تشكل قبائل أيت حديدو وأيت عبدي أهم المناطق المجسدة للإقصاء والتهميش ببلادنا. ومنطقة إملشيل حيث يعيش هؤلاء، وحيث قضى الملك، قبل أيام أسبوعا كاملا، هي امتداد لمنطقة أنفكو وأنمزي التي استقطبت اهتمام الجميع في المدة الأخيرة.. أحمد ويحمان بحث في المنطقة لمدة سنة وأصدر كتاب «أيت سلك» الذي نستعرض سياق إنجازه في هذا الحوار. - اخترت لكتابك عنوان «أيت سلك: إضاءة على استحقاق جبر الضرر الجماعي»، ما خلفيات اختيارك لهذا العنوان؟ السؤال يعطيني فرصة لأوضح أمرا في البداية، لأن بعض الجهات قررت الهجوم على قناعاتي السياسية، وأنتم في «المساء» وعدد من الصحف الأخرى تابعتم الموضوع في الأسبوع الأخير إثر منعي من التسجيل في مركز دراسات الدكتوراه بذريعة أنني «كندير السياسة بزاف».. أريد أن أوضح أن عنوان هذا الكتاب في الأصل كان: «التزامات الدولة وآثارها على التنمية المحلية في مناطق جبر الضرر الجماعي، إملشيل بروزمو، نموذجا»، وهو في الأصل مشروع أكاديمي لنيل شهادة «الماجستير» في علم الاجتماع، وحدة التغيير الاجتماعي والتنمية المحلية. تحت إشراف د. إدريس بنسعيد، رئيس مجموعة البحث والدراسات الاجتماعية. - ولماذا تغير العنوان إلى «أيت سلك»؟ قبل الجواب، أريد أن أوضح أمرا آخر هو أن الجزء الأول من التقديم غير موجود في مشروع الرسالة، وهذا ما يفسره الجزء الثاني من المقدمة الذي ينبه للعودة إلى إكراه اللغة الباردة، لغة البحث العلمي وضوابطه. أما «أيت سلك» فهو مستوحى من كتاب الأستاذة فاطمة المرنيسي «أيت ديبروي»، والذي حاولت ترجمته ب«أيت ضبر راسهم»، والقصد هو، بالضبط، محاولة مناقشة أطروحة الأستاذة الكبيرة حول أهمية دور جمعيات المجتمع المدني في بناء التنمية المحلية، متأثرة ربما بأجواء وآمال بداية المرحلة الجديدة في ما أصبح يسمى العهد الجديد، هذه الأطروحة التي حاولت اختبارها في الميدان فوجدت، وفق المؤشرات التي انتهيت إليها، أنها صعبة الاستيعاب بل ومرفوضة وغير جدية عند الناس. ذلك أن هذه الجمعيات في حاجة إلى من ينميها هي الأخرى، فأحرى أن تبني هي التنمية، وهو ما أثارني لأناقش مقولة «الديناصور والانقراض»، التي قالت بها الأستاذة المرنيسي. - ما مضمون هذه المقولة؟ في تقديمها لطبعة «أيت دبروي» قالت الأستاذة المرنيسي: «إذا كنت من الذين يرددون بأن كل شيء في المغرب على غير ما يرام، وأن لا شيء يحدث (أي يتغير) فأنت متجاوز، أنت لم تعد مغربيا، أنت ديناصور، والديناصورات كانت حيوانات قوية جدا. عاشت على هذه الأرض منذ 150 مليون سنة، وعلى حين غرة انقرضت، لأنها لم تكن تعرف أن تتكيف...» وحين تواجدي بين أيت حديدو وأيت عبدي المحاصرين بقرار سياسي وراء الجبال وقسوة الطبيعة، تساءلت كيف يمكن للمرء أن يتكيف ليحول دون انقراضه، وتساءلت ما إن أمكن للأستاذة المرنيسي، لو أقامت بأولغازي أو تمزاغت أو إغالن، أن يسعفها أي تكيف، وعما إذا كانت ستحتفظ برأيها عن تغير المغرب.. من هنا اهتدائي إلى عنوان «أيت سلك»، قياسا على عنوان كتابها «أيت ديبروي»، وقصدت بهذا العنوان أن أحاول تأطير الواقع الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء البسطاء، الذين يحار المرء في قدرتهم على التكيف لتحقيق الهدف «الاستراتيجي» المكثف لانشغالهم: (الاستمرار البيولوجي)، هؤلاء الذين يقضون حياتهم، يسلّكون يوما ليومه، «نهار بنهارو وغدا يحن الله». - لنعد إلى أسباب النزول، فما الذي حدث لتصير إملشيل منطقة للجبر الجماعي؟ كما تعرفون، فهذه المسألة تشكل فصلا من فصول الكتاب، تمت خلاله إثارة السياق السياسي والتاريخي للأسباب التي جعلت إميلشيل منطقة لجبر الضرر الاجتماعي والسياسي. كما تمت إثارة الفعل ورد الفعل في العنف المسلح الذي شهدته المنطقة، كغيرها من المناطق الأخرى، خلال ما يعرف بأحداث مارس 73. - ماذا تقصد بالفعل ورد الفعل؟ الدولة تقول إنها مارست أو استعملت وسائل الإكراه والقوة العمومية و»العنف المشروع» لمواجهة انتفاضة مسلحة للجناح العسكري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كتنظيم خارج عن القانون يستعمل العنف المسلح للتخريب ومحاولة الإطاحة بالنظام، وإقامة نظام آخر مكانه، الثوار أو بالأحرى الناجون منهم، وكذا قياداتهم السياسية يردون بالقول: هل حملنا السلاح في وجه دولة ديمقراطية تستند للإرادة الشعبية؟ هل حملنا السلاح في وجه دولة للمؤسسات، فيها فصل للسلطات؟ دولة فيها القضاء مستقل يطمئن له المواطنون لنيل حقوقهم حسب الاستحقاق لا وفق مقاييس المحسوبية والزبونية؟... هذا جانب من السياق التاريخي والسياسي بإميلشيل سنة 1973. والتي فصل في الحديث حولها في كتاب البشير الزين، المعروف بالنجار قائد كوموندو إملشيل خلال تلك الأحداث. لكن الأهم على المستوى الحقوقي، هو آثار ما حدث على عموم المواطنين، كضحايا، أفرادا أو مجموعات. ذلك أن القمع الممنهج الذي تلا هذه الأحداث كان قمعا أهوج لم يفرق بين الثوار والسياسيين، ولا بين هؤلاء وعموم المواطنين الذين لا انتماء لهم أصلا، بل إنه لم يوقر الشيوخ والنساء وحتى الأطفال، وهكذا كانت الاختطافات والتقتيل والاغتصاب والتعذيب الممنهج قد طال الجميع.. وفي الكتاب تفاصيل عما جرى في معتقل بوزمو ودرب مولاي الشريف بعد ذلك، وكذا أكدز، حيث أسلمت الروح، المختطفة المشهورة، فاضمة أوحرفو بعد إعدام والدها واعتقال إخوتها القاصرين وكل أفراد عائلتها. لكن الأفظع من كل هذا هو العقاب الجماعي الذي مورس على القبائل كلها، حيث أحكم الخناق والعزلة على أيت حديدو وأيت عبدي، انتقاما منهم على انتفاضة أشخاص لا علاقة لهم بهم إلا ما كان من آصرة القرابة القبلية. - من خلال بحثكم الميداني، كيف رصدتم واقع الناس في المنطقة على ضوء هذا الحصار الذي امتد وطال لعقود؟ الحقيقة أن واقع هذه المنطقة وسكانها يرقى إلى واقع وقسوة العصر الحجري الأول، لاسيما بالنسبة للقصور البعيدة عن الطريق الحديثة، وبالنسبة إلى الرُحل. وهذا ما دفعني بكل موضوعية إلى أن أدعو، في الخلاصة وفي التوصيات، إلى التعامل مع هذا المجال السوسيو اقتصادي كمنطقة منكوبة. ففضلا عن الشروط المناخية القاسية، فإن المنطقة تعد من المناطق الأكثر فقرا وهشاشة، والأقل تجهيزا على مستوى البنية التحتية والمرافق والخدمات الاجتماعية. فيكفي أن يتوقف المرء عند بعض الأرقام والمؤشرات لإدراك هذه المأساة الإنسانية. فعن سؤال حجم الإنفاق العائلي شهريا أجاب أربعة أخماس المبحوثين (79.6 في المائة) بأن إنفاقهم الشهري أقل من 1000 درهم. وعلى مستوى الإنفاق الصحي، فإن 30.8 في المائة يجيبون بأنه يشترون الدواء قط، وبأنهم كلما أصابهم مرض ظلوا يتلوون حتى يشفوا أو «يذهب صاحب الأمانة بأمانته».. أما 49.8 في المائة فيخصصون أقل من مائة درهم للإنفاق الصحي كل ثلاثة أشهر، وهاتان النسبتان المشكلتان من ثلاثة أخماس السكان توضح أن مغاربة هذه المنطقة خارج أي تصنيف، علما بأن العائلة في هذه المنقطة هي عائلة ممتدة بالأساس. بالنسبة إلى الماء الصالح للشرب، نجد 82.52 في المائة من المبحوثين تؤكد في إجابتها بأنها لا تتوفر على هذه المادة الحيوية.. 71.6 في المائة لا يتوفرون على المرافق الصحية (مراحيض)، ويضطرون لقضاء حاجتهم البيولوجية يوميا في ظروف مناخية قاسية في الخلاء وفي ظروف غير صحية، مع ما يسببه لهم ذلك من أمراض. التعليم: بغض النظر عن بعض الجهد الذي بذل في السنين الأخيرة على مستوى بناء المدارس، فإنه نتيجة بعض المظاهر المفارقة يضيع حتى هذا الجهد في الهباء. ومن الوقائع الصادمة أن وقفت على تلاميذ في الصف الخامس والسادس بقصر أوددي لا يعرفون كتابة أسمائهم، وتلميذات في إملشيل المركز، يتابعن دراستهن بالصف الخامس لا يعرفن الأبجدية اللاتينية، باستثناء واحدة منهن تمكنت من كتابة حرفي A وB، بينما التبس عليها حرف C وS ولم تجب عن باقي الحروف التي لم تتمكن أي من الثلاثة الأخريات من كتابة ولو حرف واحد منها. ولعل أحد أهم الأسباب في هذه الوضعية تربوية مفارقة أخرى، ذلك أن عددا كبيرا من المعلمين المجازين الذين اشتغلوا عدة سنوات في ظروف البرد القاسية، ما يزالون، بدل تشجيعهم بتحفيزات إضافية، يتقاضون نصف «السميك» كراتب شهري، يصرفون في السفر لأجل تسلمه من الرشيدية مائتي درهم. غير أن المصيبة الأعظم هي استمرار العقلية نفسها على مستوى السلطة والبيروقراطية. فبغض النظر عن الأرقام والمؤشرات، فقد تقاطر علينا عدد من المواطنين، ومنهم شيخ سبعيني تعرض للضرب والإهانات، لرفضه التنازل عن أرضه، من قبل رجل السلطة، قائد إملشيل، هذا القائد الذي عزل وبقرار مكتوب ممثل قصر أيت يوسف، الشاب المنتخب من قبيلته في الجماعة السلالية، لأنه رفض المصادقة على قرار يمنح ثلاثة هكتارات من أراضي الجموع لوالي مكناس تافيلالت حينها، مع أن ملكيتها تعود لرعاة فقراء من أيت حديدو. وعلل القائد قراره بوقوف ممثل القبيلة «حجر عثرة أمام المصلحة العامة». ومن مظاهر تكريس التخلف في هذه المنطقة أيضا وتشديد الانتقام من ساكنتها، استمرار إغلاق دار القاضي المقيم بإملشيل، وتجدون في الكتاب تفاصيل إحدى القصص لمواطنة وزوجها، تصلح أن تتحول إلى مادة درامية، تهز النفوس، ومن شأن مثيلاتها في البلدان الديمقراطية إسقاط حكومات. - رافقكم بنزكري في جولة إلى «جهنم الأرض» كما عنونتم أحد تحقيقاتكم الصحافية السابقة عن إملشيل، ما هي في رأيكم أقوى لحظات الرحلة وكيف تَمَثَّلها إدريس بنزكري؟ الحقيقة أن هذه الرحلة كان لها أثر قوي وحاسم في تمثلات وتصورات المرحوم إدريس لملف الانتهاكات الجسيمة، وطرق طرحها ومعالجتها. وأستطيع القول إن «إدريس ما قبل الرحلة» يختلف جذريا عن «إدريس ما بعدها»، وهذه من الأمور التي أثارتني كثيرا. فمع أن المرحوم كان من الضحايا الذين خبروا المحن في المعتقلات السرية، وتحت سياط الجلادين، على مدى سنوات طوال، فإن إنصاته إلى ما قاساه بسطاء الشعب رجالا ونساء، وهم أبرياء، في كل من الأطلسين المتوسط والكبير، خلف في نفسه أخدودا عميقا، ووخز ضميره بشكل نوعي. للعلم فإن المرحوم فقد القدرة على الكلام لمدة يوم وليلة، على إثر زيارتنا للسونتات، ولعل رفيقنا الثالث نور الدين الأثير يتذكر هذه الواقعة.. لقد أصبح بنزكري بعد الرحلة يستخف، إلى حد الاحتقار، بالمناقشات النخبوية في المقرات المكيفة في العاصمة، وأخذ يعمل ما في وسعه لتحقيق أي شيء لأولئك البسطاء الأبرياء.. ولعل هذا ما جعله يقبل تحمل المنصب الرسمي حين عرض عليه، مع أنه حسب معطياتي، جاء بشيء من الصدفة. - كيف؟ لقد كانت رئاسة هيئة الإنصاف والمصالحة ستؤول للوزير الأول السابق السي عبد الرحمان اليوسفي، غير أنه رفض العرض.. وكان إدريس بنزكري يجمع، حينها، أغراضه للخروج من المغرب نهائيا، حين جاءه العرض كبديل لليوسفي، حيث تم تكليف خياط مشهور بلعلو بالسهر ليلا «لتفصيل» بذلة للراحل ليقابل بها الملك في الغد، لأنه لم يكن يملك بذلة وكان لباسه كما هو معروف لباسا بسيطا غير متكلف. - يظهر من جملتك وكأنك تدافع عن الرجل، والحال أنني أعرف بخلافكما خلال مسؤوليته الرسمية؟ صحيح، لقد كنا على خلاف في تقدير الأمور، لكن هذا لا يمنع من قول كلمة حق لإنصاف الرجل، لقد دافعت، وأنا مختلف معه، على فكرة تكامل الموقعين، موقعنا كمناضلين حقوقيين وموقعه في الدولة بعد اختياره ذلك الاختيار الذي لم يكن يلزم أحدا غيره. لقد بذلت جهدا في سبيل أن يقل الهجوم عليه، وأن ندعه مقياسا نقيس به الإرادة السياسية للدولة، كما بذلت جهدا للحيلولة دون ردود أفعاله غير الموفقة، ونعمل سويا من خلال هذين الموقعين، كما لو أننا قد وزعنا الأدوار، لكنني لم أفلح لأن الذكاء ليس تقدميا عندنا. - وكيف ترى أنت جبر ضرر المنطقة ? ذيلت الكتاب بأربع صفحات تحت عنوان «التوصيات»، أعتقد أنها تشكل برنامجا للشروع في تنمية جدية للمنطقة، فيه المستعجل وما هو مطروح على المدى المتوسط إذا توفرت الإرادة السياسية. فعلى سبيل المثال، وفيما يخص الفلاحة، يجب الإسراع بتمكين الجماعتين من فتح مجاري الأنهار، وعلى المدى القريب إقامة سد أو سد تلي بخانق «تيمغارين رقانين» قرب أيت علي ويكو، ذلك أن المنطقة منكوبة للموسم الرابع على التوالي، بعد أن غمرت مياه الوديان والشعاب مزروعات الفلاحين الفقراء الذين بدؤوا يتشردون ويهاجرون للتسول في مراكز الريش وتنجداد وتنغير وغيرها. بالنسبة إلى الطريق، فباستعجال يجب تمكين المنطقة من آليتين قارتين لإزاحة الثلوج على طول الطريق إلى الريش وإلى اغبالة وإلى تنغير. - إحداث مصلحة للتدخل السريع بإصلاح وفتح الطريق إثر كل عاصفة رعدية. على المدى القريب: - إنجاز طريق بوزمو أيت هاني - إنجاز طريق إملشيل أولغازي... إلخ. إلا أن هناك إجراءات ستساهم في تنمية المنطقة وتحسين معاش أهلها، مع أنها لا تكلف أي استثمار مالي، وتدخل في صميم التزامات الدولة، المتعلقة ببرنامج جبر الضرر الجماعي، كتغيير رجال السلطة «السلاخين» بآخرين في مستوى الخطاب الرسمي للمرحلة، وكذا فتح دار القاضي المقيم، توفيرا لمعاناة السفر لمئات الكيلومترات مشيا على الأقدام، وتكاليفه الثقيلة على كاهل المواطنين...إلخ. يؤاخذ عليك مسؤولو الشعبة إفراطك في السياسة على مستوى بحوثك السوسيولوجية؟ فهل معنى ذلك أنك تشتغل بأدوات السياسة وتلغي مناهج السوسيولوجيا؟ بدأنا الحوار بالتوضيح الفاصل بين الكتاب المعروض في السوق ومشروع بحث الماجستير. في السياق نفسه أضيف على سبيل التذكير أن موضوع هذا البحث يدخل في مجال فرع من أهم فروع علم الاجتماع، علم الاجتماع السياسي. وقد أصبح يحرجني، دفاعا عن نفسي، أن أذكر أنني الفائز بالرتبة الأولى لدفعتي، وأنني انتزعت الاستحقاق في نيل الجائزة الأولى التي سأتسلمها يوم الأربعاء 30 دجنبر من الشهر الجاري، بحضور أطر ومسؤولين وأكاديميين، لتحفيز التفوق كما يسمونه. ودون التساؤل عن التناقض في الإقرار من جهة بالاستحقاق العلمي والتفوق والإقصاء، بدعوى الإفراط في السياسة، سأدخل مباشرة إلى الضوابط العملية، فالمنهج المعتمد هو المنهج السوسيوتاريخي، والتقنية المعتمدة هي التثالث: «La triangulation» مع اجتهاد شخصي يصب في ما يسميه السوسيولوجي محمد جسوس ب«الكوكتيل المنهجي، باعتماد العصف الذهني كذلك، أو بعبارة أخرى، فإن المنهج المعتمد جمع بين الاستمارة وتتكون من 57 سؤالا كمقاربة كمية، والمجموعات البؤرية (Focus Group) ومقابلات جماعية وفردية، وذلك لتتكامل المعطيات وتتعمق بالإنصات المباشر للناس وانشغالاتهم وأولوياتهم، تمثلاتهم وانتظاراتهم. كما انطلق البحث من إشكاليات واضحة ومحددة ومن سؤال حول ما يتم التعبير عنه من خيبات من قبل الفاعلين الحقوقيين والمتتبعين والضحايا، وما إذا كان هذا حقيقة يسمو بها الواقع أم هي مجرد انطباعات لنخبة فاعلة، لكنها لا تعكس حقيقة الوضع. كما تأطر البحث بفرضية واضحة كذلك ترجع غضب واستياء الضحايا المعنيين بجبر الضرر الجماعي إلى الفجوة والهوة الكبيرتين بين الوعود الرسمية وآثارها على أرض الواقع. - الظرفية اليوم تتميز بمحاولة تقييم العدالة الانتقالية بالمغرب، لو طلبنا منك تقييمك الخاص كفاعل حقوقي وكباحث ورفيق لمهندس التجربة الراحل بنزكري؟ الحقيقة أنني آسف أن يكون تقديري الذي ناقشته مع المرحوم بنزكري ورفاق آخرين هو الصائب، وكم تمنيت أن أكون مخطئا. كنت أقول، وما أزال، أن تقييم الرهان في هذا السياق ليس اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، على أهمية كل هذه المستويات، وعلى أهمية بعض المكتسبات التي تحققت فيها، وإنما الرهان هو بالأساس نفسي وسياسي، فهل أقنعنا المغاربة، مع كل هذا الجهد المبذول، بأننا حقا بصدد مرحلة جديدة؟ لا أعتقد، وهنا أتأسف على احتمال ضياع الرهان، ما لم يتم الانتباه إلى مظاهر وممارسات تعيدنا إلى الماضي المراد تجاوزه وما لم يتم التدارك بالعودة إلى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي هي أساس لعمل تكاملي مشترك بين الدولة والمجتمع، من خلال هيئاته الممثلة والجادة إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية.