تلقيت بداية هذا الأسبوع خبرا غير سار، لم أكن أنتظره على الأقل في هذه الظروف بالذات، يتعلق الأمر بتوقف إصدار جريدة "تاويزا" مؤقتا. تأخرت في شراء العدد الأخير منها كأنني أطيل من عمرها لأيام أخرى بسبب تنقلي إلى مكان لا توجد فيه محلات لبيع الجرائد نهاية هذا الشهر، بمجرد اقتنائي لها اتجهت عينايا مباشرة إلى افتتاحية غير عادية عنونت بكلمة الختام ولم احتج إلى مجهود كبير لكي أفهم مضمونها، فهمت مغزاها جيدا لأنها احتلت مكانا مخصصا لعناوين المقالات في الأعداد السابقة، تجمدت قدماي في بهو الكشك وقرأت نصف الخبر لأعرف سبب هذا التوقف المفاجئ لجريدة عزيزة علينا بعدما ارتبطت بها ارتباطا غريبا لم يقع مع أي جريدة أخرى خاصة في الأربع سنوات الأخيرة من عمرها، ففي نهاية كل شهر أقصد كشك الجرائد لاقتنائها وفي بعض الأحيان أشتري أكثر من عدد وأحزن كثيرا عندما تتأخر في الوصول الى مدينة خنيفرة، اعتبرت شرائها واجبا نضاليا لا يجب أن أتخاذل في القيام به، تنفست الصعداء بعدما اكتشفت أن توقفها مؤقت وأن مديرها ورئيس تحريرها بخير وعلمت أيضا أنها قد تعود للإصدار إذا توفر طاقم تقني وصحفي يسهر على تلك المهمة، فالأستاذ بودهان وحده لم يعد قادرا على مواصلة مسيرة تاويزا منفردا بعدما كانت قيادته لها بشكل انفرادي سببا في استمرار صدورها لمدة فاقت 15 سنة كما قال في" كلمةالختام" لأنه لم يكن هناك صراع أو اختلاف حول الخط التحريري للجريدة مادام أن شخصا واحدا هو المسؤول عن ذلك ، وهو نفس السبب الذي سيحرمنا منها لمدة غير معلومة حسب قوله دائما لأن ظروفه الصحية لا تسمح له بمواصلة المسير بنفس الروح ونفس الحماس السابقين. لقد قدم الأستاذ محمد بودهان للقضية الأمازيغية خدمة جليلة بسهره على إخراج تاويزا إلى الوجود في وقت كانت فيه الحاجة ملحة لمنبر إعلامي ينير طريق المناضلين ويواجه أعداء تمازيغت الذين كانوا أشد شراسة مما هو عليه الحال اليوم، ومثل هذا العمل لا يقوم به إلا مناضل أمن بقضيته لدرجة كبيرة خاصة إذا علمنا أن الجريدة لم تستفد من صفقات الإشهار أو من دعم الدولة كغيرها من الجرائد، لقد علمتنا تاويزا أشياء كثيرة خاصة مقالات الأستاذ بودهان النارية والراديكالية والمبنية على الحجج العلمية والبراهين المعقولة، كيف لا وهو الذي تشبع بالفكر العقلاني الحداثي، والمتمكن من أساليب الحوار و العارف أيضا بخبايا السياسة المغربية . الأستاذ بودهان بفضل أفكاره المتنورة كسب احترام مناضلي الحركة الأمازيغية داخل المغرب وخارجه، بل كسب احترام الكثير من الذين يخالفونه الرأي أيضا. تاويزا جريدة أحببناها كثيرا وأصبحت مرجعا لكل المناضلين وللإشارة فقط فإنها الجريدة الوحيدة التي أملك عددا كبيرا من نسخها طبعا بالإضافة إلى جرائد أمازيغية أخرى أحتفظ بها في مكتبتي كمراجع للقضايا التي تناقشها الحركة الأمازيغية. رغم طبيعة إخراجها غير المنمقة تبقى تاويزا من أحسن الجرائد المغربية الأمازيغية من حيث المضمون، وقد كان لي الشرف أن تكون أول من نشر مقالي الأول حول تاريخ الزاوية الدلائية سنة 2009،لقد أحسست بفرحة كبيرة عندما تصفحتها وعثرت على المقال وكانت بداية حقيقية لكتاباتي المتواضعة حول الثقافة واللغة الأمازيغية. لقد علمت جريدة تاويزا أجيالا من المناضلين الأمازيغ، وكانت مدرسة لهم ومنبرا حرا لنشر أفكارهم وتصوراتهم، كما شكلت وسيلة للتواصل بين المناضلين من مختلف مناطق المغرب. ونتمنى أن تعود إلينا من جديد لكي تواصل طرح القضايا الساخنة في المشهد السياسي المغربي، وتفتح الملفات العالقة حول الأمازيغية، وتستمر في دحض الاطروحات العروبية العنصرية، وتواجه الأفكار الإقصائية التي تنشرها وسائل الإعلام المغربية بمختلف أنواعها، كل هذا لن يتحقق إذا لم يجد الأستاذ بودهان من يساعده في ذلك تقنيا ومهنيا وماديا وختاما لكي تعود إلينا تاويزا نحتاج إلى" تاويزا". محمد زروال /خنيفرة