قليل من المغاربة هم من يعرفون المهدي بن بركة على حقيقته ، أقصد المهدي بن بركة الثوري المغربي الأممي، لأن تاريخه أصبح يختصر في شيء واحد هو اغتياله ، أو في تلك الصور التي تعرضها قصدا التلفزة المغربية وهو إلى جانب محمد الخامس أثناء شق طريق الوحدة. كما أن الاتحاد الاشتراكي يشوه باستمرار حقيقة هذا البطل اذ يعتبره شهيد الحزب في حين أن المهدي لا تربطه أية علاقة به وهو الذي تأسس أو تحول ،بعبارة أوضح ،سنة 1975 . كما أن المهدي بن بركة لو كان لازال حيا لتبرأ من هذا الحزب . فمن هو المهدي بن بركة إذن؟ انه الاختيار الثوري وليس شخص أخر، هنا انتهت تجربته السياسية، وهنا يجب أن تستمر وستبقى كذلك كإرث للشعب المغربي الذي كرس له الشهيد حياته. هذا الاختيار لازالت له راهنيته .وهذا ما سنراه من خلال إلقاء الضوء على بعض يسير من الاختيار الثوري للمهدي بن بركة وهو تقرير للسكرتارية العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمناسبة المؤتمر الثاني ( ماي 1962). يتحدث المهدي عن الحزب الثوري كامتداد لحركة المقاومة المسلحة و جيش التحرير باعتبار أن الاستقلال لم يتم بعد بشكله الكامل إذن لابد من مواصلة الكفاح لتأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية المستقلة عن الاستعمار الجديد. هاته المهمة لم تنجز لحد الساعة باعتبار التبعية الاقتصادية و السياسية و الثقافية التي لازال يعيشها المغرب. هذا الحزب الذي تحدت عنه المهدي هو التعبير السياسي للجماهير الكادحة في المدن و القرى و الشبيبة العاملة و الطلابية. هذا ما ينطبق على الوضع الراهن باعتبار الجماهير الشعبية المغربية تفتقد للأداة السياسية التي من خلالها و بواسطتها يمكن تأطير وقيادة مختلف القوى الثورية والديمقراطية الوطنية ، خصوصا بعد ارتماء مجموعة من الأحزاب السياسية السابقة في أحضان النظام وهو إعادة وتكرار لما عبر عنه المهدي بن بركة حينما أشار إلى تهافت وتسابق بعض مسيري الحركة الوطنية على الامتيازات و المصالح ،وما نتج عنه من فتور في الحماس وفقدان الثقة الذي تسرب إلى نفوس المناضلين و مسيري الحركة الوطنية. إن الصورة تشبه إلى حد كبير الزلزال الذي أحدته تمخزن جزء كبير من اليسار الحالي وتقلده للعديد من المناصب السامية ، وما نتج عنه من التفسخ والتمييع والتشتت النقابي و السياسي الذي لا يمكن له أن يلتئم في القريب المنظور. إذن فالمهدي بن بركة يتحدث عن حزب ثوري للجماهير الكادحة الحضرية و القروية الذي يتجسد فيه التحالف بين العمال و الفلاحين و المثقفين الثوريين. حزب الشعب المغربي باستثناء الطبقات المستغلة من إقطاعيين و بورجوازيين طفيليين حلفاء الاستعمار الجديد . ولربط الماضي بالحاضر فالاقتصاد المغربي لاتزال تسيطر عليه حفنة من الإقطاعيين بنكهتهم المغربية: ضيعات فلاحية موروثة عن أسيادهم المستعمرين، جنرالات بامتيازات مطلقة ، مؤسسات عمومية أشبه بإقطاعات، اقتصاد الريع وبورجوازية عائلية طفيلية ، بيروقراطية إدارية شغلها نهب المال العام ... وفي الاتجاه المقابل ، شعب يعاني البؤس و الحرمان والمرض، يطرد من المستشفيات كما تطرد الكلاب، ويعامل في الضيعات و المعامل كما يعامل العبيد ويسلخ الشباب بالعصي كلما تظاهروا أمام البرلمان طلبا للشغل. فلا قوانين تسود أو تحترم، حتى وان كانت متحيزة. تسربت الكثير من المرضيات إلى صفوف أبناء الوطن في الوقت الراهن وهي نتيجة حتمية لتراجع الفكر الإنساني الجماعي وهي عدوى انتقلت من الفكر البضاعي الأناني الذي تحركه السوق و المصلحة الفردية وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله تحت أي ذريعة ، لان الأصل هو الإنسان والحب والسلام وتضامن الشعوب و الفكر الحر. فأصبح الاضطهاد بمختلف أشكاله قد يمارسه ابن الطبقة الشعبية ولو ضد بني جلدته: في الإدارة، المستشفى، المدرسة، المعمل، الشارع... وعلى نطاق واسع. وهنا نستحضر هاتهالفقرة الدرس، من الاختيار الثوري للمهدي بن بركة وهو يتحدث عن الكوادر الحزبية: "على أنه لا ينبغي أن يغرب عن بالنا أن أفضل مدرسة للإطارات وأحسن طريق لتدريب المناضلين على الكفاح والتضحية في سبيل الشعب، هو في العمل اليومي الذي يباشره المناضلون حتى في أداء المهام البسيطة. إن على كل مناضل منا بوصفه مواطنا أن يؤدي العمل المنوط به بمنتهى الكفاءة والضمير المهني. فإن كان عاملا ميكانيكيا أو طبيبا أو ممرضا وجب عليه أن يتقن عمله خير إتقان. وان كان مرشدا أو مهندسا فلاحيا وجب أن يهيئ نفسه ليكون ركيزة الإصلاح الزراعي، وان كان أستاذا أو معلما وجب عليه أن يكون متضلعا في الأساليب البيداغوجية الطليعية. علينا أن نكون خميرة المجتمع التقدمي المزدهر الجديد الذي ننشده في غدنا القريب. ان المناضلين يكتسبون قوتهم الإيديولوجية وصلابتهم الخلقية عن طريق نضالهم وسط الشعب، سواء داخل الحزب نفسه أو عن طريق المنظمات الجماهيرية، أو في المعمل والمنجم والجامعة أو الحقل. ولذا يتعين تحديد دور الحزب في الأمة حتى يكون الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بحق طليعة الكفاح الوطني التي تقود معها جبهة عريضة لفئات مجتمعنا الثورية".