رغم الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الكثير من الدول الأوربية مع بداية العقد الثاني من القرن الواحد و العشرين؛فان قوارب الموت لاتزال تغامر بين عباب البحار من اجل الوصول الى أوربا جنة الأحلام للعديد من الشباب المغربي والأفريقي ولعل مايذاع يوميا حول غرق بواخر المهاجرين السريين واحباط محاولات أخرى وانتشال الجثث كما تم مؤخرا بسواحل اليونان رغم أنها أكثر البلدان الأوربية تأزما ؛ كل ذلك خير دليل على تفشي هذه الظاهرة التي برزت الى الواقع منذ العقود الاخيرة من القرن العشرين حيث بلغت ذروتها خلال التسعينات من القرن الماضي .لهذا من الأجدر طرح كل القضايا الشبابية على بساط البحث والنقاش على صفحات الجرائد والمواقع الاجتماعية بدل الانشغال في الأمور التافهة التي تزيد لمشاكل الشباب استفحالاولأوضاعهم تأزما. من القضايا الأكثر ملحاحية في الوقت الراهن والمرتبطة اساسا بالحياة العامة للشباب المغربي والتى لها تأثير عميق على مستقبل هذه الفئة الحيوية من الهرم السكاني للمجتمع المغربي، نذكر البطالة التي تشكل الهاجس المخيف لجميع الشباب باعتبارها مشتل كل الأزمات ؛ومنبع كل الآفات ؛وأم جميع الأشكالات ؛وأصل الاختلالات بكل أنواعها ؛والانحرافات بشتى تلاوينها والتي تمس جوهر ولب هذه الشريحة من المجتمع المغربي زيادة على المخدرات ؛والهجرة السرية والعلانية وغيرها من القضايا المؤثرة سلبيا على مستقبل الشباب في بلدنا العزيز. في هذا المقال البسيط سوف نحاول قدر الامكان ابداء رأي ووجهة نظر في قضية الهجرة نحو الخارج رغم كونها من المواضيع المستهلكة اعلاميا بالأساس لكن استفحال الاشكال يجعل هذه القضية مطروحة في كل وقت وحين رغم أزمة دول الاستقبال في السنوات الأخيرة.فالهجرة اذن اشكالية اجتماعية ذات أسباب وأبعاد اقتصادية ؛سياسية وسيكولوجية .والمدخل العام للموضوع ؛ومفتاح المقال ينطلق من سؤال مركزي .لماذا الاهتمام الزائد والمبالغ فيه بالهجرة نحو الخارج ابتداءا من العقود الاخيرة من القرن العشرين الى يومنا هذا؟. للاجابة على هذا السؤال لابد من البحث عن الاسباب العميقة الكامنة وراء هذه الظاهرة التي أضحت الشغل اليومي لأغلبية الشباب ؛وحديث الموائد في القرية والمدينة ؛وفي جميع المرافق العامة ابتداءا من الدرب الى المقهى والشارع وحديث الزملاء في مقرات العمل وذلك رغم تغير الظروف والأحوال بجل الدول الأوربية .انها موضوع الجلسات بامتياز وكل الشباب يراودهم الحلم في الهجرة ومغادرة الوطن بشتى الوسائل وكل الطرق الممكنة ولو تطلب ذلك الهلاك بين أمواج البحر.وهناك من يبيع الغالي والنفيس من أجل المغامرة في قوارب الموت ؛او البحث عن عقدة عمل بأي ثمن مما يجعل الكثير منهم ضحايا النصب والاحتيال بشراء عقود وهمية ؛أو زواج أبيض وغيرها من الوسائل الممكنة لتحقيق هذه الغاية.لهذا من اللازم الاهتمام بهذه الظاهرة من أجل الوقوف على مكامن الداء والتوعية بخطورتها على الشباب وعلى الحالة السيكولوجية للانسان المغربي بصفة عامة. الهجرة ظاهرة انسانية عرفتها البشرية منذ أقدم العصورلكنها في الفترة المعاصرة اتخذت أشكالا أكثر خطورة نظرا للتحولات والتطورات العامة التي عرفها العالم في العقود الاخيرة.ولفهم واستيعاب بشكل جيد الأخطار الناجمة على هذا النوع من الهجرة المستفحلة داخل المجتمع المغربي ؛لابد من انتقاء الأسباب المؤدية نحو الرغبة الملحة في مغادرة الوطن في تجاه أوربا وأمريكا الشمالية؛ وبعض الدول العربية البترولية في الخليج . ان الحديث عن الهجرة يستلزم منا الاشارة الى مجالاتها ؛وبلغة اوضح مكان الانطلاق و أ ماكن الاستقبال ؛حيث تعد بلدان العالم الثالث بافريقيا ؛آسيا ثم دول أمريكا الجنوبية وبعض دول أوربا الشرقية بمثابة نقط الانطلاق .أما البلدان المستقبلة للمهاجرين يمكن اجمالها في أوربا الغربية بصفة عامة ودول أمريكا الشمالية.ومن الضروري استحضار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل النقطتين التي تمثل أطراف الهجرة ثم القيام بمقاربة وجيزة وبسيطة قصد التدقيق في الأسباب الداخلية والخارجية للهجرة لأن معرفة علة المرض يسهل المعالجة ثم وقاية الغير المصاب .والاحساس بخطورة السقم يعد منطلق الشفاء منه.ومن القواعد الاساسية في العلوم الانسانية- خاصة عند دارسي العلوم الاستراتيجية والمستقبليات-أنه للتكهن للمستقبل لابد مكن فهم الحاضر ولادراك الآن لابد من دراسة الماضي؛اي لابد من دراسة ماوقع لفهم مايقع والتنبؤ لما قد سيقع ؛وتاريخ البشرية عبارة عن سيرورة متواصلة اذ أن تراكمات الماضي تحدد وقائع الحاضر؛التي بدورها تساهم في تشكيل وتكوين أوضاع المستقبل. لقد انتهجت الدول الامبريالية سياسة جديدة تجاه الدول التي كانت في السابق خاضعة للادراة الاستعمارية؛لضمان سيطرتها الاقتصادية والسياسية ؛وقد عملت الرأسمالية باعتبارها نمط اقتصادي يشكل الربح وبأقل التكاليف الهاجس الأساسي له حيث أن الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات استحودت على الأسواق باعتماد وسائل الأعلام المتطورة ودراسةذهنيات الشعوب لتسهيل عملية اختراقها بهدف جعلها أمواج بشرية مهيأة سيكولوجيا لاستهلاك منتوجاتها وفي أمس الحاجة بشكل دائم اليها . وتشكل الدول العربية والافريقية التي من ضمنها المغرب من بين المناطق المستهدفة بشكل أساسي من طرف الامبريالية لاحتوائها على احتياطات مهمة من الثروات الطبيعية وموقعها اللأستراتيجي بين قارات العالم لماتضمه من مضايق بحرية مهمة؛لهذا لجأت الى كل الوسائل المتاحة لغرس ثقافة الخنوع والخضوع وسلوك التقاعس والتخاذل والبحث الدائم عن الجاهز وقتل روح الخلق والأبداع لدى الأجيال ؛وقد نتج عن ذلك اتساع الفوارق الطبقية داخل الدول المستهدفة بعد اهمال الأنظمة للقطاعات الأجتماعية منها الصحة والتعليم تحت املاءات المؤسسات المالية الكبرى وتوجيهات الامبريالية .مما أدى الى انتشار البطالة وافلاس المقاولات التي لاتستطيع الصمود أمام الغزو الامبريالي للأسواق حيث سيادة اقتصاد الريع المتسم بالهشاشية ؛فانعكس ذلك سلبيا على نفسية الشعوب؛بتفشي ثقافة الاستيلاب وفقدان الثقة في النفس وتحقير الذات وكل ماهو محلي مقابل تمجيد كل ماهو غربي .لأن الشعور بالانحطاط النفسي يجعل الشخصية ترتبط بالآخر واستحضارة سيكولوجيا في جميع اللحظات.لقد ساهم كل ذلك في خلخلة بنيات الثقافة المحلية بظهور مسلكيات خطيرة كالأنانية والنرجسية وكل الأشكال الديماغوجية البعيدة عن القيم الانسانية النبيلة ؛وأصبح الذوق العام للشعوب يرتبط بكل ماهو أجنبي .ومن أجل اعادة التوازن السيكولوجي للذات المحلية نجد الشباب داخل الدول السابقة الذكر يتهافت لتقليد الأجنبيي خاصة ونحن في زمن العولمة حيث السعي الحثيث من أجل التنميط الثقافي وتشويه التكوين النفسي للشعوب وسيادة شتى أنواع الانحلال مع تغريب الشعوب في أوطانها.وشيوع أنماط التقليد الأعمى في اللباس والأزياء وتسريحة الشعر.واستحضار اسماء المدن والدول الغربية في جميع مناحي الحياة اليومية للمغاربة كنموذج للشعوب الأكثر استيلابا على مستوى فئة الشباب.ويكفي أن تتجول في مدينة مغربية معينة لتتوقف على مقاهي بتسميات غربية :ميامي؛فيرجينيا؛فرنسا؛ بوردو؛ كاليفورنيا؛..........وغيرها :كأننا نعيش في صحراء قاحلة ليس لدينا مدن وقري وتسميات محلية .فلماذا تسمية المحلات والصالونات ومختلف المرافق بهذه التسميات الغريبة عن جغرافيتنا ومحيطنا العام.كأن المغرب لايضم مدن تستحق التقدير .انه نوع من" الحريك السيكولوجي"يجعل الشباب المغربي يحس بالارتياح النفسي ويلبي مكبوتاته النفسية عندما يجلس في المقهى التي تحمل الدولة او المدينة التي يحلم بالهجرة اليها .ومايؤكد تغلغل هاجس الهجرة في السيكولوجية المغربية العامة نجد أن الأغنية الشعبية والنكتة المغربية ترتبط بها وتحض عليها.ولايجب أن يفهم من هذا أننا ضد الحضارة الغربية واللغات الأجنبية باعتبارها لغة التكنولوجيا والعلوم ويجب تعلمها .لكن العيب يكمن في تحقير الذات وتمجيد الآخر وفقدان الثقة في النفس .كل هذا يبين ارتباط الشباب المغربي سيكولوجيا بأوربا وينعكس ذلك على طبيعة التفكير السائد الذي تشكل الهجرة محوره الرئيسي باستحضارها بشكل يومي في أشكال الأزياء والموضة والطباع العامة للشخصية.هذا مايمكن تسميته بالهجرة النفسية الفعلية التي لايمكن مواجهتها بالمقاربة الامنية وانما بالتنمية الوطنية المستدامة باعادة النظر في سياسة التعاطي مع مشكلات والاشكاليات التي تهم الشباب المغربي ؛باعتماد سياسة وطنية شعبية لادماج الشباب في سوق الشغل حسب الكفاءات وتكافؤ الفرص بعيدة عن كل أساليب الزبونية والمحسوبية .وعلى المجتمع المدني العمل على تأسيس جمعيات هادفة لنشر ثقافة وطنية مبنية على الثقة في النفس واحساس الشباب بمسؤوليته الأساسية في التغيير الفعلي ا لذي يلامس جذور البنيات العامة ؛بتأطيره واعادة الروح الوطنية اليه بالقضاء على البطالة وتوفيره فرص الشغل الملائمة والمناسبة لتحقيق العيش الكريم للمواطن.ولن يتاتى ذلك الا باعتماد اساليب نضالية فعالة لاشعار وتوعية الشعب بأصل وجذر الأزمات وذلك عبر صيرورة كفاحية متواصلة ومبدعة وخلاقة لأشكال وأدوات الفعل النضالي الهادف ذو استراتيجية جذرية وطموحات عميقة تجعل نصب أعينها معالجة النفسية المغربية العليلة . ان الشباب المغربي لم يعد يحس بالأمان داخل الوطن؛فالخوف من المستقبل يجعله مضطرا للهجرة والبحث عن الأماكن الأخرى .انها عقدة راسخة في ذهنية وعقلية الشباب المغربي نتيجة تراكم العوامل السابقة الذكر حيث يعجز عن تسيير الحاضر بقلة الفرص ؛في ظل غموض المستقبل المجهول المعالم .يعود الى الماضي كاداة لحماية الذات وتشويه طبيعة الصراع داخل المجتمعات باعتباره صراع عقائد كما تعتقدالتيارات الماضوية التي ترى ان حلول مشكلات الحاضر يكمن بالعودة الى الماضي البعيد ضدا على سيرورة وتطور الدورة التاريخية للانسانية ليدور الشباب وفق هذه الرؤية المغلوطة والسطحية في فهم الأزمات في حلقة مفرغة تكرس تخلفه .مع الاخذ باسهل الطرق بمغادرة الوطن في الوقت الذي يجب ان يحاول ويفكر في تدبير أزماته وايجاد الحلول لها في أرضه بالعمل الجاد والمسؤول سيرا على النهج العلمي والتشبت بأطروحات عقلانية .وأتمنى أن تكون هذه المساهمة المتواضعة قد لامست الهدف وتناولت المراد وهي عبارة عن أفكار بسيطة تم طرحها لتكون بمثابة محاور لنقاش هادف ومسؤول وفضاء لابداء الرأي حول هذه الظاهرة ؛لأن تعدد الأراء وشرعنة الاختلاف وليس الخلاف يؤدي الى التكامل والتفاعل الذي هوأساس البناء. حررب20/11/2013. امضاء:عدي الراضي.