المجموعة القصصية المعنونة باسم:"عاشقة الورد" للكاتب يوسف كرماح تشبه إكليلا من الياسمين المزهر بأرض الإبداع الخصبة، فلها دور فعال في حث القارئ على تنشق عطرها بشكر لاشعوري ليصبح فعل الحاسة شعوريا، فمن قرأ حرفا طمح لقراءة المزيد، ومن قرأ سطرا تمنى لو بالقصة من الأسطر المزيد. في الحقيقة لن يتذوق بعمق جمالية الكتابة عند كرماح إلا من قرأ له مجموعة يسيرة من أعماله الواقعية التي تكشف ستار المجتمع وتعري خفاياه. "مكر الرجال"،"الصدفة اللعينة"، "عاشقة الورد"...وغيرها من القصص التي تتخذ اتجاه واحد لتعالج نفس القضايا المعاشة بأوساطنا الراهنة. "الهاربة" واحدة من القصص الاجتماعية التي دونها الكاتب لينقل لنا معالمها الواقعية بأحرف حية على الورق، تنادي بإنصاف المرأة المهمشة و المسيطر على إرادتها بالدرجة الأولى. المرأة الابنة والأم كبطلة "مكر الرجال" المرأة الرفيقة كبطلة "الصدفة اللعينة"، المرأة العشيقة و المرأة الصديقة بقصة:"عاشقة الورد". يصور لنا الكاتب المرأة في أشكال متباينة، فأحيانا يختزلها في الجسد وأحيانا العقل و أحيانا أخرى الوطن و في أغلب الأحيان الدنيا الدانية المرة الصعبة المعاش، غير أننا نلاحظ بداخل كل حرف حمولة من الأمل الذي قد يتغير معه الحاضر لمستقبل مشرق. جميل جدا كون كاتبنا الشاب رغم حداثة سنه سلك طريقا رسمها قبله الكاتب العملاق محمد شكري، بكشف ستار المسكوت عنه بلغة الأحرف والكلمات، وهاته هي ميزة هذا النوع من الأدب والذي يسمى ب: بالأدب المعلم، فهو ينقلنا بصورة واضحة المعالم إلى كيف يجب أن تكون صورة العالم المثالي الملتزم بعاداته وتقاليده و إيديولوجياته حيث تكمل هاته العناصر بعضها البعض لتعطينا المجتمع المثالي. لكن ليس قبل نزع الستار على العالم السفلي. أحيانا مثالية وقدسية المجتمع تمنعنا من تغيير أبسط الأمور فيه وإن كانت بذلك تحقق سعادة الفرد ولن تغير من قاعدة الخط السوي شيئا، ولكنها تبقي على حدود المجتمع وعلينا تبنيها و الحفاظ عليها وإن كانت خاطئة، وهذا ما حاول الكاتب الإشارة إليه في قصة :"الهاربة"، حيث يشكل رفض طاعة الوالد معصية وفضيحة للعائلة، و الرضوخ لرغبته يشكل نموذج الأسرة المحافظة و هذا ما حاول الكاتب أن ينبهنا إليه بالقصة فقد تمردت الفتاة من أجل سعادتها و وقد كان الوالد ليبيعها لمن يكبرها سنا طمعا في ثروته والحياة الرغدة التي كان من الممكن أن يؤمنها لهم لو تم الزواج. هنا الصورة التقليدية للمجتمع الأبوي تكسرت كي تعيش الفتاة الحياة المثالية التي أطلعها قلبها وحواسها عليها. الالتزام بالعادات والتقاليد شيء جيد فهي التي تجعلنا نعيش في عالم منظم وسعيد، ولكن شريطة أن لا يكون قانون المجتمع يتماشى ضد مصلحة الفرد وسعادته. هاته المرحلة التي نعيشها عيشت من قبل بالمجتمع الفيكتوري المحافظ حيث العادات كانت دوما تطبق على حساب الفرد ، أديبات كثيرات هن اللاتي ناقشن الوضع قديما ك:"جين أستن" الروائية الإنجليزية مع عملها:"إحساس وعاطفة"، حيث تصور لنا الرواية حياة عائلة:"داشوود" الذي لديه زوجتان الأولى لديها ابن واحد:"جو" والثانية لديها ثلاثة فتيات:"اليونور"،"ماريان" و"مارغريت". بعد وفاة الزوج انتقلت الأملاك إلى الزوجة الأولى و ابنها فأصبحت الزوجة الثانية في حالة سيئة، وبذلك انتقلت العائلة للعيش بكوخ صغير في أرض بعيدة. تروي القصة حياة بناتها وتحكم العقل والعاطفة بهن. البطلات بكتابات الكاتب يوسف كرماح من كل الطبقات والفئات العمرية، وهن شبيهات بنات عائلة :"داشوود" في دوامات الحياة لابد أن يتوقعن كل شيء كما نلمس في قصة "مكر الرجال"، حيث البطلة انتقلت من حياتها المثالية بين أحضان أسرة ميسورة الحال، إلى حياة الشارع والبؤس لتشب وتشيب بين أحضان الشوارع الباردة القاسية. جميل جدا أن تكون الكتابة هادفة ومعلمة وهذا ما راقني ولابد أن يروق قارئي المجموعة القصصية :"عاشقة الورد".