حول ضرورة الاعتراف بالهوية الأمازيغية في المؤسسات الرسمية للدولة المغربية وقد كان عقد التسعينات، عقدا متميزا في هذا النقاش ، وكانت استجابة المخزن دون المستوى حيث تم الاعتراف بالأمازيغية في إطار تصور لهجاتي من خلال تقديم نشرة الأخبار بالأمازيغيات الثلاث، إلى يومنا هذا لا زال الموقع الالكتروني للقناة الأولى يسميها باللهجات، رغم أنها تخلت عنها في نشرة البث التلفزيوني. بعد سنة 2001 أي بعد خطاب أجدير تم الاعتراف بالأمازيغية رافدا من روافد الهوية المغربية وأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأعطيت له المهام الاستشارية ، ثم تلى ذلك تأسيس قناة أمازيغية، لكن هذه الخطوات ظلت بعيدة عن آمال وتطلعات الحركة الأمازيغية، في سنة 2011 نصت الوثيقة الدستورية على رسمية اللغة الأمازيغية بصيغة يشوبها الكثير من الغموض . وارتباطا بموضوع هذا المقال تعالت منذ مدة أصوات تطالب بضرورة الاعتراف برأس السنة الأمازيغية والاحتفال به بشكل رسمي مثلما يتم الاحتفال برأس السنة الميلادية والهجرية. لكن لحد الآن لا اثر لأية استجابة من طرف الدولة المغربية، عكس ما وقع في ليبيا التي اتخذ فيها القرار بالإجماع من طرف المجالس المحلية للمناطق الناطقة بالأمازيغية. إذا كنا نتحدث عن المصالحة مع الذات الوطنية وإعادة الاعتبار للأمازيغية فإنه أصبح واجبا على الدولة المغربية أن تتحرك وبشكل فوري لإعلان يوم 14 يناير يوم عطلة كل سنة اعترافا بموروث ثقافي أصيل يجمع بين المغاربة ناطقين أو غير ناطقين بالأمازيغية. إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يشكل في نظرنا التفاتة ديمقراطية لجزء من الذاكرة الجماعية للشعوب المغاربية، وهو ما يمكن استثماره في إطار تحقيق الوحدة المغاربية المنشودة بعيدا عن التسميات العرقية الإقصائية، فعبر المشترك الثقافي العميق يمكن إحياء أواصر القرابة مع أشقائنا في كل البلدان المغاربية، وربما سيتسع الأمر ليشمل بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. سيلاحظ كل متتبع للأنشطة التي تنظمها الحركة الأمازيغية في كل ربوع الوطن وفي الخارج أن الاحتفال براس السنة الأمازيغية يشكل فرصة لإحياء الكثير من العادات والتقاليد الأمازيغية من خلال استعادة طقوس الاحتفال القديمة التي قاومت كل المؤثرات الثقافية الأجنبية، عبر هذه الاحتفالات تنظم الأمسيات الثقافية والفنية وتعطى الفرصة للطاقات الإبداعية الأمازيغية للبروز وصقل مواهبها في كل الفنون . إن بين خصوصيات هذه الاحتفالات أنها ترتبط بالجذور وتعطي الأهمية لكل ما هو أصيل في الثقافة الأمازيغية وهو ما يجعلها جبهة مستمرة ضد مؤثرات العوربة والعولمة. تستفيد الحركة الأمازيغية من الاحتفال برأس السنة الأمازيغية لأن الأنشطة التي تنظم من سهرا ت ولقاءات وندوات تسمح للمناضلين بتوحيد جهودهم و تبادل الآراء فيما بينهم والتداول حول مستقبل واستراتجيات العمل مستقبلا خاصة بين جيل المؤسسين والجيل الصاعد من المناضلين الشباب المتحمسين للنضال الأمازيغي والحاملين لهم التحرر والانعتاق. محمد زروال / تونفيت Tweet 0 | 0 | 2| 1. مواقع النشر : a href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=alkhulaqi" انشر الموضوع