بدل أن تكون الفترة المتبقية التي تفصلنا عن انتخابات 4 شتنبر 2015، مناسبة لعرض المجالس لحصيلتها في تدبير الشأن المحلي، ومحطة لمحاسبة أدائها شعبيا و مؤسساتيا، تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ، أصبحت عوض ذلك مناسبة لرؤساء و أعضاء سابقين في الجماعات الترابية للهرولة دون انتظار ،نحو حلبة سباق لا تعترف سوى بسلطة المال،بغية الظفر بمراتب متقدمة في ترتيب اللوائح الانتخابية للأحزاب المتنافسة ،إما حفاظا على موقع هم الوحيدون الأعلم بما يدره عليهم،أو ضمانا لمكسب مادي تحدده "بورصة" الانتخابات ، مقابل تعزيز أغلبية لائحة معينة بعد الاقتراع لتشكيل مكتب،أو ترجيح كفة مرشح لتبوء منصب الرئاسة ،وقد كانت العملية في السابق وحسب ما جرت به العادة ،تتم بِتَسَلْمِ من يقبلون ببيع ذممهم بمبالغ مالية ،ليقوموا بدورهم بتسليم شيكات لأحد أعضاء المجموعة التي يعقدون صفقة معها، بالإضافة إلى أداء القسم على "المصحف" لاستمرار الولاء والتبعية إلى آخر الولاية ،ما لم يحدث ما يطيح بالأغلبية،كما حدث مع أغلبية الرئيس السابق للمجلس الحضري لميدلت ،بعد أن تم تصويره متلبسا بتلقي رشوة هو وعضو آخر،بالإضافة إلى جر عضوين آخرين من نفس المجلس إلى القضاء بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد ،وهي شيكات سلمها صاحباها لمافيا الانتخابات،والتي يعرف "العادي والبادي" أنها نتاج عفن سياسة غير مبنية على الثوابت والمرتكزات المتعارف عليها ،و التي تعتبر الانتخابات بشكلها الحالي مطرح قاذوراتها . لا يتوقف الأمر في هذه العملية على "المستشارين" السابقين، بل يتعداه إلى "لاعبين"جدد تستقطبهم اللعبة أيضا ، وهم مجموعة من المرتزقة الذين قرروا بيع كل شيء مقابل مكاسب لحظية وقد شرع مفسدو الحياة السياسية في تسويقهم كوجوه جديدة ملتحقة بركب الوصولية والانتهازية والفساد، لتيئيس كل من لا زال متمسكا بالمبادئ ،وبانتهازية فاضحة يسعون إلى ضمان وجود أسمائهم على لوائح انتخابية، تمكنهم من دخول الجماعات الترابية المشرعة أبوابها لاستقبال كل من هب و دب،"باحثون عن نهب نصيبهم من المال العام،انتهازيون،مرتزقة العمل السياسي،عديمو الضمير" ،هذا دون إغفال الدور المحوري الذي يلعبه سماسرة الانتخابات في التوسط لأصحاب المال القذر والسياسة العفنة والنفوذ ،لتأمين أغلبية مريحة لهم تكفيهم شر الإقصاء من الاستفادة مما توفره الجماعات الترابية من إمكانيات مادية ومن سبل عديدة لتأمين المصالح الخاصة،وهناك ثلة من ذوي النيات الحسنة ،التي مع كامل الأسف لا تكفي وحدها لإضفاء المصداقية على عملية اقترنت تاريخيا بالتزوير والفساد ومصادرة إرادة المواطنين ،ولا لدرء خطر وصول الأيادي القذرة إلى المال العام ،وكما يقال:"طريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة" هؤلاء قد لا يتسنى لهم الوصول إلى عتبات أبواب الجماعات الترابية ،وحتى وإن حدث وتحقق ذلك، فوجودهم من عدمه لن يشكل فارقا،نظرا لعوامل عدة مرتبطة بطبيعة الانتخابات في هذا البلد وبطريقة إجرائها وبهدف الطبقة الحاكمة منها،ومن هذه العوامل،ماهو قانوني، تنظيمي وسياسي ....بالإضافة إلى عوامل أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها ، وهي عوامل مساعدة على إدامة الاستبداد والفساد، ووأد حق الشعب في ديمقراطية حقيقية ،والتي ليست الانتخابات سوى واحدة من آلياتها فقط . إن المتتبع للمسار الذي قطعه تدبير المجالس للشأن المحلي بجماعات الإقليم ،لا يحتاج إلى كبير عناء،ليتبين مستوى الاستهتار بالمصالح الحيوية للمواطنات والمواطنين،وبضحالة الأداء،وعفن نوع السياسة الممارس في التسيير و التدبير إذ أن الاختلاف والصراع اللذان غالبا ما يطفوان على السطح بين المكونات ،"أغلبية" و" معارضة" بعيد كل البعد عما تتطلبه الممارسة السياسية،لأنهما في الأصل "اختلاف و صراع "حول مصالح خاصة، تعتبر حيوية لكل طرف ،وضمانا لاستمرار أغلبية حتى ولو كانت ممارسات بعض المنتمين إليها مشينة وتضرب في العمق مبدأ النزاهة والشفافية وتضر بالمصلحة العامة. وبعودة إلى ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية وضمنها "ميدلت أون لاين" ،في إطار متابعتها للشأن المحلي، نجد أن رؤساء جماعات قروية وبلديات ،يتسابقون للترشح رغم ورود انباء عن قيام لجن تابعة للمجلس الأعلى للحسابات بافتحاص ماليتها ،بل ومثول بعضهم أمام قضاة بهدف البحث والتحقيق في تهم منسوبة إليهم ،إلا أنه وفي غياب أي تفاصيل عن مآل الشكايات المسجلة ضدهم ،والتي ليس بالضرورة أن يكون كل ما ورد فيها صحيحا وثابتا في حقهم، انطلاقا من قرينة البراءة هي الأصل، التي لا يمكن أن يؤكد عكسها سوى قضاء نزيه مستقل،يبقى من مسؤولية الجهات المختصة تنوير الرأي العام بخصوصها،خاصة وأن غالبيتهم وحسب مصادر من داخل الأحزاب التي ينتمون إليها،أو التي رحلوا صوبها سيصبحون وكلاء لوائح ،مسنودين بأباطرة المال. وفي ما يلي تذكير بالمتابعات المسجلة في حق بعض رؤساء الجماعات التي توبع رؤساؤها أمام القضاء أو التي تفجرت فيها فضائح كبيرة : بلدية ميدلت : تم الاستماع إلى رئيسها مرات عدة دون إتهامه رسميا ، في قضايا تتعلق بتبديد أموال عمومية كما حضرت عناصر أمنية مكلفة بالبحث والتحري في الموضوع من مدينة فاس إلى مقر البلدية أكثر من مرة . جماعة تونفيت : توبع الرئيس بتهمة تقديم رشاوى للمستشارين لانتخابه، بالإضافة إلى ورود اسمه في قضية تلاعب في رخص البناء ،التي اعتقل على خلفيتها مستشار وتقني . جماعة أغبالو : توبع رئيسها ونائبه الأول بتهمة تبديد أموال عمومية والتزوير في وثائق رسمية والمشاركة في ذلك ،أمام محكمة جرائم الأموال بفاس وأدينا بعقوبة حبسية مدتها أربعة اشهر موقوفة التنفيذ . جماعة بومية : تفككت الأغلبية التي انتخبت الرئيس ،وأصبح المجلس تحت رحمة مفسدين وسماسرة العمل السياسي والمتلاعبين بأموال المواطنين لتؤول التجربة إلى حجز أسطول الجماعة من العربات (سيارتان خفيفتان+ جرار+ شاحنتين كبيرتين ) على خلفية تنفيذ حكم قضائي لأحد الممونين مدين للجماعة ب 300 مليون سنتيم لا يعلم عنها المجلس الجماعي شيئا . جماعة كرس تيعلالين : توبع رئيسها أمام القضاء على خلفية قيامه بهدم مباني سكنية على بقعة أرضية يدعي ملكيتها . بلدية الريش : لايزال الرئيس وأربعة مستشارين متابعين أمام القضاء في حالة سراح على خلفية التلاعب في توزيع بطائق الإنعاش الوطني ، الملف لايزال رائجا أمام المحكمة ... المجلس الجهوي لجهة مكناس*تافيلالت: اختلالات مالية وتدبيرية بعدة مشاريع صحية بجهة مكناس تافيلالت(نقلا عن جريدة المساء 09 أبريل 2015 العدد 2652) . وارتباطا بذات الموضوع، أشار التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2013، في جزئه الثاني الخاص بمراقبة التدبير واستخدام الأموال العمومية، إلى العديد من الاختلالات التي عرفها تدبير مجلس جهة مكناس تافيلالت في توزيع الدعم على الجمعيات، والتي تستحوذ على نسبة كبيرة من ميزانية التسيير، حيث بلغت أوجها سنة 2010 بنسبة 45,47% من ميزانية التسيير، وهي السنة التي سبقت الانتخابات التشريعية التي أجريت سنة 2011. المصدر:الأحداث المغربية الكاتب:عبد الرحمان بن دياب التاريخ:12_04_2015 المجلس الإقليمي لميدلت: كشف نائب رئيس المجلس الإقليمي(المتوفى) بميدلت خلال ندوة صحفية عقدها في وقت سابق ، بأن رئيس المجلس المذكور يرفض إدراج مشروع إتفاقية " البرنامج المندمج لتأهيل المدن والمراكز بإقليم ميدلت " الذي يبلغ غلافه المالي الإجمالي 112 مليار سنتيم في مداولات المجلس الإقليمي لمناقشته والتصويت عليه بالرفض أو القبول. كما اتهم رئيس ذات المجلس عامل الإقليم بالقفز على اختصاصاته وتهميش دوره في تدبير أمور الإقليم ،وتهرُّب العمالة عن توضيح أوجه صرف مبلغ ملياري سنتيم تم سحبه من ميزانية المجلس من طرف العامل بدعوى تغطية مصاريف...وهي الشكاية التي على إثرها تم إيفاد لجنة للتحقيق من لدن وزارة الداخلية إلى عمالة ميدلت. انطلاقا من المعطيات السالفة الذكر يتضح أن المواطنات والمواطنين، سيجدون أنفسهم في موقف المتردد قبل اتخاذ قرار المشاركة من عدمه في انتخابات جديدة،يعلمون مسبقا أنها لن تختلف في الجوهر عن سابقاتها ،نظرا لصعوبة تجاوز الآثار السلبية التي خلفتها الفضائح التي عرفتها بعض الجماعات ،والمتابعات القضائية لرؤساء جماعات أخرى،بالإضافة إلى اكتشافهم لخبايا وأسرار السياسة العفنة التي تدار بها شؤونهم حيث الفساد و غياب برامج للتنمية ،و استعمال المال القذر لشراء الذمم ،والرشاوى و نهب المال العام والابتزاز بهدف الاغتناء غير المشروع، و غياب ضمانات حقيقية لعدم تكرار هذه المهازل المحكومة بثلاثية سلطة المال وعفن السياسة وعدم حياد السلطة. إن هذه المهازل التي لا تخدم في شيء المصالح الحيوية للجماهير الشعبية ،لن يتم القطع معها ،إلا بمحاربة ثقافة الخنوع واللامبالاة والاستسلام وسط هذه الجماهير وخوض صراع مرير ضد كل الأطروحات التضليلية الانهزامية وكنس الانتهازيين المروجين لهاداخل التنظيمات الديمقراطية التقدمية الحقيقية ،باعتبارها صاحبة المصلحة في التغيير ،وتبني ثقافة المقاومة والنضال ، لأنها السبيل الأوحد للقضاء على الفساد و الاستبداد ،والوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة في ظل دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا ،يكون فيه الشعب مصدرا لجميع السلط .