لم تكن وزارة التربية الوطنية لتجرؤ على جلد و إصدار البلاغ الصحفي حول تطبيق مسطرة مغادرة مقر العمل في حق الأساتذة المعتصمين بالرباط لولا المحضر المشؤوم الموقع من قبل النقابات الخمس المدعاة الأكثر تمثيلية كما تحب أن تنادي نفسها والذي يضرب عرض الحائط الحق في المساواة و الأجر المتساوي مقابل العمل المساوي . فكما يعلم الجميع ، العديد من نساء و رجال التعليم يقبعون في السلم التاسع لسنوات بينما يتخرج العديد من تلاميذهم بالسلم العاشر و كثير آخرون بالسلم الحادي عشر ، كما وضف كثير من المعطلين دون مباراة ولا تكوين في سلاليم أعلى . هؤلاء الذين خرجوا حاملين على أكتافهم أكفانهم وقد أقسموا ألا يعودوا إلا بإعمال المساواة في الحق التي تكفلها كل المواثيق الدولية ليست قضيتهم كما يروج لها طمعا في دريهمات معدودة و إنما انتفاضتهم هي إحساس بالاحتقار و التمييز و الدونية وهم الذين يحزمون أحذيتهم كل يوم صعودا الى أعلى المرتفعات و الدواوير المنسية و التي ترفع عنها باقي مسؤولي الدولة و لو انهم زودوا بسيارات الدفع الرباعي المكيفة . هؤلاء الأساتذة تجندوا و امنوا برسالتهم التربوية تجاه ابناء وطنهم و ناضلوا من أجل بناء المزيد من الحجرات الدراسية و حاربوا الأقسام المشتركة و كل السياسات التي لا تريد أن تجعل من المدرسة و التعليم سوى مجرد واجهات وديكورات للتغني و الزهو بشعار مقعد لكل طفل ، لكن أي مقعد و أي تعليم ؟ هؤلاء ليسوا في حاجة إلى وزارة تذكرهم بواجبهم وهي تعلم جيدا أنه لولا هذا الأستاذ لما توقفت عجلة التعليم عن الدوران والى الأبد في بلد أدار الكل ظهره للمدرسة و انصرف موظف وزارة التربية الوطنية الى شؤون غير التعليم . فكم من مسؤول زار فرعية اغالن أو تمزاغرت أو تيدرين أو أولغازي في ايت عبدي ... والقائمة طويلة عن مناطق هذا الوطن المنسي ، اليس الأستاذ وحده من صعد جبل أوددي مشيا على الأقدام في مهمة تستحيل حتى على الدواب ... اليوم يطل علينا الوزير المحترم و مسؤوليه النقابيين الخمس بمحاضرهم و اتفاقياتهم و هراواتهم و قراراتهم الإدارية اللاقانونية و صكوك المتابعات القضائية ، إنها ترسانة من الأسلحة الفتاكة التي يفوق مفعولها الرصاص لأنها تغتال المعنويات و الكبرياء و الكرامة و النفسية و الوجدان قبل الجسد. الجميع يعرف أن هذا المشكل ناتج بالأساس عن قوانين عمياء وعرجاء و سياسات لا يهمها سوى التفيئ و التمييز و التشتيت لإضعاف القوة النقابية و السياسية ، و الا فما معنى التمييز بين أناس يؤدون نفس المهمة بل تكريس دونية من يعملون و يشتغلون ساعات أطول في ظروف أقسى ؟ ولماذا لا تريد الحكومة تحمل مسؤولية أخطائها ؟ ان القضية اليوم تتجاوز حدود فئة تطالب بإنصافها الى سابقة في تاريخ المغرب الا وهي اغتيال الحق في الاحتجاج و التظاهر السلمي و القفز على القوانين وتحويرها لتتحول الى نصوص للعقاب و التصفية و هي أمور تسجل يوميا في كل مجال من مجالات الحياة ، و هي مؤشرات عن السعي الى اغتيال كل الارث الحقوقي الذي فرضته تضحيات المغاربة و كثير منهم لم يعودوا بيننا الان ،خصوصا من ذلك الجيل الذي ذاق كل اصناف التعذيب دفاعا عن مستقبل الأجيال التي نمثلها نحن حاليا . ان الخطير في الأمر ان كثير من هؤلاء المسؤولين لم يكن لهم أي تاريخ نضالي حقوقي ولا شعبي ولم ينتموا يوما الى فلسفة حقوق الانسان بل كانوا معادين أشد العداوة الى هاته الحركات وهو ما يبرر تعطش هاته الحكومة الى اعادة التاريخ الى الوراء و التمخزن أكثر من المخزن . فلتصحح هاته النقابات موقفها قبل فوات الأوان ،خصوصا التاريخية منها ، فالتاريخ لن يرحم المتخاذلين و لن يكون مصيرهم سوى المزابل.