آمنتْ بالذي خلقَ رافدَ واد "زيز" و خلقها على ضفافه التي تعرفها عليها أشجارها وأعشابها اليابسة المتضامنة. آمنت بالذي أوجدها فوق رواسِيَ تسمقُ بِضخامة وبَأْسٍ طبيعيٍ، ومناخٍ زادَ من همومها وحَمْلِها مآسيَ تُحصَى عددًا كسرياً، وعيشًا معتلاًّ قَسْريًا، مَبْروءٍ على ما يبدو من حقِّ ولادةٍ، ما دامَ قد أوشحَ موتَ الحواملِ من نساءٍ - يأتيهنَّ أَوشالاً- تاجاً وقلادة. آمنتْ بموتٍ لقيته على أوشازٍ(وهنّ خمسة في شهر) ودون مهلةِ تفاوضٍ تتلذذ فيها صرخات رضيعٍ كأوشاجِ غزُولِ حياةٍ، تنسيها وتتناسى بها أَوْشَاظَ التنمية وشعارات النموّ والتخاريف... آمنتْ أنَّ الموتَ فِي المخاضِ جبانٌ مباغت، يُسِنُّ متسلحاً في فصلِ الشتاء لينقضَّ متضامنًا وَزمهريرًا ووبَاءا، ولكن قد يحدُثُ في أملٍ أنْ تُناقضَ مَثلَ العربِ "كلّ امرأةٍ يهب الله قلبها سعادةً تموت قبل زوجها"، فيصير للموت تنصّل من مهمّة حرمانِ الأبِ والبنت والإبنِ وأَوْشابٍ متنوّعَةٍ مِنْ أمّهاتِ وأفرادِ منطقتها - حرمانِ- مِنْ شارَةِ حِدَادٍ على كتفٍ وضعَ عليه النعش رسمًا ورخصةً وملكيةً ومحافظةً عقاريّةً، ليبني ويُتِمّ بناءَ قصورٍ للحِدادِ، على يَافِطَتها أَعْلى بابها : روحكِ سيميائية تقصير... آمنَتْ أنّ التزامات العمل والعائلة وإكراهات الزمن قد أبرحتها ركن اللاشعور، وأسكنتها فسيح التفقير والتقتير، وألهمتها حُبَّ التضحية حيث التضحيةُ وشُحُّ موردٍ للعيشِ، متاريسٌ لاستشارة ممرضةٍ بعيدةٍ عن بابِ منزلِها بخمسِ ساعاتٍ، وبمسافةٍ لا تتجاوزُ العشرين كلومترا كما نَطقَ بذلك بيان معلوم!!!، وإذا حصل، فلتتحمّل الدولة إذن في قطاعِ نقلها أيضا مسؤوليةَ المسافةِ، ومسؤوليةً عن سيميائية التقصير، فمَا الأمرُ بجديد عن ضحايا من قرانا أبلاهَا نسيانُ وزارة النقل أيضا، وما رحيل ثلاثة من أرواح هذه القرى من جماعة "أموكر" صيف 2010 بطريقة "هتشكوكية" ببعيد، بعدما أمطرت السماء وسالت المجاري لتغرِقَ ناقلتان متتابعتان في وحلٍ لا زلنا نُكتوى بفواجعهه، وفي البيان اعتراف بسيميائية تقصير لِوزارة نقلٍ بلاَ وزيرٍ قائمٍ في انتظار حكومة "البلوكاج"، ذلك "البلوكاج" الذي لزم أوضاعنا منذ أن عَهِدَنا الموت مسلمين مستسلمين ...فماذا بعدَ القدَر؟ وماذا قبْلَ القدر؟ آمنتْ أنَّ "لله ما أخذ وما أعطى"، فخُذِلَتْ من دولةٍ رمتْ حقوقها خلفَ ظهرها، وحُرمتْ من وضعِ موْلودهاَ على ظهرِها، وألقَتْ مسؤوليةَ موتها على عاتقِ سلطةٍ تجنّدتْ خلفَ فكرةِ القدَر سنينًا غابرة، وباتَتْ بغضبٍ تعدو بقدميها هيَ وصغيرُهاَ مسافةَ عشرين كيلومترا في ثلاث ساعاتٍ لتندِّدَ منْ أَمامِ قيادةِ جماعتها بتبريراتٍ نفسيّةٍ واهية، وقودهَا سيميائية تقصير، لا مُسَلَّمَة قَدر، فتَضْطرُّ أنْ تبيت العراء بعدَ أن ضاقت مِن بكاءِ بيتٍ منْ عزاء. فلِمنْ تشكيكَ يا وضعُ في خميسها الأَسود؟ ولمن تحكيك في واقعٍ ينصت فيه مسؤول الخميس لوشايةِ القيل والقال، في حين أنينُ وجَعِها تردده جدران مستوصفٍ ذو صباغة حمراء، لا أجهزة فيه ولا طبيب، إلاّ من ممرضة تحتَرِمهَا وتقدّرها حق تقدير، ف"فاضمة" لا تبخسُ لكلّ ذي معروفٍ اعترافٌ وتعريف... ليسَ الحقّ في دولِ الحقّ إلاّ حقّ، وعندما يُحْرَمُ منهُ صاحبه، صاحبته، بمبرِّر من المبررات، تُفقَد الإنسانيةُ وتستلبُ بغيرِ حقّ على شفا حفرة الإهانة والتنكيل، في أبجديات الحقوق، يدافع عنها القانون ويحاسب على انتهاكها من ثبُتَ في جعبته حق تقصير. أمّا الصيغة الورقية لحق "فاضمة" في دستور الدولة، حقٌّ منْ طبيبٍ وطريق ومعدّات وتعليمٍ، فليترنح عليلاً بين قمتي التهميش والنسيان في مجال سكنها، سكننا، بين قمَمِ جبالٍ تخجلُ منْ توفير حجرٍ للّحدِ كما تخجل منْ عطاء ترابٍ يرتعشُ منْ على كفن... ليست المواطنة بطاقة انتماء عليها عنوان لا يعرف للمواطَنة عنوانا، وليست المواطنة بمفهومها القانوني والفلسفي شهادة سكنى تتحفظ عليها وعنها بيروقراطية القرون الوسطى، كما ليست المواطنة في شيء وهي ترى رؤية الهلال خمس نساءٍ في شهر يودّعنَ وداعًا متشابهاً بنفس السبب والطريقة. المواطَنة سيدتي الدولة في قطاعاتها المسؤولة، هي ذلك الكل الذي يشمل حقوق الإنسان وكينونته وكرامته وشرفه، وأيضا حقّ حياته كحقّ أسمى لِ "فاضمة" ومثيلات "فاضمة"، وساكنة دائرة "فاضمة" ومن حاكاها بؤسا ونسيانا...