سيكون ربما تنظيف البيت الاستقلالي، أو ترتيب أوراق المؤتمر المرتقب، على يد وجوه كرزمية، هي من ستتولّى تجديد النخب السياسية، وضخّ دماء التغيير عبر ترسيخ التناوب القيادي ما بين فاسومراكش. وذاك شأن حزبي لا دخل لي ولغيري فيه ، لأن أهل الحضرة أدرى بشعوبها وحضرتها. برز ذلك من خلال حضور مشروع الزعيم لبرنامج حوار، على القناة الأولى، يوم 14 يونيو 2011، وهو يتحدّث بوثوقية القائد المنتظر وبيقينية الواحد المبشّر به لقيادة سفينة الوطن بعد ترسيم الدستور الجديد، محذّرا من نكبة ما تزال عالقة بفكر الشيخ الذي لا يشيخ، وهي ظلم الحزب الذي جاء بالاستقلال وتمّ حرمانه من رئاسة الحكومة. أعتبر ذلك أيضا شيئا حزبيا داخليا لا دخل لي ولغيري فيه. لكن لما يتكلّم الشيخ عن ظاهرة الفساد والمفسدين بعد النكسة الواقعية والمنطقية لحزبه أمام جرّافات الوافد الجديد، ويفرد مراكش كمثال عيني، لا أشكّ في أنه يعرفه يقينا، فإن في ذلك ما يثير في نفسي كثيرا من الحسرة والأسف جرّاء منطق استبلاد المراكشيين، والضحك على ذقون الشرفاء والنزهاء وعموم المواطنات والمواطنين، الذين رأوا كيف حملت حافلات النقل الحضري وزبانية مصطفى طارق صناديق الاقتراع من مكاتب التصويت إلى مقرّ الولاية، حتّى يتمّ عدّ ما تمّ وضعه سلفا من أوراق وردية تجعل الشيخ فائزا على الرغم من كل الأنوف والهامات. ويذكر المواطنات والمواطنون وقفة الشيخ المصون تحت شجرة ظليلة وفي زنقة ضيقة وهامشية، مواجهة لثانوية القاضي عياض، في سيارة أونو بيضاء، يوزّع الإكراميات على من اختار طواعية رمي الوردي في الصندوق. وكيف أن سائق تلك السيارة المتواضعة، فاز هو أيضا بعد ذلك برخصة القطار الصغير الذي ما يزال شاهدا على صدق الأنبياء ونزاهة الأولياء. ويذكرون مهزلة المسرح الملكي، الذي ما يزال شامخا شموخ الشيخ الفارغ من أدواره، ومن أرقام القروض الثلاثة التي لم تخرجه أبدا إلى النور. يتباهى به المراكشيون من الخارج، ويقف أمام اسمه السياح منبهرين من جمال العمارة الفارغة من الداخل. ويتذّكرون البنية التحتية التي امتدّت إلى منزل الشيخ الفاخر بمنطقة النخيل، لينتفع بها الشيخ والشيخ وحده.... قال الشيخ الوقور المبتسم ابتسامة تربّص يقظة، في برنامج مولاي مصطفى العلوي: “إنّ على المفسدين في مراكش أن يتركوا الساحة عن طواعية”. قالها الشيخ ببراءة الأطفال، وكأن كافة الشاهدين ماتوا، ولم يتركوا لا كتابات ولا شهادات، أو لم يتحدّثوا في جلسات صفاء لأبنائهم وأحفادهم عن رواد الفساد السياسي والانتخابي في مراكش، أو لم يتركوا ورقة تشيد بفتوحات الشيخ المفسد. هل نسي الشيخ ؟ أم هو فقدان ذاكرة أرجعته بقدرة قادر ليوم الولادة، أم هي توبة نصوح، سيعترف بعدها بما جنت يداه، على البلاد والعباد. إني ألحّ على الشيخ الفاضل أن يستعرض أمام عينيه كل الوجوه التي وسمها بالمفسدة، وليذكرهم واحدا واحدا، وليبدأ من عتاة الميزان إلى الجرّاف والمنسوبين إلى أمّهم أو من أصبحت تحلّ أسماؤهم محلّ أحيائهم، مثل أبي العباس السبتي والجزولي والغزواني مع وجود الفارق الكبير طبعا ومن أعطاهم التاريخ المجيد للحاضرة الحمراء كل الميزة والفضل. هل يذكرهم الشيخ؟ لا أشك في ذلك. لأنهم جميعا وبدون استثناء من المريدين القيّمين على هديه وورده، ومن تشرّبوا من روح الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام القانون التي أسّس شروط نبدها وهدم أسسها. هل يذكرهم الشيخ؟ وقد كان المدرسة التي رسّخت الإفساد، ولقّنت الأجيال التي تداولت شأن المدينة أساليب الاغتناء السريع وبيع الذمم والاستفادة من أغراض وحاجات الساكنة... ألا يرى الشيخ أن مريديه يسيرون على هديه، ولو أن أغلبهم غيّر المعطف والسترة، وأبدعوا في أوراده وتجاوزوا شيخهم في استغلال الوقت والنفوذ، كأن ينتقل الواحد منهم في رئاسة واحدة من الحد الأدنى للأجور في مؤسسة عقارية وطنية، إلى صاحب قصر في حيّ النخيل. هل يرى الشيخ فائدة نقل الخبرات والموت على المذهب الذي سنّه وسار عليه؟ هل هناك مفسد في مراكش حسب تعبير الشيخ لم يتكوّن ويتخرّج على يديه؟ لقد كانت له الريادة، وليهنأ ولينم ضميره مرتاح البال. لكن، لماذا يتنكّر لهم اليوم ويرميهم بكل النعوت؟ ويضيف الشيخ الفاضل: “إن على الديمقراطيين من أهل اليسار أن ينسحبوا من الجرار. إذ ليس هناك انسجام وتوافق ما بين الديمقراطيين وأعداء الديمقراطية”. لقد جاءتك الصحوة متأخرة جدا سيدي الشيخ الفاضل. لأنك قتلت فورة البناء الديمقراطي لدى جيل كامل من مناضلي اليسار بمراكش، وقتلت الأمل الفياض في انتعاش وطن أرادوه مبنيا على النقد والنقد الذاتي، وعلى صراع الأفكار والطروحات والبرامج، وليس صراع المال واستغلال النفوذ، وتنكّرت للقيم النبيلة التي أدخلتنا عالم السياسة وحبّ الوطن، لعلال الفاسي الرائد والمختار السوسي وعبد الكريم الطرّيس. وما ضرّ الشيخ أن يلوذ أهل اليسار بالجرار أو بالبرّ الآخر، سوى أنهم إبان صحوة وطنية لا أظن الشيخ يعرفها فضّل الرفاق قضايا الوطن عن الانتساب لإطار عاجز أو مشلول، ورأوا في ركوب مطية وافدة خير معبر لتحقيق ذلك الحلم النبيل الذي قتله الشيخ النبيل فيهم أو كاد. يذرف الشيخ دموعه الشقشاقة حسرة على الديمقراطيين من أهل اليسار. هل هي دموع التماسيح؟ تلك التماسيح التي التهمتنا بشراسة أفظع من الحيوان، من أجل أن تتغذّى لوحدها، وتطعم كل المريدين من دم وأشلاء الضعفاء والأبرياء والمقهورين، ثم تتنكّر لهم اليوم لتلتهمهم مع أبرياء جدد، يحملون هم أيضا شعارات التخليق والإصلاح والتغيير. ويصرّ أن يبدأ الآن عهدا جديدا بتلاوات وأذكار جديدة، وأن يبحث في ظل العهد الجديد والدستور الجديد عن مريدين أبرياء، يربّيهم على نهج جديد ممّا يعشقه ويعرفه جيدا...... فلتعذرني أيها الشيخ الفاضل، لا يمكن أن تعيد الكرة، لأن أهل اليسار في دار أمان. والأمل الذي أهدرت دمه، عاود الشموخ. لن تعيد الكرّة، لأن من يتنكّر لأبنائه حتما سيلفظه التاريخ وترميه الأيام. لن تعيد الكرّة.