سحاقيات ومخنثون،غراميات وحفلات، ليالي صاخبة وسهرات حمراء. مراكش بريس . منذ شهر ونصف تقريبا، علمت “مراكش بريس” أن مصالح الشرطة السياحية، ألقت القبض على سائحين أجنبيين، بتهمة الشذوذ الجنسي والتحريض على الفساد، عندما كانا يتجولان ليلا بألبسة وأحذية نسائية ذات الكعب العالي، ونهود مصطنعة، ويضعان مساحيق تجميلية على وجهيهما، بساحة جامع الفنا . وكانا السائحان المذكوران قد أثار حفيظة مجموعة من المواطنين بالساحة المذكورة،التي كانت تغص بالمارة والزوار، حيث تعرضا طريقهما مجموعة من المواطنين الغاضبين ، قبل أن تتدخل عناصر الشرطة السياحية من أجل إنقاذهما، ومنحهما جلابيب مغربية لستر عورتيهما، وإلجائهما لأحد فنادق درب سيدي بولقات بساحة جامع الفنا، تفاديا لغضب الحشود، وضمانا لسلامتهما، قبل نقلهما لمخفر الشرطة السياحية المتواجد بذات الساحة. وعلمت “مراكش بريس" بعد ذلك، أن السائحين لم يخفيا شذودهما الجنسي، بل صرحا به للسلطات الأمنية التي اعتقلتهما، قبل أن تخبرهما هذه الأخيرة، بأن فعلهما محظور قانونيا على التراب المغربي . هذا، وقد فتحت السلطات الأمنية التابعة لمخفر الشرطة السياحية تحقيقا في الموضوع،لتكتشف أن السائحين المذكورين يقيمان بأحد دور الضيافة في حي القصور على تراب مقاطعة مراكشالمدينة . الجنس الثالث حقيقة تعيش بيننا. سحاقيات ومخنثون،غراميات وحفلات، ليالي صاخبة وسهرات حمراء. إنفراد … مراكش بريس . ففي أجواء يشوبها دائما الترقب والحذر، يحتفل أفراد الجنس الثالث، وهم من الشواذ والمثليون في مدينة طنجة وفي معظم المدن الكبرى المغربية والعالمية بيومهم العالمي في حفل تنكري، يتحول خلاله الفتيان إلى فتيات، والسحاقيات إلى رجال على غرار “رعاة البقر الأمريكيين” وعادة ما يتم إحياء مثل هذه الإحتفالات بإحدى الإقامات الخاصة ، أو الفيلات البادخة خصوصا وأن معظمهم دأبوا على الإستئناس بالأوساط الثرية، أو ينتمون إلى أوساط ثرية ، ومن مدن أخرى كالدارالبيضاءوطنجةوالقنيطرة، وبعض أصدقائهم المنحدرين من فئات شعبية إضافة إلى مدعويين أجانب . بعض من صادفناهم أثناء إنجاز هذا الروبرطاج لايزالون، حدثونا عن أحد إحتفالات ليلة رأس السنة، حين جاء المدعوين للحفلة في صفة النساء متنكرين ولم يتوانوا على الرقص أنغام العديد من الوصلات الغنائية الغربية، والشعبية أحياها مغني شعبي معروف حل بمراكش قبل اليوم المذكور بأسبوعين. وأفادت ذات المصادر أن الدعوة إلى الحفل وزعت على المشاركين في هذه الأخيرة عن طريق موقع الأنترنيت “ڭاي ماروک” تفاديا للإختراق من طرف الغرباء. كما أن عملية التميز بين الذكور والإناث كانت صعبة للغاية من طرف حراس السيارات الذين اعتقدوا في أول الأمر أن الحفل يخص فوج سياحي أجنبي. لم يعد غريبا أن تسير في أحد شوارع مراكش أو مدينة أخرى كبيرة من مدن المملكة، فترى فتاة متبرجة في أقصى زينتها، وأناقتها تتلوج وتتغنج في مشيتها، وتتعلج في كلامها، بنهود وصدر منفوخ مثل نجمات الإغراء الهوليوديات،لتكتشف في نهاية المطاف، إذا ما أنت أمعنت النظر أو بدأت الحديث معها، أنها فتى وليس فتاة،فتى تفضحه “تفاحة آدم” رغم ماينهال عليه المعاكسات من الشباب الآخرين! فتى قد تشبه بالفتيات في ملابسه، ووضع أحمر الشفاه الخفيف اللمسات، أو الوردي اللون على مختلف أنواع المساحيق التجميلية على وجهه. إنهم أو “إنهن” أفراد الجنس الثالث، ممن أصبحن يخرجن للعلن، ويشاركن في الحفلات والمهرجانات وينافسن الغادات والفتيات في حلبات الرشاقة، والجمال و وقد أكدت ل”مراكش بريس” أستاذة بجامعة القاضي عياض، فضلت عدم ذكر إسمها، في دراسة حديثة حول “الشواذ في الدارالبيضاءوطنجة وأكادير وفي بعض مدن المغرب الكبرى” انتشار الشذوذ بين بعض الطلبة والطالبات الجامعيين خاصة، مشيرة إلى أنه لا يمكن إنكار وجود حالات من “المخنثين” بين الشباب الذين عاصرنا مشكلاتهم وأجريت الدراسة عليهم. أوضحت مصادر قريبة من المجلس الجهوي للسياحة بمراكش ل”مراكش بريس” أن بعض المطاعم الفاخرة، وأحد دور الضيافة قد وظفت أربع حالات من الجنس الثالث؛ نظرا لوضعيتهم النفسانية، وكونهم –على حد تعبير المصدر-أشخاص مهمشون، ومعلقون بين السماء والأرض في مجتمع لايزال يرفض وجودهم، ولايعترف بخصوصيتهم البيولوجية والنفسية. في حين دعا أحد أعضاء المجلس العلمي بجهة مراكش تانسيفت الحوز إلى ضرورة التحرك السريع من جانب مؤسسات الدولة للحد من انتشار الظاهرة، وضرورة توفير عيادات استشارية ومراكز خدمة لمعالجة هذه الحالات، والوقوف على أسبابها، وإيجاد السبل الكافية لنشر التوعية حول أخطارها وما تسببه من جوانب سلبية تعرقل سير المجتمع. وفي السياق نفسه، حذر من عدم مراقبة شقق الرذيلة التي كثرت في مراكش، ومدن أخرى كبيرة بالمملكة، وأصبحت تهدد استقرار البيوت، وأمن المجتمع. كما اعتبر أن جريمة التشبه بالنساء جريمة اجتماعية لا تقل خطورتها عن جرائم القتل؛ لأنها تؤدي في النهاية إلى الإنتحار الجماعي بسبب المسكرات والمخدرات، وتؤدي إلى الأمراض الجنسية الخطيرة التي بدأت تطل برأسها بسبب ممارسة الفاحشة، كما تؤدي إلى تدمير الكثير من الأسر المغربية، مشيرا إلى أن معظم ضحاياها من الشباب، ولأن الجامعة وبعض المعاهد الخاصة ليست بعيدة عن الظاهرة؛ فقد أصبح لزاما تنظيم ندوات وأيام تحسيسية للتصدي لهذه المشكلة، لمنع تسربها إلى فئات المجتمع. الجنس الثالث حقيقة تعيش بيننا. سحاقيات ومخنثون،غراميات وحفلات، ليالي صاخبة وسهرات حمراء. إنفراد … مراكش بريس . وتشن مصالح الأمن المراكشية والبيضاوية بين الفينة والأخرى، حملات شعواء منذ سنتين على الشقق التي تأوي هؤلاء المخنثين والسحاقيات، وقد أسفرت عن القبض عن أكثر من مائة شخص ما بين رجل وامرأة من مختلف الأعمار والجنسيات، معظمهم من الشباب بعد ضبطهم متلبسين بممارسة هذا الجرم الذي تنكره الشرائع السماوية وتعافه النفوس السليمة… لا تزال ظاهرة الجنس الثالث من لظواهر المسكوت عنها في المجتمع لمغربي، وكذلك ظاهرة ما يعرف بالعنبسية أو “ترافيستيزم” على تحتل موقعا مظلما في الذاكرة الجمعية للمجتمع المغربي، كباقي المجتمعات العربية والإسلامية الشرقية، وتتجاوز بذلك الإيحاءات الجنسية إلى دلالات إشهارية، مثل المخنثين الذين كانوا يعملن في زمن مضى، داخل خيمات “السويرتي” في كرنفالات المدن، وهو الموضوع الذي تناوله بشكل مموه وغير صريح المخرج المغربي داوود اولاد السيد في فيلمه “باي باي السويرتي” والذي قام ببطولته كل من الفنانين عبد الله ديدان ومحمد بسطاوي وحسن الصقلي ونزهة رحيل ومحمد مفتاح، ويحكي الفيلم معاناة فرقة ترفيهية، تتجول بجنوب المغرب، هذا الأخير الذي يعيش تحت وطأة الجفاف والفقر، من خلال ثلاثة شخصيات تعيش أزمات حادة مع الذات ومع الآخرين، ربيع الترافيستي الذي يمارس التخنث من أجل لقمة العيش، وجلب اللاعبين إلى خيمة اليانصيب، هؤلاء اللاعبين والمتفرجين الذين يبدو لهم أعجوبة الأعاجيب خاصة أمام ترسانة القيم الممجدة للذكورة والفحولة في الجنوب المغربي، وقاسم المريض المعتل الذي يحاول الهروب من ماضيه التعيس، والعربي الملاكم الفاشل في التمرس كرياضي محترف ومعروف. الجنس الثالث عندنا لايختلف عن الجنس الثالث في فرنسا ودول أوروبا، يعيشون في أوساط مخملية فارهة لا علاقة لها بتعب الحياة اليومية، يتهربون قدر الإمكان من سطوة الشارع الذي يتقن فن الرقابة، يكرهون الأسواق والإجتماعات المزدحمة والصحافة المكتوبة، والمقاهي المفتوحة ووسائل النقل العمومية، والإحتفالات في الهواء الطلق والمطاعم الشعبية والجلسات الرصيفية وولوج الإدارات العامة والمصالح الخارجية للوزارات، يتنافسون في اقتناء الشقق الفارهة المتوارية عن الأنظار، وشراء السيارات والتحف والملابس النسائية الداخلية والخارجية إن اقتضى الأمر، والعطور الباريزية ومساحيق الماكياج المميزة. يفضلون الخروج ليلا في مراكش، في اتجاه علب ليلية غالية الثمن أو عشاء باذخ تزيد شموع حمراء وكستنائية وأخرى بنفسجية من رومانسيته داخل مطعم أنيق لا يقبل كل من هب ودب، يطمحون في ربط صداقات تقترب من الزواج بفارس أحلام عادة ما يكون من أوساط ثرية، يلعب دور “الدون جوان” وفي باريز عاصمة الملائكة والشياطين، يكون المنتهى، وتبقى مراكش بفنادقها الفخمة ودور ضيافتها الخيالية، ونواديها الليلية، هي المدينة المقصودة والمفضلة في المغرب، خاصة وأنها المدينة التي تتواجد فيها الحرية بالمال، وتنسجم بين طياتها المغامرات بالأمكنة. إنهم المخنثون في مدينة مراكش، نساء في أجسام رجال، وأنوثة تتصارع بشكل أبدي مع الذكورة، داخل أبدان رقيقة متوهجة، ترفض أن تسمى “شواذ جنسيين” ويفضلون الحديث عن أنفسهم بلغة المؤنث تؤكد كاميليا 30 سنة (واسمها الحقيقي سمير) أنها لا ترتاح لممارسة حياتها الخاصة سوى في مدينتي باريز ومراكش، وأنها في هذه الأخيرة عادة ما تخرج بسيارتها للتجول في شوارع المدينة دون أن تثير انتباه المارة والراكبين، إذ عادة ما يعتقدون أنها فتاة، وتتذكر أحيانا المعاكسات التي تعترضها في الشارع، ويوم ألح أحد مدراء الوكالات البنكية على مرافقتها، وتشبت برأيه بعدما عرف أنها ذكر، وليست فتاة، غير أنها رفضت إغراءه المالي، لأنها ليست مومس، وأنها وفية لفتى أحلامها القروي الذي يسكن بمنطقة أسني، ويشتغل في قطاع السياحة الجبلية. في حين توضح نادين 28 سنة وهو إسم مستعار أن لها علاقات حميمة بصديقات لها من باريز حيث خضعت لعملية هرمونية لتصغير الخصر وإبراز الثديين، بمساعدة جراح برازيلي متخصص في الترافيستيزم Travestisme أو ما يعرف في اللغة العربية بالعنبسية، مشيرة أن صديقاتها ساعدنها في إنشاء موقع على صفحات الويب لتلقي الرسائل من المعجبين وحتى المعجبات. وحول حياتها الخاصة تؤكد صونيا 30 سنة أنها من مواليد مدينة الدارالبيضاء، في وسط عائلي متحرر، أنها تعشق أن تمارس الجنس بكل أنواعه وملذاته، وتعتبره جزء من الحياة ولكن رغم ذلك فقد عاشت معاناة الرفض المطلق في مدينتها ومن طرف أقاربها قبل أن تتمكن من السفر إلى باريز والحصول على عمل في إحدى دور تصميم الأزياء، رفضت ذكر اسمها وهو العمل الذي تربح من ورائه أموالا محترمة – على حد تعبيرها- تمكنها من العيش في رخاء ورفاهية. أما نونوسة 25 سنة – الذي يرفض ذكر اسمه الحقيقي والرسمي- فبدورها تصرح بصيغة المؤنث أنها من مواليد مدينة القنيطرة في عائلة مكونة من أمها وأخواتها الثلاث، إذ كان الأب قد لقي مصرعه في حادثة شغل بأحد مصانع المدينة، وتشير نادين التي أخضعت نفسها إلى حمية وطرق طبية ذاتية من أجل القضاء على كل مظاهر الذكورة في جسمها، أنها منذ مدة غير وجيزة وهي تشتغل في إحدى صالونات الحلاقة الشهيرة بمدينة الدارالبيضاء، وأن عملها المتقن في تصفيف الشعر وتزيين الوجوه والأبدان النسائية وحتى الرجالية، مكنها من ربط علاقات حميمية مع شخصيات هامة من رجال الأعمال، وأرباب المال والنفوذ سواء داخل المغرب أو خارجه. تقول فيكتوريا 29 سنة ل”مراكش بريس” أنا لست شاذا جنسيا، أنا “ترانس” Trans ، لست رجلا ولا إمرأة، أنتمي إلى الجنس الثالث وهذا من حقي في أن أكون ما أشاء وأن أعيش حياتي العاطفية كما أريد لا كما يريدها لي الآخرون. وحول علاقاتها بالمجتمع وبالناس داخل الشارع المغربي، تصرح نادين: أن الجنس الثالث في المغرب لازال في طي الكتمان وأنها عادة ما يعتقد الناس أنها أنثى حقيقية، غير أنها تتحاشى ما أمكن التعامل مع الإدارات، لأنها تضطر إلى تغيير ملابسها وإزالة شعرها الطويل المستعار والتخلي عن عطرها المفضل وماكياجها المؤثر، فالدارالبيضاء تظل في نظرها مدينة عملاقة تبتلع كل هواجسها ومخاوفها، غير أنها عادة ما تفضل قضاء الصيف والربيع في مراكش خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، مشيرة أن “الويكاند” لا يحلو إلا في مراكش. في نفس السياق تصرح نادين أنها ضد الدعارة والفساد، وتعلن تضامنها مع “بنات جنسها” المعذبات خاصة من العنبسيين الذين يعيشون في سجون مزمنة، ويفضلن المكوث بين أربعة حيطان بدل الخروج إلى الرقابة المزدوجة في الشارع ومع السلطة الأمنية. الجنس الثالث حقيقة تعيش بيننا. سحاقيات ومخنثون،غراميات وحفلات، ليالي صاخبة وسهرات حمراء. إنفراد … مراكش بريس . إنها المثلية “الترانسيتية” عندما تتوحد مع الفقر، من أجل كسب رهانات الحياة المريرة في خروج مؤلم عن قرارات الذات، والإرادة وحتى التخنث الإرادي. كما تختزل بعض حلقات الفرجة، في جامع الفنا بمراكش مظاهر “التغني بالجنس الثالث” أو “الترافيستيزم” بشكل فلكلوري، خاصة عندما يرتدي راقصو فرق أهازيج “العيوط” او راقصو فرق أعبيدات الرما، الملابس النسائية في إشارة كبيرة إلى الحدود الفاصلة بين الذكورة والأنوثة المقنعة، الهاربة من مساءلة الرؤية، متلذذين بذلك الغمز واللمز الذي ينحشر داخل مغاور الحلقة، وهو ما يمكن اعتباره تخنثا فنيا، يدخلا ضمن تسلسلات الفرجة. وإذا كانت كل من فيكتوريا ونادين قد أسعفهما الحظ في ممارسة الحياة بشكل مريح نتيجة المدخول المالي الهام والمحترم من “عملهما” فإن سامي الذي يسكن في منطقة الشويطر على الطريق المؤدية من مراكش إلى أيت أورير بإقليم الحوز، فإن سنواته الأربعة والعشرين ووسطه المتوسط لم يسعفه في الحصول على عمل قار، مما دفعه إلى ممارسة الدعارة والدخول في المنافسة الجحيمية مع بنات الهوى بين الفينة والأخرى داخل متاهة شوارع مراكش الملتوية، ومن خوض غمار رحلات مكوكية إلى الصويرة وآسفي. في حين لا زال المراكشيون يتندرون باسم عزيزة كأقدم “جنس ثالث” في المدينة، يحترف مهنة نقش الأيادي والأرجل بالحناء، محققا بذلك أكبر سبق على كل النقاشات المحترفات، في اكتساب زبائن مميزين من أوساط غنية من داخل المدينة ومن خارجها. يقول الأستاذ الباحث في قضايا التنمية والمجتمع مولاي عبد الله المنديلي أن الجنسية المثلية!.. علامة استفهام كبرى.. أزمة عميقة تعيشها مجتمعات الرفاهية والفقر على السواء لكن في الخفاء وطي الكتمان.. فهي وباء «مسكوت عنه».. قد نكتفي بالتلميح في نكتة أو مشهد تلفزيوني.. أو سينمائي لكننا لا نواجهه.. وقد نتوهم أنها حالات فردية قليلة بينما الشواهد الكثيرة هنا وهناك تقول العكس. لا نتكلم هنا عن المخنثين أو مضطربي الهوية الجنسية، وانما عن رجال ونساء يتمتعون بكامل ذكورتهم أو أنوثتهم الجسدية، لكنهم لا يفضلون شريكا جنسيا مغايرا. وقد يصل الأمر الى حد عدم الزواج أو كراهية الاقتراب من الجنس الآخر، واذا اضطر هؤلاء الى الزواج تحت ضغط الأسرة أو نظرة المجتمع السلبية لهم، فانهم يعيشون حياة جنسية متوترة. لسنا في وراد الادانة بل القراءة والتحليل للظاهرة سيكولوجيا واجتماعيا.. فبدلاً من التعاطف الساذج معهم أو الاشمئزاز منهم.. لنقترب قليلاً من عالم المثليين ونحاول الاجابة عن أهم التساؤلات: هل المثلية نوع واحد أم أنواع؟ ما الأسباب والدوافع التي توجه سلوكه الجنسي في هذا الاتجاه؟ ما طبيعة الشخص المثلي؟ هل هو ضحية أم مذنب؟ وهل ثمة علاج أو خلاص؟! تعني العلاقة الجنسية المثلية Homosexuality ممارسة الجنس مع شريك من النوع نفسه، أي اقامة علاقة جنسية بين امرأة وأخرى أو بين رجل وآخر. ولهذا المصطلح مرادفات أخرى، مثل اللواط بين الرجال، والسحاق بين النساء، وينسب أصل مصطلح اللواط الى قوم سيدنا لوط الذين كانوا يأتون الرجال شهوة دون النساء. أما السحاق فهو نسبة الى الشاعرة الاغريقية Sapho سافو (560-630 ق.م) التي استغنت بالنساء عن الرجال بعدما فشلت في علاقتها الجنسية مع زوجها، فاتخذت آنيس عشيقة مفضلة لها، لذا سمي السحاق سافوية نسبة اليها أو Lesbianism نسبة الى جزيرة «ليسوس» في بحر ايجة في اليونان التي كانت تسكنها، ثم انتقلت ممارسة السحاق فيما بعد الى بلدان أوروبا. بينما يذكر أن أول من ابتدع السحاق عند العرب هم نساء قوم لوط، حيث انشغل رجالهن باللواط وهجرهن فبدأن في تفريغ شهوتهن فيما بينهن. ولما أُهلك قوم لوط، لم يظهر السحاق مرة أخرى بين العرب الا بعد أن أُشيعت العلاقة الغرامية الجنسية بين هند بنت عامر زوجة النعمان ملك الحيرة وعشيقتها رقاش بنت الحسن اليمانية. أما حاليا فيعتبر مصطلح الشذوذ الجنسي مرادفا للعلاقة المثلية عند الرجال والنساء. ويعد هذا النوع من الانحرافات الجنسية الأكثر تعقيدا وتشابكا لأنه لا يتخذ شكلا واحدا، انما يتأرجح بين أكثر من نوع: الأول: Desire of homosexuality ويعني الرغبة المثلية أو الميول المثلية، وتظهر في صورة الانجذاب النفسي والعاطفي والجنسي نحو شخص من الجنس نفسه، دون أن يعني ذلك بالضرورة تفعيل هذا الميل باقامة علاقة مثلية معه، وقد يحول دون تفعيلها ضعف الميل أو الكوابح الأخلاقية والاجتماعية أو مظاهر أخرى للتنفيس مثل الخيال أو الاكتفاء بمشاهدة أفلام اباحية تتناول هذه العلاقات أو غيرها مما يخفف من وطأة الرغبة. الجنس الثالث حقيقة تعيش بيننا. سحاقيات ومخنثون،غراميات وحفلات، ليالي صاخبة وسهرات حمراء. إنفراد … مراكش بريس . الثاني: ممارسة المثلية تحت وطأة الرغبة والاحتياج الغريزي مع افتقاد أي تواصل مع شريك من الجنس الآخر، كما يحدث بين نزلاء السجون، أو الجيش، أو اصلاحيات الأحداث، أو بين البحارة الذين يغيبون عن الحياة العادية لأشهر طويلة، أو الصيادين، أو أي تجمع آخر مغلق على أفراد الجنس الواحد ولا يسمح بالتواصل مع الجنس الآخر، فهؤلاء جميعا يتجهون الى هذا النوع من التفريغ الجنسي لأنه يتعذر عليهم ممارسة الجنس السوي لفترة طويلة ولا يستطيعون صبرا على رغباتهم، ويكون الشريك هنا مجرد أداة لتفريغ طاقة جنسية فحسب، وكأنها جنسية مثلية موقفية أو مؤقتة، غالبا ما تنتهي بانتهاء الظرف الخاص الذي يجمع بين الطرفين. الثالث: Pure-homosexuality ويخص الفئة التي تعلن صراحة عدم ميلها للجنس الآخر وعدم قدرتها على اقامة علاقة معه، فلا يمكن للرجل المثلي أن يتزوج من امرأة أو يقيم معها علاقة، كذلك المرأة المثلية تكتفي فقط بعلاقتها مع النساء. ويعامل كل شريك شريكه المثلي كأنه زوجه عاطفيا ونفسيا وجنسيا، وهؤلاء يُعرفون من عزوفهم عن الجنس الآخر وأحيانا كراهيتهم لهم وعدم استثارتهم جنسيا من أي سلوك يبدونه أمامهم. وقد عبر عن ذلك أحد المثليين بأنه لا يشعر بأي استثارة جنسية عند رؤيته امرأة عارية في وضع مثير، بينما يشعر بالاستثارة الشديدة عند رؤيته صدر رجل عار أو عند تواجده معه في مكان واحد. الرابع: يعتبر النوع الأكثر تعقيدا واثارة للمشكلات الاجتماعية والأسرية، وهو mix-homosexuality أو أنصاف المثليين، ويطلق على النساء والرجال الذين يقبلون اقامة علاقة جنسية مثلية وغيرية في آن واحد، فنجد الرجل يقيم علاقة جنسية مع امرأة، أو يتزوج وينجب أطفالا لكنه يشعر بلذة أعمق عند اقامة علاقة جنسية مثلية. فعلى الرغم من أنهم لا يرفضون النساء واغواءهن تماما، لكنهم سرعان ما ينجذبون جنسيا نحو الرجال، وغالبا لا تكتشف مشكلتهم الا بعد الزواج، ولأن من الصعب تفهمها أو التكيف معها فتكون العلاقة الزوجية على حافة الخطر وغالبا ما تنتهي بالطلاق. على سبيل المثال اشتكت لي «م» من أنها تزوجت من رجل متعلم، يشغل مركزا مرموقا، وكانت موضع حسد من صديقاتها لأن زوجها ليس لديه علاقات متعددة بالنساء مثل باقي الرجال، وأنجبت منه ثلاثة أطفال لكن بعد مرور اشهر قليلة على الزواج لاحظت عليه سلوكيات غريبة مثل تأخره خارج البيت في أيام معينة، واصراره على ذهابها والأولاد الى بيت أسرتها أسبوعيا حتى وان لم تكن مهيأة لذلك، وغيابه لأيام عدة مع صديق معين، اضافة الى بعض المظاهر المادية التي لا تناسب دخله مثل تغييره سيارته في فترات متقاربة، وحصوله على هدايا ثمينة من حين لآخر. وتابعت «م» : «في البداية كان يختلق لي الحجج والأعذار التي أضطر لقبولها، خصوصا أنه ليس لدي دليل واضح على شيء محدد. لا أنكر أن شكوكي فيه كانت تحوم حول امكانية قبوله الرشوة أو استغلال وظيفته بطريقة مشبوهة، ولم أكن أتوقع أن الأمر يكمن في اقامته علاقة جنسية مع أحد أصدقائه حتى فوجئت بوجودهما معا في غرفة نومي حين اضطررت للعودة من بيت أسرتي في وقت غير متوقع، فانكشف أمره وكانت صدمة قوية أدت بي الى حالة اكتئاب عميقة لم أتجاوزها الى الآن، لأنني لم أستطع اللجوء لخيار الطلاق الذي كان يستلزم مني أن أفضح أمره أمام الأسرة والأولاد. تشكل مثل هذه الحالة ضربة قاضية لعلاقات زوجية كثيرة، لأنها تشوه صورة الرجل التقليدية المتعارف عليها عند معظم النساء، وتكسر تلك الحدود الفاصلة بين الذكورة والأنوثة، ولا تستطيع المرأة أن تتقبل الحياة مع “نصف رجل” فتنظر اليه نظرة دونية يصعب معها استكمال الحياة الزوجية، خصوصا في حالة عدم اقتناع الرجل بكونه شاذا أو مريضا، وبالتالي يرفض فكرة العلاج النفسي. وتواجه الزوجة مأزقا كبيرا لوجودها بين خيارين أحلاهما مر، هما التعايش مع رجل شاذ، أو فضيحة اجتماعية وأسرية يصعب مواجهتها وتحمل آثارها. ويختلف الأمر نسبيا عن الشذوذ بين النساء، الذي يعتبره علماء كثيرون منهم Ronald M. solevian أنه ليس انحرافا أصيلا لدى المرأة، انما غالبا ما يحدث كرد فعل لعوامل وظروف معقدة، ويستشهدون في ذلك أن نشأته جاءت في ظروف حرمت فيها المرأة غالبا من وجود اشباع سوي، لذا هو أقل انتشارا مقارنة بالشذوذ بين الرجال، وأكثر قبولا للتجاوز والعلاج خصوصا مع وجود أطفال يستهلكون طاقة كبيرة من مشاعرهن واهتمامهن كأمهات. الخامس: هو نوع من المثلية لكن بشكل ضمني وغير مباشر، كما في حالة الزوج الذي يسمح لزوجته بعلاقات جنسية مع شركاء آخرين، دون أن يشعر بأي ضيق أو تذمر، وفي بعض الحالات يحرص هو على اختيار الشريك، أو لا يعترض على سرد شريكته لكل تفاصيل العلاقة مع الآخر، ومن الحالات التي توقفت أمامها بدهشة كبيرة، حالة «س» التي كان يغويها زوجها على اصطياد شركاء، ثم يستمتع بسردها لتفاصيل علاقتها معهم، ومن ثم يُقبل عليها بشهوة تستغربها الزوجة نفسها. وتفاقمت الأزمة بينهما حين أصبح ينقطع عن معاشرتها فترة طويلة ما لم يتوفر شريك ثالث! من الصعب أن نجزم بوجود عامل واحد واضح يقف وراء الشذوذ الجنسي، انما هي مجموعة عوامل تتضافر لتلقي بالشخص في هاوية الانحراف، منها: اضطراب علاقة الطفل بوالديه، خصوصا الوالد من الجنس نفسه، أي الأب في حالة الذكر، والأم في حالة الأنثى، يُعد تربة خصبة لنمو الميول المثلية فيما بعد. فالطفل يتجاوز نفسيا وجنسيا مرحلة الطفولة بنجاح بقدر ما ينجح الوالدان في تشكيل هويته الجنسية التي تنتج من تربية متوازنة ونضج الأبوين الذي يتيح للذكر التوحد مع أبيه واكتساب صفات ذكورية، واكتساب الفتاة صفات أنثوية، كما أن افتقاد الاشباع العاطفي نتيجة غياب الأبوين فعليا أو رمزيا يلعب دورا جوهريا في استمرار بحث الطفل فيما بعد عن هذه المشاعر والرضا بأي شكل من التواصل مع الآخر كتعبير عن تعويض هذه المشاعر المفقودة. الإساءة الجنسية للطفل Sexual abuse من أكثر العوامل التي ترسخ لميول مثلية، خصوصا في تشابكها مع عوامل نفسية أخرى مثل اهمال الوالدين لتأثير الاساءة وعدم مساندة الطفل ومساعدته على تجاوز الأزمة واستعادة ثقته في نفسه ورضائه عن ذاته، أو أن تأتي الاساءة من شخص قريب أو معروف لدى الطفل ما يضاعف من آثارها السلبية. تؤكد Elizabeth Moberly أن 80% من الرجال المثليين تعرضوا لايذاء جنسي على يد شخص بالغ قبل وصولهم سن العاشرة، الأمر الذي يمثل سياقا مناسبا لتطور الميول المثلية، حيث يشعر الطفل باللذة الممزوجة بالخجل والعار جراء ما حدث له، لكنه أيضا يربط بين هذه اللذة، التي غالبا ما تكون للمرة الأولى، وبين مصدرها وهو الشخص الذي اعتدى عليه، ومن ثم تكون اللذة مساوية لرجل بالغ، ومع مرور الوقت يشتاق لتكرار التجربة مع الرجل نفسه أو غيره، وهنا تكمن الخطورة في حالة عدم مبالاة الأسرة أو جهلها أو تجاهلها للأمر. عدم اتاحة الفرصة للطفل لعقد علاقات زمالة أو صداقات مع أفراد من الجنس الآخر، يجعله لا يجد مفرا من توجيه طاقته النفسية والجنسية نحو هؤلاء المماثلين له في النوع فيما بعد، ولعلنا نعلم كم تنتشر السلوكيات الجنسية بين الأطفال من الجنس نفسه في سن صغيرة وقد تتطور فيما بعد. كما أن تربية الطفل مع أقران من الجنس الآخر ومخالطته لهم طوال الوقت يعيقه عن تحديد هويته الجنسية التي تتشكل من خلال اختلاطه بأفراد من جنسه، فنجد الذكر الذي يُربى مع اناث أقرب للنعومة ومحاكاة سلوكياتهن والاهتمام بأمورهن أكثر من أي شيء آخر، وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة التي تربى تربية خشنة أو وسط ذكور، نجدها أكثر خشونة وتوحدا مع الذكور.