تناضل الجمعيات الحقوقية والمنظمات و الهيئات الإنسانية من أجل تحسيس و توعية المواطنين بحقوقهم حتى يتم إحقاق كل الحقوق و احترام إنسانية الإنسان و يتمتع بذلك الجميع بحقوقه كاملة حيثما وجد و أينما حل. و تعتبر الكرامة من أهم هذه الحقوق بل هي أساسها و قيمة الإنسان عينها بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو لونه... فلا يمكن الحديث عن الحرية أو العدالة مثلا في غياب الكرامة. بل و قد يفقد الفرد حريته لسبب من الأسباب، و يجب أن يبقى محافظا على كرامته في كل الأحوال. إن الإنسان هو المنطلق و هو الهدف في نفس الوقت بحيث لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن ندوس كرامة شخص أو شعب من أجل هدف ما مهما بلغت أهميته أو كبر و عظم شأنه. إن الكرامة تولد مع الشخص الإنساني و ينبغي أن تلازمه طول حياته و لا علاقة لها لا بعمله و لا بمنصبه أو بموقعه و أملاكه و نفوذه. فالإنسان إنسان و كفى. بهذا المعنى لا يمكن احترام كرامة الإنسان باعتباره شيئا أو أداة تستعمَل من أجل الوصول إلى غاية أو هدف و إنما يجب الإعتراف به لذاته و لشخصه. الشيء الذي نلاحظ عكسه لدى بعض الأشخاص أو الجمعيات التي لا تحترم كرامة الآخرين و لا تعير لها أي اهتمام. تسمح لنفسها بسلوك و ممارسة تهينهم و تحط من كرامتهم مستغلة في ذلك ظروفهم المعيشية و عدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم. كما تساهم الدولة بدورها في هذه الإهانة بالسماح لهذه الجمعيات و غيرها للقيام بمثل هذه الأنشطة التي لا تُحتَرم فيما الحقوق الأساسية للإنسان. لقد أصبح الجميع مؤخرا، بفضل مجهودات جمعيات مناضلة و مسؤولة، على علم بمعانات المغاربة القاطنين بأعالي الجبال. كيف أنهم يعيشون على الهامش، كيف يُحرَمون من الإستفادة من حطب الغابات التي يقطنون بها من أجل التدفئة و الطهي أو الرعي بضواحيها، وكيف يرخص لغيرهم ممن يمتلك النفوذ و الأموال باستغلالها و قطع أشجارها أخضرها و يابسها. و كيف هي مجسدة بالفعل على أرض الواقع مقولة المغرب غير النافع في هذه الربوع من وطننا الحبيب. الإنسان في الأطلس مقهور من طرف الطبيعة القاسية و الجغرافية الوعرة و مهان من طرف جمعيات تتاجر باسمه و تلمع صورتها على حسابه و تخلق البلبلة و الحقد في أوساط لا تعرف سوى التضامن و التعاون و التآزر. هل هذا هو جزاء ما قدموه من تضحيات للوطن ؟ و هل هذا اعتراف لهم بما أدوه بسخاء و نكران الذات لهذا البلد؟ كانوا يقاتلون الفرنسيين و الإسبان و يقتاتون على أوراق الأشجار حفاظا على كرامتهم و دفاعا على وطنهم، و الآن، و قد استتب الأمر و استقر الوضع يعاملون بدون احترام و بدون اعتبار. يا له من جزاء! كيف يمكن لمن يُرغَم على مد يده إلى الآخر الحفاظ على كرامته؟ كيف نريد تنشئة مواطن يحترم نفسه و يحترم الآخرين و نشجع من يدوس على كرامة غيره و ندعمه؟ إذا كان المغاربة سواسية في حقوقهم و في واجباتهم فإن سكان الجبال ينادون و يستغيثون و يصرخون و يقولون " لسنا في حاجة لا إلى ألبسة مستوردة و لا إلى أفرشة و أغطية صينية، ألفنا نسجها و صنعها من صوف ماشيتنا. لسنا في حاجة إلى مؤونة من أرز وقلب سكر أو لتر زيت و كيس دقيق، نعرف كيف ندبر شؤون حياتنا بأنفسنا كما عهدناه من قبل و كما نفعله مباشر بعد مروركم لأن ما تأتون به لا يعدو أن يكون وجبة واحدة على الأكثر. نحن في أمس الحاجة إلى مشاريع تنموية حقيقية ترقى بمناطقنا إلى مصاف الجهات المحظوظة من هذا البلد، نحن في أمس الحاجة إلى رد اعتبارنا و صيانة كرامتنا. من أين تأتي الجمعيات التي " تآزرنا " بدعمها و إمكانناتها؟ أليست أموالنا المستخلصة من الضرائب و غيرها؟ لماذا وجب المرور عن طريق غيرنا لمساعدتنا؟ سئمنا... " عن أية كرامة يمكننا الحديث مثلا عندما نرغم شيخا في عقده الثامن- لعن الله الفقر- أن يمد يده لتسلم كيلوغرام أرز أو كيس دقيق و ندعوه ليبتسم حتى نلتقط له صورة تشهد على الإنجازات التي نحققها؟ عن أية كرامة نتحدث بتكريسنا للتراتبية-اليد العليا و اليد السفلى- في المجتمع؟ قال ابن خلدون و هو يتحدث عن أخلاق و طباع سكان شمال افريقيا،-و المغاربة جزء منهم و العقل في التاريخ كما يقول هيكل- وصفهم فى كتابه العبر بقوله : "و اما تخلقهم بالفضائل الانسانية و تنافسهم فى الخلال الحميدة و ما جبلوا عليه من الخلق الكريم ، و من عز الجوار و حماية النزيل و رعى الادمة و الوسائل و الوفاء بالقول و العهد و الصبر على المكاره و الثبات فى الشدائد و حسن الملكة و الإغضاء عن العيوب و التجافى عن الانتقام و الرحمة بالمسكين و بر الكبير و توقير اهل العلم و حمل الكل و تهئية الكسب للمعدوم و قرى الضيف و الاعانة على النوائب و علو الهمة و اباء الضيم و مقارعة الخطوب...فلهم فى ذلك اثارا نقلها الخلف الى السلف لو كانت مسطورة لحفظ منها ما يكون أسوة لمتبعيه من الامم." عندما نقرأ مثل هذه الشهادات، نتساءل: ماذا بقي من هذه الطباع و هذه الأخلاق؟ من المسؤول عن زوالها و اندثارها؟ كيف يمكن للمغاربة الحفاظ على كرامتهم و احترام غيرهم كما فعل أجدادهم ؟ كيف يمكن لخلفهم أن ينقل عن سلفهم مثل هذه القيم كما جاء على لسان هذا المؤرخ؟