التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    البطولة: الرجاء البيضاوي يرتقي إلى المركز الرابع بفوزه على المحمدية وآسفي ينتصر على تواركة    تشييع جنازة الراحل محمد الخلفي إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالبيضاء    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب (مذكرات أديبة فاشلة)

الأديبة والكاتبة والقاصة السعودية زينب البحراني، ناشطة سعودية كبيرة ورائعة، ونجمة ساطعة ومتألقة في سماء المرأة السعودية، كانت من بين الفائزين بجائزة فرع (الإبداع) الأدبيّة العالميّة لعام 2008م عن إحدى مخطوطاتها القصصيّة، بعنوان (أحلام.. وكوابيس) ، لها العديد من القصص والكتابات المميزة. صدر لها كتابان، أحدهما مجموعة قصصيّة بعنوان (فتاة البسكويت) عام 2008م، والثاني (مذكرات أديبة فاشلة) في العام 2011م. تكتب إضافة إلى القصّة القصيرة، الرّواية، والمسرحيّة، والمقالات، بجانب مجموعة من التغطيات والاستطلاعات والتحقيقات الصحفية الثقافية التي تمس أوجاع المثقفين العرب، نالت العديد من الجوائز الأدبية على قصصها.
تمكنتُ من الحصول على نسخة الكترونية من الكتاب، هدية من الكاتبة، وقمت بقراءته بشغف شديد، فقد استفزني عنوانه كثيرا، وكنت متشوقا لمعرفة مضمونه بشكل اعمق واكبر، فقرأتُ كل سطور الكتاب، وحتى ما بين السطور، استمتعتُ اثناء قراءتي لكتابها، باسلوبها السلس، وبكلماته الموسيقية العذبة، وبصراحتها وشجاعتها، ودقتها بذكر الأحداث، وموضوعيتها وواقعيتها، وتصويرها بنقل الأمور بتسلسل رائع .
شاهدتُ تعليقات كثيرة على كتابها على الشبكة العنكبوتية، منها على سبيل المثال: (فشلٌ مُمتع! "... هذا هو أقصر تعريفٍ لكتاب "مُذكّرات أدِيبَة فاشلة"، حيث تأسرك المُتعة، عبر ثلاثين مُذكّرة، تصف أحد عشر فشلاً غير مألوفٍ في تاريخ الأدب).
هناك عبارة اخرى استهوتني كثيرا تقول: (اذا كُنت صاحب باعٍ في عالم الكتابة، ستجد شيئًا من نفسك في هذا الكتاب، وإذا كُنت مُقدمًا على وُلوج هذا العالم، فسيوفّر عليك هذا الكتاب، عثراتٍ كثيرة، بينما إذا كُنتَ باحثًا مُهتمًا بقضايا المرأة، على الصعيدين الإنسانيّ والإبداعيّ في الشّرق الأوسط عمومًا، والسّعوديّة خُصوصًا، فستجد بُغيتك بين صفحاته).
كوْني كاتبا وباحثا، وتعرضتُ للكثير من مشاكل طباعة الكتب وتسويقها، وتشاجرتُ مع الكثير من دور النشر وغيرها من الناشرين، من يسطون على حقوق الآخرين وخلافه، كان سببا مقنعا لي، ان اقرأ الكتاب، واتمعن بكل ما به من معلومات، بخصوص دور النشر ومحاولاتهم المتكررة، بسرقة حقوق الكتاب، وجهدهم في كتابة وطباعة كتبهم.
اما السبب الآخر والمهم، والذي دعاني لقراءة الكتاب ايضا، هو ما تضمنه الكتاب من معلومات عن معاناة المرأة السعودية، في المجتمع السعودي، باسم الدين، خاصة عندما يكون النقد من خلال معاناة سيدة وكاتبة وأديبة سعودية، تتلمس معاناة، سيدات أمثالها من بلدها، بمستوى زينب البحراني، هذه الكاتبة الذكية والصريحة والشجاعة والخلاقة والابداعية والموضوعية، في نقل الصورة الواقعية والحقيقية عن معاناة اللمرأة السعودية، فقد نقلت صورة صادقة وواقعية وبموضوعية كاملة، عن حياة المرأة السعودية بشكل عام، ومعاناتها الاجتماعية من قبل المجتمع السعودي، وهي لا تعزوا هذه المعاناة، للقوانين المعمول بها في المجتمع السعودي فحسب، بل الى العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، فقد جاء في كتابها:
( لوجه الصّدق، فلا بدّ وأن أعترف، بأنّ أغلب ما تعانيه المرأة من مشاكل، في أيّ بيئة عربيّة غير ناضجة مُجتمعيّا، بما فيه الكفاية، وعلى رأسها بيئة موطني الأم، يعود لمكرّسات اجتماعيّة، أكثرها، لا شأن له بتدخّل سلطة القانون).
واوضحت الكاتبة ببراعة، صورة للتزمت الديني السائد في المجتمع السعودي، والذي يفوق حد التصور، وكيفية استغلاله بشكل فاحش، من اجل تقييد حرية المرأة ولجمها، ومنعها من الحركة، حيث من لا يتحرك، لا يستطيع التقدم، وقرأتُ ما تقوله في هذا المجال:
(.........من جانبٍ آخر؛ لا يسعنا إغفال دور التّيّارات الدّينيّة المُتشدّدة-على اختلاف مذاهبها- التي تتقن كنس رؤوس الجهلاء من النّاس، وغسلها وشطفها كلّ يومٍ، في استغلالٍ خبيثٍ لقصور ثقافة العامّة وعجزهم عن التّفكير الفرديّ، وصولاً إلى حدّ الببّغائيّة الفكريّة والسّلوكيّة واللفظيّة. يعيشون كانّهم نُسخًا مطبوعةً مُتماثلةً تمام التّماثل عن ختمٍ واحد.
في هذا يقول المُفكّر الياباني (نوبوأكي نوتوهارا) في كتابه (العرب.. وجهة نظر يايانيّة): " المجتمع العربي مشغول بفكرة النّمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد، والقيمة الواحدة، والدّين الواحد، وهكذا.... ولذلك يحاول النّاس أن يوحّدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم. وتحت هذه الظّروف، تذوب استقلاليّة الفرد، وخصوصيّته واختلافه عن الآخرين. أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد، لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة، المطيعة للنظام السّائد.".. ثُمّ يورد مثالاً على تأثير بعض التيّارت الدّينيّة، في نفسيّة الشخصيّة العاجزة، عن التّفكير العميق المُستقلّ، بحكاية رجُلٍ عربيّ حكى عنه فقال:
"عرفت الدّكتور علي حسن السمني معلّمًا للغة العربيّة في جامعة طوكيو للدراسات الأجنبيّة، ثمّ زميلا وصديقًا. كان دائمًا مسلمًا متديّنًا، مستقيمًا، ينفّذ ما جاء في القرآن الكريم، في طعامه وعلاقاته وحياته الخاصّة والعامّة.
مرّة ذهبنا معًا إلى كيوتو وزرنا معبد "توجي" . هذا المعبد مشهور جدًا في اليابان، ويقصده زوّار كثيرون من اليابان، ومن الأجانب، وهو معبد قديم مشهور "بالباغودا" ذات الطّبقات الخمس الجميلة للغاية. عندما رأى الدّكتور السمني ذلك الجمال الأخّاذ، عبّر عن إعجابه قائلا: ما شاء الله ! الله بنى هذا البناء. قلت له: يا دكتور! هذا البناء شيّده أجدادنا اليابانيّون. ولكنّه نفى ذلك بشدّة وقال لي بيقين قاطع: كل شيء جميل أو عظيم هو من خلق الله. وهكذا استسلمت وصمتّ!،........... مرّة كنت أقرأ رواية "بين القصرين" لنجيب محفوظ، وعندما رآني سألني: لماذا تقرأ روايات تافهة؟ لماذا لا تقرأ القرآن الكريم؟ كلّ شيء مهمّ للبشر موجود في القرآن. إقرأ القرآن، لأنّ كل الكتب التي كتبها البشر تافهة.
طبعا استمعت إليه باحترام، فأنا أدين له بأشياء كثيرة، كصديق طيّب مستقيم، ولكنني سألت وأسأل:
إلى أين يؤدي التديّن بالمسلم العادي أو غير العادي؟ المسلم الذي يمارس حياة التديّن كل حياته، إلى أين يصل؟ لقد تابعت حياة ذلك الصديق-رحمه الله- أكثر من عشرين سنة، وكان في مكانه لا يتقدّم. لقد بقيت حياته وأفكاره ثابتة، لا تتغيّر ولا تتقدّم. هل هي صورة مسلم فرد؟ أم صورة عامّة للمسلم المتديّن؟).
تتابع الكاتبة والأديبة زينب البحراني في كتابها عن التزمت الديني في بلدها، فتستشهد بمقالة لكاتب اماراتي يقول:
(ومن أكثر المقالات التي تُناقش مدى تسلّط تلك التّيّارت الدّينيّة جُرأة؛ مقال للكاتب الإماراتي الدّكتور/ سالم حميد، نشره على صفحات موقع (عرب تايمز) الإلكتروني، وجاء فيه قوله:
لقد قام هذا التيار المتشدد باستحداث بدائل لأغلب احتياجات الناس، لدرجة حتى أفراح الزفاف، استحدثوا لها أناشيد خاصة، تُعرف بأناشيد الأفراح، وبات الناس يراجعون الدين من الناحية الشرعية، لمزاولة أبسط أمور حياتهم اليومية والمعيشية، مع ترويج الكره، وعدم التسامح مع الديانات الأخرى، أو حتى المذاهب الدينية الإسلامية الأخرى".
ثُمّ يُكمل في مكانٍ آخر من المقال ذاته بقوله: "وطالت لحى الرجال، وقصرت كناديرهم حتى الركب، واتشحت النساء بالسواد الأعظم، من قمة الرأس، إلى أخمص القدمين، لدرجة يصعب التفريق ما بينهن، وبين أكياس الزبالة السوداء! وتم تحريم أبسط الأمور الترفيهية، فالغناء حرام، والموسيقى حرام، والمسرح والسينما والثقافة حرام، والفن حرام، والأدب حرام، والشعر حرام، والكتاب الغير ديني حرام، ونغمات الهاتف النقال حرام، والانترنت حرام على المرأة، من دون محرم، والمصافحة حرام، والتصفير حرام والتصفيق حرام، والقهوة حرام، لأنها لم تكن معروفة في صدر الإسلام! وكل ما هو فرائحي أو ترفيهي حرام في حرام (حرّم الله عيشتكم يا عيال ال........)، وما شاء الله، الفتاوى التكفيرية تنشر بالكيلو والأطنان، في أتفه الأمور والأسباب، ومن يريد أن يرفّه عن نفسه، فعليه بسماع الأدعية الدينية، وخلاف ذلك، فكل شيء حرام والعياذ بالله!)
بعد قراءتي للكتاب، وجدت اجوبة كثيرة لأسئلة كانت تجول في خاطري، خاصة، فيما يتعلق بالمرأة السعودية ومعاناتها الكبيرة، مما قرأته، يعكس بصدق وحس واقعي، ما تقوله الكاتبة زينب البحراتي في هذا المجال:( ........حين بلغتُ عامي الثالث عشر من العمر، بدأتُ أشعر أننا نعيش حياة مختلفة عن حياة المخلوقات الآدميّة السّويّة. كنت أشعر أنّ النّاس من حولي-في بيئة مجتمعي الضيّقة-بلا إحساس، لأنّهم لا يشعرون بالفرق بين حياتهم الاجتماعيّة المريضة، بكلّ ما فيها من استخفاف بالحريّة الإنسانيّة المُعافاة، واستضعاف للنّصف الأنثويّ من المجتمع، وبين حياة المجتمعات الأخرى المحيطة بنا).
قرأت وتابعتُ ما تقوله الكاتبة في هذا المجال ايضا:
(كثيرون جدًا، سبقوني وواكبوا حديثي عن تلك القضيّة، وأدركُ أنّ كلّ ما قيل ويقال، مجرّد كلام في كلام، لن يصل إلى نهاية، تنتقلُ من إطار القول، إلى فعل ملموس، يمدّ يده لتغيير الأوضاع بالعمل، لتنقذ حاضر الإناث، ومستقبلهنّ بعد ضياع الماضي، وأنني مجرّد وريثة أخرى للسيّد (دون كيشوت) في بلاد العرب، أحارب طواحين الجهل والتخلّف الاجتماعيّ، بقلمي المكسور، حتّى تسحقني طاحونة القهر، لأسقط مضرّجة بهزيمتي).
واصلتُ قراءة ما تقوله الكاتبة الرائعة زينب البحراني عن المجتمع السعودي:
(هناك تخلّف مجتمعيّ واضح، سببه سيطرة نفوذ فئة من الشّعب، ترفض مختلف أوجه التطوّر الفعلي، المتعلّقة بالمرأة، لأنّ ذاك التطوّر، يتعارض مع مصالحها الخاصّة، التي تعجز عن النّمو في غير مستنقعات التخلّف. بلغ التّخلّف ببعض الآباء والأمّهات، في مُجتمع بيئتي الضيّقة، اعتبار كلّ كتاب يخرج عن إطار الحديث الدينيّ أو القصّص الموجّه للأطفال، هو كتاب (للكبار فقط)، وتعريف (للكبار فقط) في الأوساط التي مازالت تحت خطّ التخلّف الفكري، من مجتمعنا هو (المتزوّجون فقط) . وقبل أن نتحدّث عن شؤون (للكبار فقط) في مُجتمعنا، اسمحوا لي، أن أحكي لكم نُكتة واقعيّة مُحزنة: مع الدّورة الثّانية من برنامج اكتشاف وصناعة النّجوم الشّهير (ستار أكاديمي) سمعت عن أسرة تُحرّم مُشاهدته على جميع بناتها فقط ما عدا واحدة فقط، لماذا؟.. لأنّها الوحيدة التي اقترب موعد زفافها!. لهذا وضعوه قرب سريرها مائلا بزاوية حادّة لا تسمح لغيرها باستراق النّظر إلى شاشته، لئلا تُشاهد شقيقاتها اللواتي يتقاسمنها الحُجرة مشهدًا من البرنامج ذاته!.
عند هذه النّقطة، أذكر أنني وعدتُ نفسي بأن أكون صادقة مع ذاتي، في كتابة هذه المذكّرات العلنيّة، وأن أطلق العنان لجرأتي في قول ما لم أكُن أجرؤ على قوله في مواقف كثيرة، لئلا أرجم بألف تُهمة على رأسها التكبّر. أريد أن أقول أنّ مُجتمعنا-على الرّغم منه- مُتخلّف إلى حدٍ كبير. وهو لا يُدرك مدى تخلّفه مثل مجنونٍ لا يُدرك جنونه، ومثل مريضٍ بداءٍ خطرٍ، لا يُدرك سُرعة تغلغل السّم في عظامه مع مرور الأيّام. والأسوأ، أنّ مُجتمعنا يعيش وهمًا كبيرًا اسمه التقدّم، رُغم أنّه يتقهقر مُسرعًا إلى الوراء، في تخلّفٍ حضاريّ وسلوكيّ واضح، لأنّ الكائن البشريّ النّمطيّ في هذا المُجتمع، لا يتبع إلا نداءات غريزته التي يقلّد فيها الآخرين، بإمّعيّة اتّكاليّة، ليسيّر شؤون معيشته دون تفكيرٍ أو تأمّل أو تذوّق للجمال المعنويّ من حوله).
ككاتب وباحث، اهتم بشؤون وشجون المرأة العربية، منذ عشرات السنين، وكتبتُ في هذا المجال كثيرا، ولكن اهتماماتي بالمرأة السعودية خاصة، زادت، بعد ان اصبحتُ اقرأ عن المراة السعودية واوضاعها ومعاناتها، بقلم الكاتبات والاديبات السعوديات، ومؤلفاتهن الجريئة، وانتقاداتهن اللاذعة، للمجتمع السعودي والثقافة الذكورية، والدينية المتزمتة والسائدة فيه. ما سمعته حقيقة عن الظلم الذي تعاني منه المرأة السعودية في المجتمع السعودي، من الرجل السعودي بشكل عام، وممارسته نحوهن، طبقا للعادات والتقاليد السائدة، وموضوع المحرم وولي الأمر، وعدم السماح لها بقيادتها للسيارة، وعدم خروجها من البيت الا والمحرم او ولي الأمر معها والى جانبها، وعدم اختلاطها مع غير جنسها في مواقع عملها، وفي البنوك والجامعات وخلافه، ومتابعتها لكافة معاملاتها التجارية، وحتى عند سفرها الى الخارج، من اجل طلب العلم، او لأي امر آخر، الا بوجود المحرم معها، وخلافه من الأمور الأخرى، التي تقف عقبة كبيرة جدا، امام انطلاقة المرأة السعودية وتحررها، في حياتها في مجتمعها، كل هذا، جعلني اتعاطف معها كثيرا، وادافع عنها وعن حريتها الشخصية، بكل قوة واصرار. ما قرأته عن المرأة السعودية ومعاناتها على لسان الأديبة البارعة زينب البحراني في كتابها السابق الذكر، وان كانت كلها مؤشرات ودلائل كثيرة معبرة، هو تلخيص وانعكاس لما جمعته من الكثير من القراءات، وما سمعته من الكثير من الأديبات والكاتبات السعوديات.
قرأت الكثير من الكتب والقصص، لكاتبات واديبات سعوديات، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب لطبيبة الأسنان (د.رجاء الصانع) بعنوان:(بنات الرياض)، وكتاب للكاتبة والأديبة (زينب حفني) بعنوان: (ملامح) وكتاب للكاتبة والأديبة (قماشة العليان) رواية بعنوان: (أنثى العنكبوت) وقصة للكاتبة والأديبة السعودية (وردة الصولي) بعنوان: (الأوبة) ، ورواية للكاتبة (صبا الحرز) بعنوان: (الآخرون)، وللكاتبة والأديبة سمر المقرن قصة بعنوان: (نساء على خط الأستواء) وغيرها من الكتب الكثيرة، كذلك للكاتبة الخلاقة والمبدعة وجيهة الحويدر وسحر خان وصباح الشهري وغيرهن كثيرات، وجميعهن يعكسن بحق وحقيقة، بكل جرأة وصراحة، وضع المرأة السعودية المزري بشكل عام، مع ان هناك العشرات بل المئات منهن، من تعلمن في الخارج، كن مبدعات وخلاقات وعالمات متفوقات جدا، في شتى مجالات العلم المختلفة، واسماؤهن معروفة ومشهورة جدا، وقد كتب عنهن ما فيه الكفاية.
اكثر ما شدني فيما قرأت في كتبهن وقصصهن، وما سمعته على لسانهن، هو صراحتهن الشديدة، وجرأتهن غير المعهودة في الطرح والتصريح، وهذا كان شيئا غير معهود في الطرح من قبل، لأي كاتبة واديبة عربية، خاصة السعوديات منهن، وانتقاداتهن الشديدة، للمجتمع السعودي، بدون وجل او خوف.
كنت انشرُ رؤيتي وقراءتي وتحليلي لهذه الكتب، بعد انتهائي مباشرة من قراءة اي قصة او كتاب، او عند الاستماع لأي قصة، قيلت وسردت لي عبر اتصالهن المباشر معي، وكنت انشرها دوما، عبر الشبكة العنكبوتية، في الكثير من المنتديات، واشيد بالكاتبة وبكتابها، وبصراحتها وجرأتها، بانتقاداتها اللاذعة والجريئة، للمجتمع السعودي.
واجهتُ معارضة وانتقادات لما نشرته في المنتديات العديدة عبر الشبكة العنكبوتية، خاصة من قبل بعض الرجال السعوديين، وكانوا كثر، اما السيدات السعوديات، فلم يكن مهاجمات لي في معظمهن، بل مدافعات، وكانوا كلهن بنشدن الحرية والانعتاق، من القيود الاجتماعية والدينية المتزمتة التي تكبلهن والتي يفهمها البعض بشكل خاطيء. الحوارات والتعليقات على ما كتبته، ما زالت منشورة في المنتديات، على الشبكة، وكان منها حوارات وتعليقات قاسية جدا، قد تجاوزت الأدب، واسلوب الحوار الديموقراطي، تعبر عن مدى تخلف أصحابها، ويمكن لأي أحد الأطلاع عليها لو اراد ذلك، وهذا يؤكد لي ايضا، بعد قراءتي لما كتبته الأديبة زينب البحراني، واقعية وصدق كتاباتي في هذا المجال.
هذا بعض ما اهتميت به حقا، مما تضمنه كتاب الأديبة والقاصة السعودية الرائعة والعظيمة زينب البحراني، وما تلمسته من ظلم في حق المرأة السعودية، وهي لا تلبث في عمرها، الذي هو من عمر الزهور اليانعة، ذكاؤها وعبقريتها واحساسها الرقيق المرهف، وكرامتها الغالية والعالية جدا، واحساسها العميق، نحو بنات جلدتها، جعلها تتلمس الحقيقة، بأم عينيها، وبكل تحرر وموضوعية، ودون مغالاة، وتتعهد، الا ان تكتب وتسترسل في هذا المجال كثيرا، كداعية من اجل رفع الظلم والحقد عن بنات جنسها باسم الدين، الذي استغلوه احسن استغلال، من اجل مصالحهم الشخصية الرخيصة، والدين منهم براء، براءة دم يوسف من الذئب، وتبقى كتابات الأديبة زينب البحراني كالشمس المشرقة، ساطعة ومدوية، كسطوع نجمها وتألقها وابداعاتها، فتحية كبيرة ومربعة، للكاتبة العملاقة زينب البحراني.
* كاتب وباحث فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.