عجيب أمر المغاربة، ينسون بسرعة و يثقون بسهولة! ينسون كل تجارب الماضي الإيجابية منها و السلبية، الحديثة منها و القديمة. ينسون أن التاريخ ليس إلا وقائع و أحداث الماضي، و أن الذاكرة فردية كانت أو جماعية، ليست سوى حفظ و ترتيب هذه الأحداث و الوقائع. ينسون كذلك أن الذاكرة هذه تساهم بشكل أساسي في فهم الحاضر و بناء المستقبل. و يثقون بسهولة تكاد تكون تلقائية. ولا أعني من له قدرة كبيرة على الإقناع، و بلاغة في الخطاب، لأن هذه كفاءة خاصة و استثنائية لا يتوفر عليها جميع مسؤولينا الذين يطلون علينا كلما حُددت بعض التواريخ و قَربت تلك المواعيد. هؤلاء المسؤولون الذين يستغلون سلبا ظروف و ثقة المغاربة للبقاء في مناصبهم و الحفاظ على مصالحهم. و ينسى المغاربة أن كل فرد، من أي مجتمع كان، لا يحمل الهم إلا لمن هم في نفس وضعيته، و من نفس طينته. أولئك الذين يتقاسم معهم نفس الثقافة و الأفكار و ينتمي إلى شريحتهم. و أن الخبير و الوزير و المدير، حتى و لو انحدروا من الفقر، أو كانت أسرهم من الشعب، فنظرتهم إلى الواقع مغايرة، و همومهم و اهتماماتهم مخالفة. و ينسون(المغاربة) عندما يعود إليهم من كان بالأمس منهم، أو من الذين ينتمون إليهم، ثم يخاطبهم في ثقافتهم، و بلغة أجدادهم، و يحدثهم عن أواصر قرابته معهم، و تاريخ ذويه بينهم، و يلجأ إلى إقحام الدين و استعماله، و يؤكد على قيمة الإيمان بالقدر خيره و شره. و يخلق بصعوبة، علاقة بينه و بين حب البلاد و الوطن، و يستنتج خلاصة مفادها حب الأوطان من الإيمان! متناسيا التطرق إلى مأسات مخاطبيه و معاناتهم، و متجاهلا أوضاعهم و مشاكلهم. و يثقون بأقواله! و يساندونه في أفكاره و لا يترددون في احتضانه و تبني مشاريعه و أهدافه. يثقون فيه، و ينسون أنه، هو بنفسه، أو أحد من أمثاله، قد جاء بنفس الخطة، وسلك نفس النهج. و ينسون أن يعاقبوه أو يحاسبوه أو أن يناقشوه حتى! ، و ينسون، أنه إذا ما استوت أموره، و تحققت أغراضه، ستتعدد و تكثر مشاريعه، و ستتغير و تنقلب أفكاره، و يتنكر لهم و لأصله و أهله. و سيتخلى عن المستضعفين من المواطنين، و يغيب عن تجمعات من شدوا أزره و عضده. و سيصبح إلى جانب من كان يعاتبهم و يهاجمهم، و سيعانقهم و لن يفارقهم. و ينسى المغاربة أن القدر من جنس الفكر، فلا يد و لا سلطة لأحد على قدرنا سوى فكرنا، و أن واقع حالنا ليس إلا تجليا لأفكارنا. فكلما كان الفكر حرا و تحرريا، عشنا في فضاء رحب متسع، و كلما كانت أفكارنا غير ذلك، كان قدرنا في يد غيرنا. فنحن من يختار ما نود أن نكون عليه. إما أن نعيش في رحاب الحرية و فضاء الديموقراطية، أو في قبضة التبعية و تحت الوصاية. و أن الفكر و العمل وجهان لعملة واحدة. فالعمل بكل أنواعه و أشكاله واجب على الفرد مهما تكون حالته و أوضاعه. فمن اضطر مثلا للخروج إلى الشارع للإحتجاج على غلاء المعيشة أو على الزيادة في فاتورة الماء و الكهرباء، عليه أن لا يتردد في ذلك لإيمانه القوي بقضايا المجتمع و أفراده. لأن حب الوطن لا يتجلى أبدا في تبرير ما يسيئ إلى البلاد و العباد، و إنما، على العكس من ذلك، في حمايته و صيانته. حمايته أولا من الأفكار التي تضر بأبنائه و بناته. تلكم الأفكار التي تجعل من الإتكال فضيلة، ومن الإنغلاق وسيلة، ومن النقاش و الحوار جريمة، ومن الإنفتاح خصلة ذميمة! و صيانته ثانيا - حسب القدرة و الموقع- من الأخطار التي تتهدده و من المؤامرات التي تحبك ضده، كالتمادي في الإقتراض من الخارج دون استشارة الشعب و نوابه، هذه القروض التي ترهن حاضر و مستقبل الوطن. أو التفاني في تطبيق توصيات مؤسسات هدفها الربح وضمان الحفاظ على رأسمالها دون مراعاة مصالح الشعب و مستقبل أبنائه. أو محاولة تبديل سلوك الشعب و ثقافته، و الإجتهاد لتمرير بديل غريب مناقض للواقع في كل أبعاده. لنرفع، إذن، شعارا و نردد جميعا بصوت واحد: لا للثقة العمياء، الثقة و الحذر! لا للنسان، ذاكرتنا هي تاريخنا. لكن، ما هو سبيل جعل ذاكرة شعبنا قوية، وثقتة بصيرة، و بصيرته ثاقبة؟ كيف يمكن لمن يعيشون في حياتهم نكسات، و يوجدون في الهامش لسنوات و سنوات، أن ينتجوا أفكارا تقيهم و يصنعون ثقافة تحميهم؟ الغازي لكبير أغبالو في 14 نونبر 2014