(الجزائر تايمز) مرت علينا هذه الأيام الذكرى ال 61 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وذلك في ظل صمت شبه تام من قبل السلطات العمومية حول الوضعية الحقيقية لحقوق الإنسان في الجزائر ، حيث اكتفت هذه السلطات كعادتها بالافتخار بما أنجز على الورق في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ، لا سيما فيما تعلق بالعفو عن المسلحين وتحقيق ما يسمى بالمصالحة الوطنية حسب ما جاء بها الميثاق الذي أصدرته السلطات وصادق عليه الشعب . السلطات العمومية تركت الانطباع بأن في الأمر إحراجا و ربما حتى إزعاجا لو أنها احتفلت بهذه المناسبة التاريخية. كل الدول المتحضرة وكل المنظمات العالمية احتفلت بهذه الذكرى الهامة بوسائل كثيرة و مختلفة ، لأن إعلان 10 ديسمبر 1948 يعتبر خطوة عملاقة و غير مسبوقة في طريق تحقيق الكثير من المكاسب والنتائج في مجال ترقية واحترام حقوق الإنسان في العالم ، وذلك حتى و إن كنا نختلف كأمم وأفراد حول بعض الجزئيات التي تضمنها هذا الإعلان وذلك شيء طبيعي لأن هذا القانون من صنع البشر . و حتى نوضح ولو جزء يسيرا من حالة حقوق الإنسان في بلادنا نذكر أنه وعلى مدار سنوات عديدة ظلت عائلات المفقودين تنظم تجمعاتها أمام مؤسسات الدولة وهيئات حقوق الإنسان الرسمية للمطالبة بالحقيقة وكشف المستور حول مصير الآلاف من المفقودين الذين تعرضوا للاختطاف من قبل الميليشيات المسلحة التي كانت تعمل بترخيص من السلطات حينذاك ، علاوة على الاختطافات التي مارستها الجماعات المسلحة (الحكومية منها والغير حكومية!!!)، ولكن السلطات العمومية اكتفت بالتعويض المادي عن هؤلاء المفقودين الذين تمت تصفيتهم خارج الأطر القانونية ، وهو ما يعني أن الإفلات من العقاب أو المحاسبة القانونية كان أمرا مقصودا ، وان الحقيقة ستبقى مغيبة أو يراد لها أن تغيب مقابل ملايين من السنتيمات تقدم لعائلات الضحايا . فهل وصلت قيمة الإنسان الجزائري في نظر السلطة الحاكمة إلى هذا الحد ؟ وكان الرد غير المباشر من قبل السيد الرئيس على أن الحكومة الجزائرية قد قدمت في عهده للمنظمات الدولية غير الحكومية أكثر من 30 تقريرا ، ولكن إذا ما علمنا كيف تعد هذه التقارير ومن يعدها وما هي مصداقية هؤلاء المكلفين بإعداد مثل هذه التقارير ‘ ولماذا لا يتم إشراك المنظمات الجزائرية المستقلة في إعداد مثل هكذا تقرير حتى تكسب مصداقية لدى الرأي العام الوطني والدولي ، حينذاك نقر بأن كلام السلطات وافتخارها بتحسن وضعية حقوق الإنسان هو مجرد كلام لذر الرماد في العيون ، ومحاولة لإقناع المنظمات الدولية بتحسن الوضع في الجزائر ليس إلا. وما يؤكد هذا الكلام هو ما أصدره ( مركزالقاهرة لدراسة حقوق الإنسان ) يوم الثلاثاء الماضي في تقريره السنوي في دراسته لوضعية حقوق الإنسان في العديد من الدول العربية من بينها الجزائر وقد استهل معدو التقرير بالإعراب عن أسفهم لما وصفوه بتدهور حالة حقوق الإنسان في الجزائر، حتى بالمقارنة مع الوضع المتدهور خلال العام الماضي 2008 . وأفرد التقرير فصولاً عن أحوال حقوق الإنسان في كل من : تونسوالجزائر والمغرب والسودان ولبنان وسورية والعراق والسعودية والبحرين واليمن، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية كما تناول بالتحليل أداء الحكومات العربية داخل هيئات الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وجامعة الدول العربية . ويعالج التقرير في فصل خاص موقف الحكومات العربية من قضايا حقوق المرأة وحدود التقدم المحرز فيها، ومدى استخدامها “كورقة لتجميل الصورة” أمام المجتمع الدولي، وللتملص من استحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان للرجال والنساء على حد سواء.أما في الجزائر فقد ظل قانون الطوارئ وميثاق “السلم والمصالحة الوطنية” وتطبيقات مكافحة الإرهاب، مدخلا معتمدا لتكريس سياسات الإفلات من العقاب، والتغطية على الانتهاكات الشرطية الجسيمة، والإخلال بمعايير العدالة وبضمانات حرية التعبير. ومهدت تعديلات دستورية لتكريس محتمل لحكم الرئيس بوتفليقة مدى الحياة، عبر انتخابات كانت محلا لعدة مطاعن، رغم كونها جرت في غياب منافسة حقيقية. وتبين من خلال هذا التقرير وغيره من التقارير التي أعدتها منظمات غير حكومية معنية بوضعية حقوق الإنسان أن وضع الجزائر في مجال حقوق الإنسان لا يقل سوء من وضعيته في مختلف البلدان العربية ، سواء كانت هذه الحقوق سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، ففي المجال السياسي مازال التضييق على الحركات السياسية وعلى نشاطات الأحزاب والشخصيات السياسية هو السمة البارزة في الميدان ، فأصبحت الساحة السياسية شبه فارغة وكأنه أصابها التصحر ، وأصبح الخطاب الممجد للسلطة وإنجازاتها الضخمة هو الخطاب الطاغي ، وتم إغلاق المجال السياسي بإحكام عبر منع إعطاء الإعتماد لأحزاب جديدة رغم الطلبات الكثيرة التي أودعت في مكتب وزير الداخلية منذ أكثر من عشر سنوات ، ومن أغرب التصريحات التي أصدرها السيد نورالدين يزيد زرهوني -وزير الداخلية- أن كل الأحزاب التي قدمت ملفات الإعتماد لمصالح وزارته كانت ملفاتها ناقصة ولذلك لم يتم اعتمادها . فهل بمثل هذه العقلية تتعامل الحكومات والإدارات في الدول التي تسعى لترسيخ الممارسة الديمقراطية في بلادها ، أم أن الذي كان ملفه ناقصا كان لابد من تنبيهه لإتمام الملف ثم النظر في اعتماده هل هو موافق للمواصفات القانونية أم لا، إن هذا العذر الذي قدمه السيد الوزير هو أقبح من ذنب ، وهو ما نفته جميع الأحزاب التي قدمت ملفات اعتمادها دون أن تتلقى أي رد من الحكومة. ولولا حرية التعبير التي فرضته الصحف المستقلة عبر نضالاتها وتضحياتها والتي بقيت هي المتنفس الوحيد للمعارضة في الجزائر لقلنا أن وضعية الحقوق السياسية في الجزائر هي أسوأ بكثير مما كانت عليه خلال عهد النظام الأحادي المغلق في السبعينيات والثمانينيات. هذا ناهيك عن الأوضاع الاجتماعية المتردية والتي تزداد سوء عاما بعام رغم البحبوحة المالية التي تتوفر عليها البلاد ، وهو ما أدى إلى إعلان الكثير من الاحتجاجات والإضرابات في أغلب قطاعات النشاط مثل التربية والتعليم العالي والإدارة العمومية وقطاع الصحة ، وقد طالبت النقابات المستقلة التي شلت هذه القطاعات لأسابيع معدودة بضرورة توفير الظروف الملائمة للعيش الكريم ، لأن الغلاء الفاحش والأجور الزهيدة التي تتقاضاها جعلت منها طبقات محرومة همها الوحيد هو كيفية تسيير ميزانية الأسرة ومواجهة هذا الغلاء الفاحش والفوضوي الذي فرضته بارونات التجارة والسوق بعيدا عن مؤسسات الرقابة ، مما أثر سلبا على المردود والنجاعة لأداء هؤلاء الموظفين والعمال. وضعية حقوق الإنسان إذن وفق هذه المعطيات ليست على ما يرام ، وإذا ما أرادت السلطات العمومية أن تحسن من هذا الوضع فما عليها سوى الإنصات بمختلف الفعاليات السياسية والكوادر الوطنية والداعية إلى جعل القانون فوق الجميع ، وأن تتخلى عن مبدأ عدم معاقبة المسئولين أو السكوت عن جرائمهم سواء كانت اقتصادية أو جنائية ، وهي النقطة التي سودت صحيفة السلطة الجزائرية لدى المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي ، لأن هذه المنظمات المؤثرة في القرارات الدولية كانت ولازالت تعتبر أن الإجراءات التي تضمن عدم معاقبة المعنيين بمختلف الجرائم والاختلاسات والفساد تعد تراجعا كبيرا في مجال حقوق الإنسان ، وهي من جهة أخرى تعد إنكارا للحقيقة والعدالة لضحايا الإعتداءات وأسرهم سواء كانت هذه الإعتداءات جنائية أو اقتصادية أو غيرها ، ولذلك فإن هذه المنظمات ترى بأن الجزائر قد أخلت بواجبها منذ عقد ونصف من الزمن في التحقيق في جميع الاعتداءات والتجاوزات التي شهدها مجال حقوق الإنسان سواء على أيدي الجماعات المسلحة أو أعوان قوات الأمن والدفاع الذاتي خلال الأزمة الدموية التي عاشتها الجزائر ونختم هذا المقال بالموقف الثابت والجريئ الذي طالما عبرت عنه العديد من الشخصيات السياسية ومناضلي حقوق الإنسان مثل المحامي علي يحي عبد النور والأستاذ مصطفى بوشاشي وبوجمعة غشير والسياسي المخضرم حسين آيت احمد ،والذين اعتبروا صراحة بأنه منذ إعلان حالة الطوارئ فقد تميّزت وضعية حقوق الإنسان بفتح معتقلات بالصحراء، وممارسة التعذيب في السجون، وخرق حق الدفاع، ووضع جهاز قضائي في خدمة السلطة، وخرق حق حرية التعبير والصحافة، وحرمان أحزاب وجمعيات من حقها في الاعتماد، والتعدي على الحريات النقابية، وكذلك وضع نظام تزوير للانتخابات يحوّل كل المواعيد الانتخابية إلى مجرد مهازل أضحكت علينا الأمم كما اعتبرت هذه الشخصيات وغيرها أنّ الديمقراطية الجزائرية أصبحت “شكلية، لا مضمون لها”، منذ بداية التسعينيات، وهو تاريخ الانقلاب على صناديق الاقتراع، وإلغاء نتائج الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وذلك حتى وإن كانت السلطة تحاول عبر ممارساتها من تنميق واجهتها عبر إجرائها لانتخابات لا تحوز على المصداقية الشعبية ، وبهذا الوصف الجريئ يمكن القول أن وضعية حقوق الإنسان في بلادنا ليست على مايرام وذلك عكس ما يروج رسميا عبر تقارير تفتقد لكل مصداقية.