يطغى نقاش إصلاح صندوق المقاصة على النقاش الاجتماعي و الاقتصادي في الساحة الوطنية بعد أن أعلنت الحكومة منذ مدة أنها على أعتاب إصلاح جد مهم لهذا الصندوق سيعيد بوصلة الاستحقاق في الاستفادة من الدعم الحكومي ,و كان آخر ما طرحته الحكومة استفادة الأسر المعوزة من دعم مالي مباشر ابتداء من يونيو المقبل حسب الصحافة و تصريحات مسؤولين عدة. يعتبر صندوق المقاصة أحد المشاريع الاقتصادية التي فشلت الحكومات المتعاقبة في إصلاحه بالطريقة التي تضمن إيصال الدعم بمستحقيه و ذلك لأسباب منها ما هو منطقي مرتبط بالإكراهات التنظيمية و اللوجيستكية, و منها ما هو وهمي مرتبط بضغط أطراف مستفيدة تريد أن تستمر استفادتها, حتى إن شركات عالمية في التراب الوطني تستفيد من الصندوق عن طريق شرائها لمنتجات من السوق خاضعة للدعم كمواد أولية في منتجاتها التي تعاد لتباع للمغاربة و منها ما يصدر للخارج, وقد جاء وعد الحكومة الحالية بإصلاح هيكلي شامل للصندوق بما يضمن حقوق الدولة و حقوق المستحقين. يأتي سؤال توقيت الإصلاح و كيفيته ملحا بعد أن أعلنت الحكومة عن الدعم المباشر للأسر الفقيرة و تاريخه, و لم تعلن عن آلية واضحة لتوزيع الدعم و لا عن باقي إستراتيجية الإصلاح غير الدعم المباشر. إن توقيت الدعم المالي المباشر الذي وعدت به الحكومة يطرح أكثر من تساؤل: هل توقيت يونيو المقبل بريئا من ارتباطه بموعد الاستحقاقات الانتخابية؟ باعتبار أن جل المستفيدين هم من المصوتين, فمن المعلوم ان الطبقات المسحوقة في البوادي و الأحياء الهامشية هي التي أصبحت تمارس حقها في الانتخابات بعد ان هجرتها جل الطبقات المتوسطة و تحت المتوسطة, وان لم يكن موعد الدعم موعد انتخابي فما مبرر التأجيل؟ لماذا لا يقدم الدعم من اليوم؟ ثم هل الدعم المالي المباشر هو الإجراء الوحيد؟ أم هناك إجراءات أخرى موازية؟ ماذا ستفعل الحكومة بشأن الطبقات التحت متوسطة و المتوسطة؟ ألن يشكل إلغاء الصندوق آخر مسمار في نعش هذه الطبقات التي توالت عليها الضربات منذ عقود حتى ألغيت و أصبحت طبقة فقيرة بدورها, خاصة أننا سمعنا مرارا و تكرارا عن عدم نية الحكومة الزيادة في الرواتب, هل 1000 درهم التي ستقدم للطبقات المسحوقة كافية لسد الثغرة التي سيتركها رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية؟ خاصة و أننا اليوم نعاني من التهاب الأسعار المدعومة أصلا و نعلم أن 1000 درهم مع الدعم لن تغير شيئا هل فعلا الطبقات المستحقة هي التي سيصل اليها الدعم؟ و ما آلية ذلك؟ فكما يعلم الكل من الصعب تحديد المستحقين و لعل مهزلة برنامج تيسير الذي يستفيد منه تلاميذ الطبقات الفقيرة و المتوسطة و الثرية في القرى المغربية اكبر دليل على ذلك . و ما برنامج راميد منا ببعيد…أسئلة و أخرى كثيرة تتناسل حول هذا الإصلاح الذي تركت الحكومة المجال فيه للتأويلات الممكنة و لم تقدم تصورا واضحا حول آلياته و إستراتيجيتها له , كما لن تشرك سابقا أحدا في التشاور حول كيفية الإصلاح, و هي التي كانت قبل نجاحها تدعي توفرها على إستراتيجية متكاملة و عادلة لإصلاح هذا الصندوق. ان طريقة توزيع الدعم المباشر في مجتمع لا يقدر أصلا قيمة العمل كفيلة في التعزيز من ثقافة الريع المنتشرة بين أوساط المغاربة حتى المثقفين منهم, و لا شك أن ثقافة الدعم المباشر جربت في دول عدة و لم تعط أكلها, و لعل ابسط مثال ليبيا القدافي و مصر مبارك الدولتان اللتان جربتا الدعم المباشر لسنين و خاصة مصر و لم تغير شيئا سواء الدعم المالي او العيني, و لعل الدعم المباشر تكون له النتيجة الحتمية نفسها التي حصلت في الدولتين حينما تحول الصراع من صراع طبقي بين “تحالف” الطبقات المسحوقة و الطبقات التحت متوسطة ضد ” تحالف” طبقات السلطة و طبقات المال المشبوه, إلى صراع بين الطبقة التحت متوسطة غير المستفيدة من الدعم و الطبقة المسحوقة المستفيدة من الدعم باعتبار ان الأخيرة ستصل لمستوى الأولى دون جهد و بالتالي ستجعل الطبقة الأولى تطالب بدعم تراه الطبقة الثانية انه غير مستحق و ما سيدور في الهامش ما سيعزز و يغذي هذا الصراع. ان إصلاحا لصندوق المقاصة يجب ان يخضع لنقاش وطني حقيقي إذا أريد له إصلاح بعيد عن الحسابات السياسوية الضيقة, و يجب ان يتبنى سياسة متكاملة تنظر الى كل جوانب الموضوع حتى لا يكون الإصلاح مقصلة للطبقة الوسطى الضامن الحقيقي لاستقرار الوطن السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الفكري, و إلا فإننا سنقضي على ما تبقى منها دون ان نقدم إضافة للطبقات المسحوقة و هذا لن يكون في صالح احد حتى الطبقات الميسورة و الغنية ,بأموال الشعب, اذ سيكون السلم الاجتماعي في المحك و بالتالي ستهدد مصالحها. و في الأخير ابعث تساؤلا الى القيادات الحزبية الحكومية : هل صراعكم مسرحية انتخابية أم غباء سياسي أم تمهيد للقضاء على التجربة لتقنيط ما بقي من الشعب من الديمقراطية على الطراز المغربي؟؟؟