لسان حال تونفيت يقول إنها ليست على ما يرام، وإن وضعها في شتى المجالات لا يبشر بالخير ويتحول من سيء إلى أسوأ مع مر الزمان، وإن بصيص الأمل المنتظر من المشاريع الملكية قد تبخر وتحول إلى سراب، السراب الذي حطم آمال السكان وتوقعاتهم على صخرة الواقع؛ هكذا كانت آراء ساكنة تونفيت من أساتذة وجمعويين وطلبة ومعطلين وتجار وفلاحين وغيرهم كثير بخصوص مآل تونفيت القرن الحادي والعشرين، أو بالأحرى تونفيت 2016، وهكذا تأسفوا لحال منطقتهم بعد انتظار طال أمده ولم يحمل في ثناياه ما يثلج الصدور. الموقع الجغرافي تقع منطقة تونفيت ضمن سلسلة جبال الأطلس الكبير الشرقي، وهي تابعة إداريا لإقليم ميدلت (سويسرا الصغيرة) جهة درعة تافيلالت حسب التقسيم الجهوي الجديد، ومكناس تافيلالت قبل الجهوية الموسعة، وعدد الساكنة يفوق 12000 نسمة دون احتساب عدد نسمة المداشر التابعة للجماعة القروية تونفيت، وساكنتها لسانهم أمازيغ فصيح ماعدا بعض الدخلاء عليها من موظفين شاءت الأقدار أن يتم تعيينهم للقيام بمهامهم الإدراية بالمنطقة. مباني المنطقة جلها بُني بالطين، أو ما يصطلح عليه محليا ب"التبوت"، غير أن "الياجور" وجد له موطئ قدم مع التقدم في الزمان، ويعتمد السكان على الماشية (الأبقار والأغنام والمعز)، والفلاحة (القمح والشعير...)، لجني قوت يومهم لهم ولعوائلهم، نظرا لبداوة المنطقة والأرض الخصبة، وتشتهر المنطقة بالفاكهة التي بسببها نزل آدم عليه السلام من الجنة إلى الأرض "التفاح"، كما أن هناك من الساكنة من يعتمدون على واردات الغابة المحيطة بالمنطقة، لاسيما شجر الأرز والعرعار، ويستغلون حطب الغابة إما في صناعة النجارة ومآرب أخرى، وإما للتدفئة نظرا للمناخ البارد، حيث تعرف القرية تساقطات ثلجية مهمة مع حلول فصل الشتاء، وتُعرف المنطقة بجبل المعكسر الذي يبلغ علوه 3257 مترا، وهو رابع أعلى قمة جبلية بالمغرب بعد كل من توبقال ومكون والعياشي. البنيات التحتية لعل أي زائر لتونفيت سيلاحظ أن القرية تتوفر على شارع رئيسي وحيد عبارة عن بوابة الساكنة للانفتاح على العالم الخارجي نظرا لامتداده، هذا الشارع رغم انفراده يعج بالأزبال والنفايات، وهنا يطرح التساؤل بخصوص دور الجماعة والسلطات المحلية في جمع هذه النفايات التي تلوث البيئة وتفسد جمالية ورونق المنطقة. على جنبات هذا الطريق توجد بوابة ثانوية عبد المومن التأهيلية، وهي الثانوية الوحيدة أيضا بالمنطقة التي يقصدها التلامذة أملا في حصولهم على شهادة الباكالوريا قصد استكمال الدراسة الجامعية، سواء بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس أم بملحقة الراشيدية. إلى جانب الثانوية نجد المستشفى العمومي للمنطقة، وهو كذلك الوحيد الذي يلجأ إليه المرضى كلما ألمّ بأحدهم مرض ما، غير أن هذا المستشفى تنقصه تجهيزات ومعدات ضرورية للتدخل السريع، "نعاني أيضا مع طبيبة المستشفى، إذ لا تلج المستشفى صباحا في الوقت المناسب، بل تتأخر حتى يعود نصفنا أدراجه إلى دياره"، تقول مسنة صادفناها قبالة المستشفى المعني وهي تنتظر قدوم الطبيبة قصد الفحص. وكالة بنك المغرب بتونفيت هي أيضا الوحيدة بالمنطقة التي يحج إليها زبناء الوكالة من أجل قضاء حوائجهم البريدية، غير أن الساكنة يشتكون من ممارسات لا إنسانية وتصرفات لامسؤولة من قبل موظف وكالة بريد المغرب، "يؤسفنا أن يكون مثل هؤلاء الأشخاص موظفين لدى الدولة، خصوصا وكالة بنك المغرب، لأن هذا الرجل لا يتعامل معنا كبشر، بل كبقر"، يقول الفلاح الشاب (م. ك) الذي التقيناه وهو ينبجس من داخل الوكالة قبل أن يضيف، "مفردات قاموس هذا الشخص، أي الموظف المعني، مليئة بالسب والشتم وينبغي لنا أن نكون يدا وحيدة من أجل محاربة كل من لا يحترمون أخلاقيات مهنتهم كما هو حال هذا الموظف الذي سئم الجميع، دون استثناء، من سلوكاته المهينة للمواطن التونفيتي"، يختم الفلاح الواعي ومحياه يشي بأن جعبته تخفي المزيد. الملاحظ أن تونفيت تتوفر على "واحد واحد من الحاجة" باستثناء المدارس الابتدائية التي يبلغ عددها ثلاثة مدارس وصيدليتين اثنتين، في حين نجد إلى جانب ما ذكرناه أعلاه، جماعة وحيدة أيضا وقيادة واحدة كذلك إلى آخره من مؤسسات الدولة. المنتجعات السياحية مما لا يختلف حوله اثنان أن تونفيت بها من المناظر السياحية الجبلية ما يشفي الغليل رغم كل ما قيل بخصوص البنيات التحتية المهترئة، خصوصا "حاماة إمتشيمن"، وهي عبارة عن بحيرتين يحيط بهما الإسمنت من كل جانب تتدفق منهما مياه دافئة تشفي، حسب شهادة الكثير من الزائرين للمنتجع، العديد من الأمراض، خصوصا الأمراض الجلدية، غير أن هذه "الحاماة" في مسيس الحاجة إلى المزيد من الاعتناء والصيانة والترميم من أجل إغراء الزوار على حج المزار. جبل المعكسر الذي ورد ذكره أعلاه، والذي يلتحف بياض الثلج لما يزيد عن نصف السنة، تتواجد على سفحه مغارة تسمى محليا "إفري ن المعسكر" أو مغارة جبل المعسكر، وهي بدورها تعد مزار الكثير من السياح المزودين بالمأكل والمشرب، سواء من الساكنة المحليين أو بعض الزائرين للمنطقة بغية سبر أغوارها والتوغل في أعماقها. "وللراغبين في شد الرحال إلى المغارة المعنية ما عليهم سوى المشي على الأقدام لكيلومترات معدودات قصد الوصول، لأن الطريق بواسطة سيارة غير مدرجة في برنامج وزارة التجهيز والنقل"، يقول طالب سبق أن زار المغارة. إلى جانب "حاماة إمتشيمن" و"إفري ن المعكسر"، نجد إكنزار ن أوفوناس"، أي أنف البقر بالعربية، وهذا المنتجع عبارة عن فتحتين تتدفق منهما المياه فتجتمع في بحيرة صغيرة يقصدها الزوار من أجل السباحة في مياهها، إلا أن هذا المزار هو الآخر في حاجة إلى الاهتمام، خصوصا على مستوى الطريق، لأن الطريق المؤدية إلى البحيرة كلها متربة وغير معبدة ولا تشجع على الزيارة للمرة الثانية. مشاريع ملكية منجزة وأخرى في خبر كان لما زار الملك قرية تونفيت سنة 2008 بسبب انتشار الوفيات في صفوف الأطفال والنساء الحوامل بمنطقة "أنفكو" جراء البرد القارس الذي يجتاح المنطقة كل فصل شتاء، دشن محمد السادس خلال زيارته مشاريع بغية تحريك عجلة التنمية بالمنطقة التي تعرف ركودا لا تحسد عليه، ومن ضمن ما دشنه الملك حسب ما أفادنا به مواطن غيور على منطقته، نجد، على سبيل المثال لا الحصر، المركب التربوي للتكوين المهني وإدماج الشباب، هذا المركب لقي استحسان المواطنين بادئ الأمر، غير أن أبوابه الموصدة بعد التدشين الملكي، حسب شهادة ساكنة تونفيت الذي حظروا تدشين المركب، أثارت حفيظة المواطنين، متسائلين عن جدوى المركب مادام لن يستفيد منه شباب المنطقة المحتاجين إلى مثل هذه المؤسسات، زد على ذلك أن المركب صمم تصميما صليبيا بعد أن تمت معاينته عبر تطبيق "كوكل ماب"، وهذا التصميم الهندسي الغريب يثير أسئلة كثيرة بخصوص المغزى من هذا النوع من التصاميم الهندسية. بالإضافة إلى المركب، نجد، حسب شهادة الشهود أنفسهم، مسجدا كان من ضمن المشاريع المزمع الشروع في تشييدها بعد الزيارة الملكية، غير أنه مجرد مشروع محرر على الأوراق لا يزال معلقا في الرفوف ويحتاج إلى من ينفض الغبار عنه ليخرج إلى حيز الوجود قصد الاستفادة منه، لأن المسجد المعني لم ير النور لحدود الساعة ولم يتم البدء في بنائه لحدود كتابة هذه السطور. دون أن ننسى مشروع قنوات الصرف الصحي المدشن بغية الحفاظ على البيئة وعلى نقاء المنطقة التي تعرف انحباسا في البالوعات مع كل زخة مطرية تعرفها المنطقة، وهو ما يفضي إلى تجمع المياه في الشارع الرئيس للمنطقة ويحول دون مرور عملية سير سواء السيارات أو المواطنين بسلام. وما زاد الطين بلة هو أن السلطات المحلية تطلب من الساكنة، حسب الشهود أنفسهم، تسديد تكاليف إنجاز هذا المشروع الذي ينتظره السكان بفارغ الصبر بالرغم من أن المشروع ملكي ورصدت له ميزانية تقدر بملايين الدراهم حسب المصدر نفسه. ناهيك عن مشروع "مائة دار" مثار الجدل بالمنطقة، إذ إن هذا المشروع الملكي دُشن خصيصا، حسب مصادر جمعوية، من أجل إيواء الأسر الفقيرة التي لا تملك مسكنا يقيها قساوة البرد شتاء وحرارة الشمس صيفا، غير أن المستفيدين من هذه القرية النموذجية منهم من تُطرج بخصوصهم علامات استفهام وتحوم حولهم الشكوك حول أحقية استفادتهم من المنازل من عدمها، بل منهم من وضعه الاجتماعي والمادي لا بأس به وفي خانة الطبقة المتوسطة واستفاد من السكن، كما أن معايير الاستفادة من هذه المساكن مجهولة نظرا لعدة اختلالات تشوب المشروع المذكور. هذا دون أن ننسى أن هذه "القبور"، كما يحلو لساكنة المنطقة أن تسمي هذه المنازل، مهترئة، بل ومنها مساكن آيلة للسقوط والتشققات تعتليها بسبب النقص الملحوظ في مادة الإسمنت، كما أن أسلاك الكهرباء بادية للعيان وتشكل خطرا حقيقيا على صاحب المسكن وعلى كل المنازل المجاورة. "هذه المنازل عبارة عن قبور للأحياء قبل الأموات وقد تهدم فوق رؤوس أصحابها في أي وقت، فعلا لقد استرخصوا أرواحنا ومتأكدون من أن إنسانيتنا في خبر كان لما قبلوا أن نسكن في هذه الأقفاص"، يقول واحد من المستفيدين من مشروع مائة دار بتونفيت. المنطقة، حسب ساكنة المنطقة، في أمس الحاجة إلى التفاتة ملكية أخرى من أجل ردع المفسدين ومكافأة الشرفاء الغيورين على منطقتهم، وبغية الوقوف عند أهم الاختلالات البنيوية التي تعرقل تنمية المنطقة في مختلف المستويات.