ل 11 يناير وقع مختلف في نفوس المغاربة، فمنهم من يراها محطة للراحة والاستجمام بعيدا عن ٬ مؤكدة أن الاحتفاء بهذا الحدث التاريخي البارز والراسخ في ذاكرة كل المغاربة هو وفاء وبرور برجالات الوطنية والمقاومة والتحرير٬ وتمجيد للبطولات العظيمة التي صنعها أبناء هذا الوطن بروح وطنية عالية ظروف العمل والالتزامات المهنية، ومنهم من يعتبرها ذكرى هي من أغلى وأعز الذكريات المجيدة في ملحمة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية والسيادة الوطنية التي تحتفظ بها الذاكرة الوطنيةوإيمان صادق وواثق بعدالة قضيتهم في تحرير الوطن٬ مضحين بالغالي والنفيس في سبيل الانعتاق من نير الاستعمار وصون العزة والكرامة، ويعزي رئيس المركز الوطني للتنمية والوحدة الترابية السيد الطاهر أنسي، اختلاف الوقع بنبل هذا اليوم، إلى اختلاف التشكل الثقافي الذي عاش وترعرع فيه المغاربة، كما للإعلام المغربي دور في ضعف الاهتمام بالتاريخ الوطني، ف 11 يناير يقول أنسي ” نريدها محطة لتعريف جيل الغد بمسار تشكل الدولة المغربية الحديثة ومحطة للحديث عن الوطنين وصعوبات بنائهم للمواطنة وتمهيدهم للتنمية والتضحية بدمائهم من أجل الاستقلال والحرية والديمقراطية، فأولئك بصدق يقول أنسي دخلوا التاريخ وكتبوه بدمائهم، ويجب الاعتراف لهم، ومحطة أيضا لتوحيد الجهود وحشد تأييد العالم لوحدة المغرب الترابية، فالمجتمع المدني والإعلام يقول أنسي من شأنهم حث العالم على الإقرار بمغربية الصحراء ومغربية الجزر الجعفرية وسبتة ومليلية “ ففي 11 يناير وقف المغرب عبر تاريخه العريق٬ بعزم وإصرار وتحد٬ في مواجهة أطماع الطامعين مدافعا عن وجوده ومقوماته وهويته ووحدته٬ ولم يدخر جهدا في سبيل صيانة وحدته٬ وتحمل جسيم التضحيات في مواجهة المستعمر الذي جثم بكل قواه على التراب الوطني منذ بدايات القرن الماضي٬ فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ توزعت بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بالشمال والجنوب٬ فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي. وهذا الوضع المتسم بالتجزئة والانشطار والتقسيم للتراب الوطني هو ما جعل مهمة التحرير الوطني صعبة وعسيرة٬ بذل العرش والشعب في سبيلها أجل التضحيات٬ في سياق كفاح متواصل٬ طويل الأمد ومتعدد الأشكال والصيغ٬ لتحقيق الحرية والخلاص من عنق الاستعمار المتعدد والمتحالف. فمن الانتفاضات الشعبية إلى خوض المعارك الضارية بالأطلس المتوسط وبالشمال والجنوب٬ إلى مراحل النضال السياسي٬ كمناهضة ما سمي بالظهير الاستعماري التمييزي في 16 مايو سنة 1930 ، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و1936، فتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير سنة 1944. وعبر هذه المراحل التاريخية٬ سعى بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس٬ إلى إذكاء إشعاعها وبلورة توجهاتها وأهدافها منذ توليه العرش يوم 18 نونبر 1927٬ حيث جسد الملك المجاهد رمز المقاومة والفداء قناعة شعبه في التحرير وإرادته في الاستقلال٬ معبرا في خطاباته التاريخية عن مطالب الشعب المغربي في الحرية والاستقلال وتمسك المغرب بمقوماته وثوابته الأصيلة متحديا كل محاولات طمس الهوية الوطنية والشخصية المغربية. لقد تواصلت مسيرة الكفاح الوطني بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس٬ الذي اغتنم فرصة انعقاد مؤتمر آنفا التاريخي في يناير 1943 لطرح قضية استقلال المغرب وإنهاء فترة الحماية٬ مذكرا بالجهود والمساعي الحثيثة التي بذلها المغرب من أجل مساندة الحلفاء في حربهم ضد النازية وفي سبيل تحرير أوروبا٬ وهو ما أيده الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلان روزفلت باعتبار أن طموح المغرب لنيل استقلاله واستعادة حريته طموح معقول ومشروع. واستنادا إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها٬ حدث تحول نوعي في طبيعة ومضامين المطالب المغربية بحيث انتقلت من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال. وكان لهذا الانتقال انعكاسات على مسار العلاقات بين سلطات الحماية والحركة الوطنية التي كان بطل التحرير رائدا لها وموجها ومجسدا لمسارها٬ بإيمان عميق وعزيمة راسخة وثبات على المبادئ والخيارات الوطنية. في هذا السياق٬ تكثفت الاتصالات واللقاءات بين القصر الملكي وصفوة طلائع المناضلين والوطنيين الأشاوس٬ وبرزت في الأفق مبادرة تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بإيحاء من جلالة المغفور له محمد الخامس٬ ثم شرع الوطنيون في إعداد الوثيقة التاريخية بتنسيق محكم مع جلالته وتوافق على مضمونها. فكان طيب الله مثواه يشير عليهم بما تقتضيه سياسته الرشيدة من إضافات وتعديلات وانتقاء للشخصيات التي ستتكلف بتقديمها والحرص على تمثيلية كافة الفئات والشرائح الاجتماعية وتعبيرها عن الخريطة السياسية والجغرافية للمغرب٬ حيث تم تقديمها بعد صياغتها النهائية إلى الإقامة العامة فيما سلمت نسخ منها إلى ممثلية الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا٬ كما أرسلت نسخة منها إلى الاتحاد السوفياتي آنذاك، ولم يغيب المغرب في نضاله وجهاده ضد الاستعمار، معاناة الشعب الجزائري الشقيق، رغم أن سياسيه ومخزنه استغلوا، عشق المغاربة وشغفهم لحرية العرب وتشبثهم الوثيق بالعروبة، فصنعوا كمائن مع المستعمر ضد وحدة وأمن واستقرار المغرب، ومهمتنا يقول أنسي ” النضال إلى جانب الملك من أجل مغرب موحد ومن أجل البناء الديمقراطي والتنموي الذي يتطلع له المغاربة في كل مكان في العالم”.