تساؤلات لابد منها: أولها مشروعية طرح السؤال حول جدلية الكوني و الخصوصي حول حقوق الإنسان . الم يكن هذا الطرح تشويها لسؤال يعكس الإشكال الحقيقي؛ وإذا كان الجواب بالإيجاب ؛فماهو هذا السؤال البديل ؟ أليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من البديهيات المتعارف عليها عالميا؟ وحتى إذا كان كذلك الايجوز أن يرتفع نقده إلى معضلة إنسانية حقا؟ لماذا الخصوصي إذا كان الأمر يتعلق بالإنسان نفسه؛ أي ذلك الكائن البشري المتميز عن غيره من الكائنات في الطبيعة. أليست ثقافة حقوق الإنسان امتدادا لتخيلات فلسفة الحق التأملية؟ أليست أسلوبا مجردا من و متعاليا في التفكير حول ما يسمى حاليا الدولة الديمقراطية التي عجزت عن إيجاد واقع حقيقي لها ؟ الايمكن اعتبار ثقافة حقوق الإنسان تفترض إنسانا مجردا و تغفل الإنسان الواقعي؟ خصوصا إذا تأكدنا أن الدولة العصرية تغفل بالذات إنسان الواقع؛ ولا تحقق إنسانيته إلا بصورة وهمية. ومهما اتسع الوعي النظري فما قيمته إلى جانب ضيق أفق الدولة الديمقراطية. ومهما كانت الإجابة عن الأسئلة المشروعة المطروحة؛ فان تحرر الإنسان سيرا نحو اكتمال انسنته لا يمكن أن يتم إلا على أساس النظرية التي تنادي بان الإنسان هو الكائن الأسمى للإنسان ذاته. هنا نقطة البدء؛ ومن هنا يجب أن تتولد ثقافة حقوق الإنسان. تقدم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان الحقوق على أنها حقوق شمولية للنوع البشري؛ بمعنى أنها موجهة إلى كل البشر بغض النظر عن الجنس أو العرف أو اللون الخ. هذه النزعة الكونية ابتدأت مند " الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطن" لسنة 1789. هذه الكونية تمتد إلى " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" لسنة 1948. فالمادة 2 تنص على أن لكل إنسان الحق في الحقوق الإنسانية بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة...ومعظم البنود اللاحقة تبدأ بعبارة:لكل فرد الحق؛لكل إنسان الحق؛ الناس جميعا... أما الجيل الثالث من حقوق الإنسان فهو يتحدث عن الإنسانية كافة؛ إذن فثقافة حقوق الإنسان هي للجنس البشري برمته.إلى درجة أن هناك من يعتبر انه نوع من النرجسية الإنسانية على حساب الكائنات الحية الأخرى. هاته الكونية و الشمولية تتجسد في الكرامة و المساواة و العدل و كل القيم السامية التي تنادي بها الشرعية لحقوق الإنسان . كما أن هاته الثقافة اتخذت صبغة قانونية بمعنى أنها ملزمة لكل دول المعمور التي يجب عليها أن تصادق عليها ما لم تفعل أي أنها اكتسبت قوة القانون ومصدرا من مصادر التشريع. أين يكمن الإشكال إذن ؟ التشنجات و الانفعالات تنطلق من فرضية ثنائية الغرب و الشرق. فعندما تنسب الكونية للغرب و لثقافة الغرب فان الأمر يولد جدلا واسعا إن لم يكن رفضا مسبقا خصوصا إذا تقابلت معه ثقافة تصنفه ضمن ما يسمى القوانين الوضعية؛ وخلف هاته التعميمات تختفي الحقيقة وهنا نعطي لأنفسنا الحق في القول: هل الثقافة الغربية نفسها واحدة منسجمة أم الأمر يتعلق فقط ب" السائدة الطاغية" من حيث هي هاته الثقافة الغربية؟ كما انه نتساءل الم تساهم باقي الثقافات الأخرى في بلورة هذه الحقوق؟ و إلى جانب هذا الصراع النظري الطويل الذي يطلقون عليه أحيانا وربما تمويها صراع الحضارات؛ هناك الشق العملي و السياسي فهو الأكثر وضوحا في جدلية الكوني و الخصوصي. وقبل الخوض فيه يحق لنا أن نسجل انه في أحيان كثيرة القول بالخصوصية الثقافية قول حق يراد به باطل ؛ لأنه غالبا ما يكون تبريرا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. كما أن الحديث عن الخصوصية تبرير لتعارضات مع ممارسات سياسية أو اجتماعية من قبيل ممارسات التطهر عن طريق الإيلام الجسدي في كل من البوذية و الهندوسية وقد نجدها حتى في المغرب من خلال الأضرحة و بعض الطقوس الاجتماعية وكذلك العقوبات الواردة في بعض القوانين الجنائية كقطع اليد ؛ و الرجم؛ و الجلد و الإعدام و ضرب الأطفال و النساء ؛ وهي ممارسات تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان كالحق في السلامة الجسدية وخطر التعذيب و الاعتداء البدني . و في موضوع الزواج؛ قد نجد التعارض بين و صاية الأب أو الوالي في التزويج أو عدمه وبين المادة16 من الإعلان العالمي: للرجل و المرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج و تأسيس أسرة دون قيد؛ بالإضافة إلى التعارض مع شرط الزواج من مسلم؛ و منها أيضا الحق في الاعتقاد الديني حيث تحرم الردة و يقام الحد في بعض الشرائع؛ مما يتعارض مع الحق في المعتقد الذي أفرزته المواثيق الدولية ؛ أي حرية التفكير و الضمير و المعتقد ؛ كما أن العنصرية وكراهية الأجانب في دول الغرب تتنافى كليا مع المبادئ الحقوقية الكونية بمعنى أن الحسم على المستوى النظري تقابله إشكالات من الناحية العملية. ودائما في إطار التعارض بين الكوني و الخصوصي تنص المادة 18 من الإعلان العالمي على أن لكل شخص الحق في التفكير و الضمير و الدين؛ و يشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته في حين تنص المادة 22 من الإعلان العالمي" لكل إنسان الحق في حرية التعبير والرأي بكل وسيلة و في حدود المبادئ الشرعية " وفي التربية و التعليم يعترف الإعلان العالمي بهذا الحق بشكل مطلق كما هو الإعلان الإسلامي إلا أن هذا الأخير يعطي للأباء الحق في اختيار نوع التربية التي يريدونها لأبنائهم ؛ ومن الناحية السياسية نجد التعارض بين الحق الإلهي في الحكم من المنظور الإسلامي مقابل الشرعية الانتخابية و الدستورية. كيف تتعامل القوى العالمية المهيمنة مع حقوق الإنسان؟ ففي الوقت الذي نجد فيه الدول المسيطرة تمارس الضغط المستمر على دول التبعية في ملفات حقوق الإنسان؛ و تتهمها باستمرار الانتهاكات حيث نجدها هي أول من يخرق هاته الحقوق من خلال إشعال الحروب وقتل الأبرياء و إقامة المعتقلات السرية: الحرب على العراق؛ أفغانستان؛ إبادة اسرئيل للشعب الفلسطيني. إسرائيل هاته التي هي الجبهة المتقدمة للنظام العالمي الجديد. معتقل غوانتانامو البشع... والقائمة طويلة مما يوضح أن ثقافة حقوق الإنسان ليست في الأصل ثقافة غربية أو اختيار الحكومات او الأنظمة أو الدول؛ بل كل هاته تتعامل بانتقائية ومصلحيه وتسعى إلى تحويلها إلى إيديولوجية؛ فحلف الناتو تدخل في ليبيا بدعوى حماية المدنيين و يستحيل له حتى التفكير في ردع إسرائيل . إذن فثقافة حقوق الإنسان هي في الأصل ثقافة الشعوب و البسطاء من الناس الذين عليهم أن يحولوها إلى قوة مادية إلى جانب كل الفلسفات الإنسانية. ونقطة الانطلاق لا يمكن أن تبدأ إلا بإشاعة هاته الثقافة و تملكها تملكا علميا و تحويله إلى أساس من أسس بناء دولة الشعوب. خلاصة نستطيع القول أن الأمر في العمق ليس مجرد جدل بين الكوني و الخصوصي ؛ فالكثير من الجدليات مصطنعة و مشوهة لجدليات رئيسية و أساسية؛ فالإنسان هو نفسه أينما حللنا من هذا الكوكب و الكرامة واحدة لا يمكن تجزئتها أو الانتقاء منها. وإذا قيل للفيزياء ذات يوم أيتها الفيزياء حذار مكن الميتافيزيقيا ؛ فإننا نقول لثقافة حقوق الإنسان حذار من الايدولوجيا؛ و التأكيد على الفرضيات الرئيسية: 1 – النزعة الإنسانية. 2- حالة الطبيعة و الحق الطبيعي. 3- العقد الاجتماعي. وخارج هاته الموضوعات من الصعب الاقتناع بشيء اسمه حقوق الإنسان. مداخلة في ندوة نظمتها الجامعة الوطنية للتعليم وفعاليات حقوقية بالريش يوم 11/12/ 2011 بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان