يضغط على حرف Hفي لوحة المفاتيح عدة مرات ليعبر كتابيا عن ضحكته الصامتة، هو لا يضحك في الحقيقة ولاملامحه تعبر عن ذلك..، بل على العكس، عيناه مغرورقتان بالدموع، تبدو في ملامحه علامات حزن وقلق دفين يئس من إخفائه.. ما فائدة وما مصداقية وما فعالية تواصل يتم عبر شاشات الحواسيب، لايتمكن فيه الطرفان من رؤية بعضهما بشكل واضح وكامل ومباشر..؟ الدردشة الكتابية شكل من أشكال التواصل المنتشرة، الطريفة، الممتعة والخطيرة، فمن خلالها يتمكن الفرد من التعبير عما يريده وليس عما ما يشعر به، يبكي إراديا ويضحك إراديا، إنه عالم يغدو فيه الإنسان قادرا على التحكم في انفعالاته، أو عن إخفاء انفعالاته الحقيقية واصطناع أخرى، إنه الكذب بعينه، ذلك النوع من الكذب الذي يحتاج إليه الانطوائي أو الخجول الذي يخشى مواجهة الآخرين والحديث معهم بطلاقة في مسائل معينة، أو المنافق الذي لا يحب أن يظل ثابتا في موقف معين، أو ذلك الشخص الكئيب الحزين الذي يريد أن يقنع نفسه أنه بخير عن طريق إيهام الآخرين بأنه كذلك. عالم الدردشة الكتابية في وسائل التواصل الحديثة مجال خصب لظهور الكذب والأقنعة التي تخفي الحقائق، لكن هذا لا ينفي إمكانية تواجد كلمات صادقة ومعاني حقيقية، كل ما في الأمر أن الحظ الأوفر يكون للاحتمال الأول، على اعتبار أننا بصدد الحديث عن عالم يكون فيه التواصل غير واضح وغير كامل وغير مباشر.. في عالم الدردشة الكتابية في مواقع التواصل الاجتماعي قد يحمل الأفراد هويات زائفة ليقولوا ما يشاءون دون أن ينسبوه لأنفسهم هكذا تتحول الأنترنيت إلى فوضى وضجيج من الهويات الزائفة ونسقط في نوع من العدمية والتيه، وحتى إن ظهروا بهوياتهم الحقيقية فإنها نادرا ما تخلوا من اصطناع، ومع تزايد عدد المستعملين لشبكات التواصل الاجتماعي سنصير مجتمعا مكونا من أفراد بدون هويات وبدون مسؤولية، يقولون ما لا يفعلون، يتحدثون عن أنفسهم وشخصياتهم وميولهم، ليس كما هي، بل كما يريدون أن تبدو للآخرين. بالتالي سنصير في أمس الحاجة إلى دعوات لأيقاف غزو معايير وقيم العالم الافتراضي لعالمنا الواقعي، ولوضع حد فاصل بين العالمين.