مابين الرفض القاطع والإقبال المنقطع النظير يستمر مهرجان الرقص الشرقي ، الذي ينتظم بإحدى الفضاءات السياحية الجميلة في مراكش ، ومع كل إرتدادات أمواج المد والجزر المتعلق بفن الرقص وأنواعه وتداعياته الجمالية والدلالية ، وعلاقته بالمهرجان ، في حين تحظي فعاليات مهرجان الرقص الشرقي على واجهة أخرى ذات علاقة بأرض الواقع بالحضور القوي - حسب المتتبعين- من طرف مختلف الأطياف المجتمعية،والمهتمين والمعجبين والسياح الأجانب خلافا لما كان متوقعا نتيجة المعارضة التي لقيها منذ الإعلان عنه، وذكر متتبعون ونقاد فنيون أن الحضور الزاخم في المهرجان ، بات يؤشر إلى مجموعة من العوامل الانفتاحية في النسق الذوقي والجمالي لدى المتلقي المغربي والأجنبي على حد سواء، وقنطرة عبور إبداعية بين روحانية الشرق ومادية الغرب . في حين أرجع مثقفون وفاعلون سياحيون وفنانون الحضور المتنوع للجمهور بالمهرجان إلى الاستحسان والجمالية التي يحظى بها الرقص الشرقي بمسحته المغربية،كمؤشر عملي يفيد أن الأجيال الجديدة من الشباب المغاربة بدؤوا يتخلون على ما وصفوته ذات المصادر ، بالرؤية النمطية الذي ظلت تحكم فن الرقص ، كأحد الفنون التعبيرية التي انبثقت منذ القدم، بل كانت حتى قبل ظهور اللغة الصوتية، إضافة إلى تعلق الفتيات واليافعات من الجيل الجديد بتقليد نجماته المميزات، في المغرب والعالم العربي والعالم، على غرار الفنانات الحاضرات ممن تميزن في مهرجان مراكش ما بين 07 و 13 يونيو الحالي، والذي حضره ما يزيد عن 18 أستاذ وأستاذة وخبير في فن الرقص تتقدمهم النجمة المغربية الشهيرة والمعروفة ب “حكيما” وهي النجمة التي باتت معبودة الجماهير نتيجة المسحة المغربية والإضافات النوعية والحركات المضبوطة التي أدخلتها على فن الرقص الشرقي بعدما بات هذا الفن مقبولا في أعلى المستويات الأكاديمية العالمية،حيث صار حتى الأجانب من الأوروبيين والأمريكيين يحرصون على تعليمه لبناتهم، كأساس حركي يزيد من دفق النعومة الأنثوية وتألق الحراك المفعم بالطلاوة والحلاوة والتلقائية، قصد صقل مايسميه المختصون بأبهة الجسد بلغة الخبراء في الفن المذكور على غرار باقي الأنشطة البدنية الدقيقة وهو التحول الذي لمسته من خلال إقامتها في أوروبا، وتحديدا في منطقة “كاتالونيا” الإسبانية، حيث تتجاوز الحضارة المغربية بعمقها الدلالي المتنوع مع إمتدادات الثقافة الأوروبية. وإرتباطا، بذات الموضوع فقد تتلمذت نجمة الرقص الشرقي المغربي “حكيما” على رائدة الرقص الشرقي المعاصرة، الأستاذة المصرية راقية حسن في كل من القاهرة العاصمة المصرية وأوروبا . من جهة أخرى، عرفت فعاليات المهرجان العالمي للرقص الشرقي والذي من المنتظر أن يقام مرة في السنة على تراب المملكة ، مشاركة راقصات وفنانات وصفوا من طرف النقاد والصحافة الفنية العالمية بكونهن من العيار الثقيل، تتقدمهن النجمة “إسمهان” الفنانة الراقصة المنحدرة من الأرجنتين،والتي سبق أن وصفتها “فيفي عبده” بالتفاح اللاتيني، نسبة للطلاوة في الأداء الذي يميزها والرقة الإنسيابية التي تحظى بها على الخشبات العالمية، وهي الميزة التي مكنتها من نيل إعجاب الملايين عبر مختلف ربوع العالم، وجعلت مشاهير الفن السابع في هوليوود كالفنان عمر شريف والنجم روبير دو نيرو و المخرج مارثن سكورسوزي يتعلقون بفنها وبطريقة تقديمها للوصلات الراقصة . في نفس السياق، أوضحت النجمة “حكيما” استاذة الرقص المغربي والشرقي والعضوة في لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الدولية ل “مراكش بريس”: أن الدورة الحالية تسعى إلى إستقطاب نجمات ونجوم الرقص الشرقي ، والرقص الشرقي المغربي ، وتعريف المشاركين ورواد السياحة الثقافية والفنية بالثرات المغربي وبقدرة المغاربة على الإرتشاف من معين كل الحضارات والمعارف، دون التخلي عن هوياتهم وأبعادهم الحضارية وثوابتهم الوطنية. كما أفادت الفنانة “حكيما” أن إدارة المهرجان التي ترأسها النجمة الشهيرة وعارضة الأزياء العالمية “سيمونا جوزمان” وهي المنظمة الأساسية للمهرجان في نفس الوقت، وقع إختيارها على مدينة مراكش، لكونها مدينة عالمية تشكل القلب النابض للمغرب الثقافي، والمتواصل والمنفتح عن العالم، ومن أجل بعث رسالة للعالم بكون لغة الجسد والجمال وسمو رسالة الفن التعبيري أو التشكيلي ترقى دائما فوق خطابات الإقصاء والأحكام الجاهزة والعنف، مشددة على إدانة إدارة المهرجان العالمي للرقص الشرقي للحدث الإرهابي التي تعرضت له ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش وتأكيدا على أهمية المدينة الحمراء التي ظلت عبر العهود والعقود مثالا للتسامح والتواصل والتعدد الثقافي داخل بوثقة الوحدة الوطنية. ومعلوم ، أن فعاليات المهرجان، شهدت أنشطة موازية تمثلت في تنشيط بعض الفرق الفلكلورية المحلية ، كالدقة المراكشية و”فن الطقيطيقات” و”الطبالة” وفرق ڭناوة” إضافة إلى مجموعة من الأنشطة الموازية الإشعاعية والتأطيرية التي تمثلت في إقامة معارض للفنون التشكيلية من لوحات زيتية ومنحوتات محلية ومعروضات خزفية ، ومعدنية وأعمال يدوية وحرفية تتعلق بالتطريز والحياكة والخياطة وإنتاج المواد العطرية والمساحيق التجميلية الطبيعية، وتصميم قطع الحلي من طرف تعاونيات نسوية وشبابية بجهة مراكش تانسيفت الحوز، كما عاشت ذات الفعاليات على إيقاع متواصل من اللقاءات والثقافية والفنية والإعلامية قصد ربط جسور التواصل بين مختلف المهتمين والباحثين والنقاد، والمساهمة في خلق فضاء سياحي وفكري وثقافي وسوسيو اقتصادي، بين إدارة المهرجان وبين مختلف الهيئات والمؤسسات التمثيلية والجمعوية والمعاهد والفاعلين فيما هو مشترك ومواز لبرامج التنمية المستدامة. محمد القنور