مفاجأة في جريمة ابن أحمد .. الأدلة تشير إلى أكثر من ضحية    بمشاركة واسعة للطلبة.. عميد كلية العلوم بتطوان يترأس فعاليات توعوية بمناسبة اليوم العالمي للأرض    61 مقعد ل"الأحرار" بالانتخابات الجزئية    بوعياش تدعو إلى صياغة مشروع قانون المسطرة الجنائية ببعد حقوقي    موتسيبي: نجاح كرة القدم في المغرب يجسد القيادة المتبصرة للملك محمد السادس    حموشي يستقبل مسؤول الاستعلامات ووفد أمني عن الحرس المدني الإسباني    محكمة الاستئناف بالحسيمة تقضي بإعدام شاب أنهى حياة والده    "توريد أسلحة لإسرائيل" يفجّر استقالات بفرع شركة "ميرسك" بميناء طنجة    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    بنعلي تعلن عن إنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور على خلفية ارتفاع لافت للاستثمار في الطاقات المتجددة    خبراء ينادون بتدريس التنشيط الرياضي    وزراء أفارقة يتفقون بمكناس على خطة زراعية ودعم تفاوضي موحّد للقارة    الأردن يتهم "الإخوان" بتصنيع الأسلحة    رئيس الحكومة يشرف على انطلاق جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    شباب الريف الحسيمي يراهن على جماهيره في مواجهة وداد صفرو    سابقة قضائية.. محكمة النقض تنتصر لشابة تعاني اضطرابات عقلية أنجبت طفلا من شخص بالحسيمة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    وزراء الخارجية العرب يرحبون بانتخاب المغرب لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    بعد حوادث في طنجة ومدن أخرى.. العنف المدرسي يصل إلى البرلمان    الابتكار في قطاع المياه في صلب نقاشات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    السعودية توافق على اتفاقيات تسليم المطلوبين ونقل المحكومين مع المغرب    بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.. نقل سيدة إيفوارية من الداخلة إلى مراكش عبر طائرة طبية بعد تدهور حالتها الصحية    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    المغرب يجذب مزيدا من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الدوليين (صحيفة فرنسية)    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    وزراء الخارجية العرب يؤكدون على مركزية اتفاق الصخيرات كإطار عام للحل السياسي في ليبيا    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    إلغاء ضربة جزاء أعلنها الحكم تفجر غضب جمهور فتح الناظور    "التقدم والاشتراكية" ينتقد خوف الأغلبية من لجنة للتقصي حول "دعم الماشية" ويستنكر وصف أخنوش المعارضة ب"الكذب"    عباس يطالب "حماس" بتسليم السلاح    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب إسطنبول    وزارة التعليم العالي تدرس إمكانية صرف منحة الطلبة شهريا    نادي مولودية وجدة يحفز اللاعبين    وفاة الإعلامي الفني صبحي عطري    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    القضاء يستمع إلى متزوجين في برنامج تلفزيوني أسترالي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    نقل نعش البابا فرنسيس إلى كاتدرائية القديس بطرس    توقيع شراكة استراتيجية ومذكرة تفاهم لبحث الفرصة الواعدة في إفريقيا بين فيزا ومجموعة اتصالات المغرب    في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤكد على تجديد مدونة الشغل والتكوين    المنتخب المغربي للتايكواندو يشارك في كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو بأديس أبابا    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايا من المهجر- الجزء الأول
نشر في مرايا برس يوم 15 - 02 - 2010

أولغا امرأة من أوربا الشرقية، هاجرت إلى إسبانيا منذ أربع سنوات،تفضل أن تعيش في إسبانيا على أن تعود إلى بلدها الذي وولدت فيه وترعرعت حتى بلغت عشريتها الخامسة والداها كانا من الجيل السطاليني الذي اقحم بأوكرانيا وكانا حتى عشية انهيار الإتحاد السوفياتي يعيشان أزهى ايام المجد البيروقراطي،فهما موظفان إداريان ينتميان إلى التيكنوقراط ويعيشان بأكرانيا كالنبلاء الإستعماريين، كانت أولغا تقول دائما بأنها،في كل حياتها بأوكرانيا، لم تشعر يوما بأنها ابنة هذا البلد الذي ترعرعت ووولدت فيه، وكانت تشعر كما لو أنها ضحية : كونها كانت روسية تعيش في اوكرانيا او هي أوكرانية ذات اصول روسية، لم تكن تستصيغ وضعها في البلدين، لذلك فهي ترفض أن تعود الآن إلى أي من الموطنين، كانت دوما تشعر بالغربة اتجاههما، لذلك فهي ترفض حاليا ان تعود إلى أي منهما وتفضل أن تعيش في بلاد العم خوسي رغم غلاوة الثمن على أن تعود إليهما ، أما ابنتها اليافعة ذات الخمسة عشر ربيعا، والتي تدرس الآن بالمدارس الإسبانية في الجزيرة الخضراء، فوالدتها أولغا لم تدعها تذهب ولو لمرة واحدة إلى الوطن لزيارة والدها.
أولغا كباقي الذين ولدوا في الأوساط التقنوقراطية تتقن جميع اللغات الحية، فهي لم تلقى أية صعوبة في الإندماج في الوسط الإجتماعي الأندلسي، فهي منذ نزولها بأرض ألميريا حصلت على العمل كنادلة بأحد المقاهي، كما ان لونها الأشقر يجعل منها شهية الزبناء الذين مالبثوا يتنافسون حول من فيهم سيحظى بمعاشرتها، ولأن المنافسة شرسة فهي تتضايق كثيرا من تلميحاتهم كما أنها ضاقت درعا بالعروض التي تتدفق عليها ، فهناك من يعرض عليها العمل في حانته وآخر في مصنعه وآخرون يذوبون في مساعدتها في أي شيء . مع كل هذه العروض، فهي لا تبالي، ما يهمها هو فقط الإعتناء بابنتها وتوفير الظروف الجيدة لها لتحصل على تعليم جيد، وعلى مستوى دراسي مهم حتى لاتكون عرضة للعمل الشقي في المزارع البلاستيكية بإلخيدو أو تمتهن إحدى المهن الشرقية المنتشرة في كل المدينة أوأن تكون عرضة لسوق النخاسة كباقي المهاجرين ، وهي القناعة الوحيدة التي ورثتها من عهدة السوفييت ومن جيل الثورة الذي انتج عمالقة الفكر السياسي والفلسفي وفن الخطابة الإيديولوجية، كانت أولغا صموتة بطبعها، فهي لاتتكلم إلا عند الضرورة، رزينة كل الرزانة، تتذكر دائما زمن الرغد في العهد السوفياتي في عهد بريجنيف حيث كان كل شيء متوفرا بدء بالعمل وانتهاء بالسكن برغم هزالة الأجور :
نعم كانت الأجور هزيلة ولكن لم نكن نثقل كاهلنا بالبحث عن العمل أوالسكن أو عناء التقشف والتوفير في زمنه، علقت أولغا مضيفة : كانت الدولة تعفينا من هذا الضياع
أنت الآن بخير هنا أيضا، لديك عمل ومسكن، رد عليها نيكولا
صحيح، لكن لايمكنني أن أستريح من العمل، فالأجور، صحيح أنها مرتفعة مقارنة مع البلد إلا أن المصاريف أيضا مرتفعة وإذا ماتغيبت يوما واحدا عن العمل لقضاء حاجتي ، علي إعادة تدبير أجرتي الشهرية آخذا بالإعتبار ذلك الغياب... صمتت قليلا ثم استرسلت :
وهل هذا العمل عمل؟ من السابعة صباحا حتى السابعة مساء واتلقى فقط اجر ثماني ساعات،ساعتان إضافيتان مقابل ماذا؟ ضريبة ارتحالي؟ .. وهذا السكن هل تعرف كم أجرته؟ أنا هنا لا أتنفس، هل تفهمني؟
نيكولا هذا واحد ممن داخوا في فضاء الحرية الأوربية، كل شيء في إليخدو يبتسم في وجهه لافتات الترحيب المنتشرة في كل مداخل المدينة لافتات الإشهار المنتشرة في كل المداشر والسفوحات المحادية للطرقات الرئيسية مدن وقرى تسبح في بحر من البلاستيك،التي تشبه إلى حد ما صفائح الطاقة الشمسية، العمل هنا وهناك، عليك فقط أن تستعرضي عضلاتك كل صباح في مواقف النخاسة ، أو أسواق العمل اللبرالية الجديدة، ومن ثمة البحث عن مشغل يرضى عنك بالبقاء في العمل معه إلى أن ينتهي الموسم. نيكولا من المحظوظين برضى المشغل، فهو يعمل عند رفائيل طيلة اليوم وفي المساء يسطحبه رفائيل إلى الحانة التي تعمل بها أولغا حيث تعارفا هناك،الحانة التي يؤمها الزبائن من طينة رفائيل أو من طينة أولغا نفسها ، هي حانة فقط تؤمها الباطرونا و العاملات أو العمال الشرقيون ممن يعرفون أدبيات شرب الخمور أما المغاربة والأفارقة فهم يفتقدون هذه الخصلة الصوفية بطعم المجون وأغلبهم لايعرف عن الأندلس إلا أنها تجورهم من الشمال برغم أن المغاربة استملحوا كثيرا من أغاني الملحون والطرب الغرناطي فهم لم يتذوقوا بعد من سحر صوفيته كأهل فاس من الطبقات الأرستقراطية ذات الحنين إلى فضاءات الوادي الكبيربإشبيلية أو قصور غرناطة الشاعرية ، أما هنود أمريكا اللاتينية فقد سقطت عليهم لعنة القامات القصيرة التي لا تتناسب مع امتداد نبتة الطماطم إلى الأسلاك الفوقية في الحمامات البلاستيكية ، هذا مايقوله عادة المهاجرون الافارقةالذين يفتخرون ببنياتهم الجسمانية التي تتحمل ظروف العمل في هذه الحمامات التي خلقت ضرورات أخرى للتعايش،فهي لا ترحب بقصيري القامات لذلك، لم يشكل طردهم من المدينة أزمة عنف عنصري كما وقع مثلا للمغاربة في مطلع هذه الألفية حيث اصبحوا متخلفين وناكرين لجميل أولياء عملهم الذين شغلوهم دون مراعات وضعهم القانوني، كما سمحوا لهم بالسكن جنبا إلى جنب مقرات العمل وفي كثير من الأحيان داخل مستودعات تخزين موادهم التي يعالجون بها منتوجاتهم الفلاحية، من اسمدة كيميائية وآلات توزيع المياه وما إلى ذلك
كان المغاربة أول من لاءم ظروف الشغل بالسكن البدائي مستفيدين من تجربة الترحال عند آباءهم فابتدعوا بناء النوالات اعتمادا على نمط الحمامات وبالوسائل ذاتها التي تستعملها، أي انهم استعملوا إطارات حمل البضائع في هيكل النوالة وأحاطو الهيكل بالبلاستيك كما صنعوا من تلك الإطارات أسرة للنوم وادراج المطبخ مستعينين بالصناديق التي كيفوها لتخزين مواد الإستهلاك وكذا استعمالها كموائد للأكل. إضافة إلى استعمال شباك التهوئة كنوافذ. لذلك وفي كثير من المرات تبدو ثقافتهم جزءا من هذه النمطية التي يعكسها جود الاولياء اعترافا لهم بالجميل.
نيكولا مثله مثل المهاجرين الآخرين لا ينفك يحكي لنا كل ما يقوله مشغله طوال يوم العمل ، فهو يظهر لنا دائما كيف كان رفائيل ودودا به من خلال التحدث معه عن اخبار الساعة أو كل مايجري في برصة البضاعة التي ينتجها، إلى حد لايمكن أن يصدق أي خبر من أصدقائه إن لم يعلم به رفائيل، فالأصدقاء الذين انخرط معهم في أول اندماج حضاري له في إسبانيا، هم غرباء عن اللغة وهم بالتأكيد لن يمضغوا الخبر مثلما سيمضغه رفائيل ،الذي هو أسير كل مايقوله مذياعه الصباحي المحلي الذي يذكرني بالإذاعة المغربية عندما كانت تنقل إلينا خطوات إدريس البصري في كل أوان كما لو كان وحده عبقرية المغرب الجديد، لذلك كان حديث نيكولا مع الأصدقاء يتم انطلاقا مما قاله "الخيفي" في حظيرة الشغل ، أكثر من ذلك ، حتى الحديث عن العلاقات الخاصة لامعنى لها إن لم ينسجها موصومة ببصمات رفائيل لكي يعطيها مصداقية أكثر. ولما لا والخيفي هو مصدر عيشه؟
كانت لنيكولا صديقة روسية اسمها نطاتشا، وكانت تقول لي دائما بأن اسمها هو فاطمة عند العرب، وأنا، كانت تعجبني مقارنتها هذه الظريفة لأنها تذكرني بشيكسبير، طبعا ليس في شخوصاته المسرحية بل في مقارنة أخرى تذكرني بالشيخ زبير كما جاء في إحدى قصاصات وكالات الأنباء الليبية التي اجتهدت كثيرا في تاصيل هذه الشخصية التاريخية.
نطاتشا ممرضة روسية في مقتبل العمر، كانت جميلة إلى حد كبير، وجاءت إلى إسبانيا من منطلق استكشافها لبلاد العم خوسي مستغلة حصولها على إجازة طويلة الأمد ، أرادت من خلالها أن تجرب العمل بإسبانيا عسى يروقها الأمر لاستبدال الديموقراطية المبتذلة ببلادها بديموقراطية الحزبين المتبادلين حول السلطة في بلاد الغرب في انتظار اكتشاف الجمهورية الجديدة..
كنت لا أروق لنطاتشا كثيرا فأنا أملك عندها تلك الصفات التي يحملها ذلك المغربي الذي ابتزها ومارس الجنس معها ثحت قنطرة الطريق السيار بإلخيدو، كانت قد وثقت فيه لأنه طالب تقدمي ، ويعرف الكثير عن تاريخ بلادها الثوري وأسماء الشخصيات التي لعبت فيه الدور الأكبر كما كان يحفظ الكثير من كلمات روسيا التي كان يرددها الرفاق في الجامعة المغربية، كانت تتذكر جيدا عندما دعاها إلى تحت القنطرة، لم تكن تعرف أن ذلك كان بدافع نزوة بل حسبتها مرورا إلى الجهة الأخرى للطريق السيار ، وكثيرا ما كانت تبتسم ساخرة من الأمر حين اعتقدت أنها مع نشيط متمدن يحمل مباديء كونية حول حقوق الإنسان :
كان أول المرحبين بي عند نزولي في محطة المسافرين في إلخيدو،لذلك لم أقاومه عند القنطرة خوفا من أذى محتمل خصوصا وأننا ابتعدنا كثيرا عن المدينة.
التقيته ذات يوم في بوابة السوق المركزي وما ان التقت عيني بعينه حتى خر هاربا،، استدركت نطاتشا وهي تضحك من نفسها
كانت لاتريد أن تقاضيه في المحاكم تجنبا بأن لاتصطدم بالبوليس واكتفت بأن تجعل الخوف يراوده أينما حل وارتحل سواء كانت هي من يلتقيه او شبيهاتها
بسبب من ذلك كانت نطاتشا لا تثق فيي كثيرا ولا تأمن أن يتركنا نيكولا وحدنا،قالتها مراة عديدة، أما نيكولا، فكان يثق بي كثيرا، فأنا من أهداه أول تشابولا كانت مهجورة بجانبي، وأنا من حض أصدقائي من بني بلدتي على إدماجه في بيئتنا وكنت من حقق له أول اندماج حضاري في إلخيدو قبل أن يكتشف حانة أولغا ويعرف رفائيل،كان هذا أول اندماجه رغم أن التواصل بيننا كان شبه مستحيلا ، فأنا لا أجيد اللغة الإسبانية ولا هو كان ينطقها أصلا، وكنا غالبا ما نتفاهم بالإشرات.
كان نيكولا مثل أولغا يشده الحنين إلى حقبة بريجنيف الملعون عندنا في الجنوب ، فهو عنده لم يكن بريجنيف يترك أي طلب للشباب دون تحقيقه أما لعنته عندنا فهي أنه استثمر ماوفره السابقون في تلبية المطالب الإجتماعية وقاد الإتحاد السوفياتي إلى انهيار حقيقي، هذا ما قاله، على الأقل أحد رفاقي المنظرين. نيكولا أخبرني ذات يوم بأن لينين لم يكتب كتابانه بل صاغها رفاقه الكثيرين من أدمغة روسيا حينذاك،وكنت أقبل منه ذلك من منطلق تجربة حكامنا في العالم العربي الذين كانوا يتلون علينا خطاباتهم التي كتبها مستشاريهم أو كتبتها لهم المخابرات، لكن في الحقيقة لم أحتقر يوما عبقرية لينين وأنا أومن إيمانا فلسفيا، بغنى تجارب الأفراد حتى وإن لم يعرفوا الكتابة ولا القراءة،من منطلق أن كثيرا من الأبحاث لكثير من المفكرين، تملكوها فكريا انطلاقا من تجربة الآخرين وصارت إنتاجاتهم برغم أنهم لم يعايشوها ،و صارت نظريات لهم أيضا.
نيكولا أيضا كان معجبا بتشي، ويعلق عليه دائما :
خصارة غيفارا ليست فقط في استشهاده، بل في كونه ثوريا ميدانيا لم يصقل تجربته الميدانية بتنظيره الفلسفي للأحداث، يعني أنه لم ينتج إيديولوجيا مثل لينين أو ماو، بل ترك الأمر للصحافة التي خذلته واكتفت فقط بنقل مغامراته الميدانية في ساحة الحرب، لذلك لم تصلنا عبقريته الفكرية برغم حضورها الصارخ في ممارساته النضالية.
لكن برغم ذلك ذلك يبقى ثوريا عالميا بحجم لينين، أليس كذلك؟
صحيح، وبسبب من ذلك ضاعت صيحته
لكن لم تضع صيحته
لقد فوت عبقريته على بلده الأصلي وضاعت ثورته في جبال أمريكا اللاتينية كما ضاعت ثورة العبيد في روما، لم يفعل ما فعله لينين أو ماو برغم اختلافاتهما
لكنه صنع بيئة ثورية في أمريكا
صحيح، وبسببه أصبح كل من يتحدى أمريكا ثوريا
حسن، حتى جاك شيراك؟
نعم، قالها ساخرا
سخرت من نفسي عندها، فالحقيقة أن صورة غيفارا وظفتها أيضا الماكينا الدعائية للشركات الإمبريالية حين صورته يأكل الهامبورغيسا في مطاعم ماكدونالد؟ في الوقت الذي لم يستطع ورثته المخلصين من التخلص من الحضور في حفلات ماكدونالد؟
آه تشي غيفارا..! قلتها بتأسف ورد علي نيكولا
لاتتأسف فنحن ضيعنا الثورة
لا ليس الأمر كذلك، أنتم تراجعتم خطوات إلى الوراء كي تعيدوا الركب من جديد، على الأقل ثورتكم رفعتكم إلى مستوى معين من القوة التي كثيرا ماتغازلون بها لتحقيق مصالحكم
تقصد التسلح النووي
تماما، أقصد الجحيم النووي
يا أخي لماذا تحملني ما لم أكن احمله، أنا هنا معك نتقاسم وطر الغربة، على الأقل لم نفتقد انسانيتنا كما افتقدها الآخرون الذين يتبجحون الآن بالحقوق في وسائل الإعلام، السنا في هذه التشابولات نمثل نموذجا رائعا للتعايش، أنظر إلى يدي، لاأحمل إلا كأسا لا بها سأبتزك ولا أنت تجبرك على احترامي.
هذا كله بفضل خطيئة داروين
مادخل داروين في الأمر؟
هو من انتزع قدسية الاجناس للبشر
غريب جدا نيكولا، فهو أصلا من ضحايا الفودكا، وفي كثير من المرات لايعرف أين تطأ رجله، وصديقته الروسية هي من يلحقه بنوالته ، رغم أنها السبب في تعلق رفائيل به ، رفائيل مغرم بناطاتشا الجميلة، التي تمتلك سحر الملائكة بفضل مهنتها،ولولاها لكان نيكولا الذي يمجد رفائيل مجرد فرد في سوق النخاسة، لكن لناطاتشا سحرها الآخر ، فهي امرأة ممانعة جنسيا ولا تضع متعتها في يد أي راغب ، فهي كثيرا ما تعترف لنيكولا بأنه الوحيد في حياتها وأنها لم تذق طعم الجنس إلا في بلاد الجارة والوادي. لذلك لم يكن رفائيل محظوظا لأنه سقط في مخالب امرأة لها خيار الإنصياع لذاتها وليست طموعة في إرضاء عيونه. حتى وإن قبل نيكولا فهي لن ترضخ . وهنا ترتفع ثقافات الأنوثة إلى عالميتها، الإناث يعشقن فقط أمراءهم. لكاترينا، صديقتي، الحق
في هذا القول، فهي تسميني سلطان فراشها وسريرها كلما انزوينا ، وهي لذلك، ولمدة عامين لم تخالطني بغيري رغم كثرة عشاقها، وبشتى الإغراءات، هذا ماكانت تقوله ، وهذا ماكنت أعتقده على الأقل، و في كثير من المرات،أو ربما هذا ما تغوي به النساء لتدع مساحة من الود بينك وبينها .أما نيكولا، فكان من حظه أن نطاتشا لم تفارقه المدة التي لزمتها بإسبانيا ومن حظه أيضا أن رفائيل كلما اشتاق لرؤية نطاتشا،لا يتردد في المجيء إليهم ليأخذهم إلى أحد الملاهي الليلية كي يحظى فقط بلمسة منها، كان نيكولا يمثل جمرة في جيب رفائيل، فهو لايستطيع أن يتركه لأجل عيون نطاتشا ولا أن يحظى بناطاتشا في حضور نيكولا،كان حبه يذكرني بحب البغال للفرس في المغرب، فحب البغلال للفرس أشبه بحب الأمومة منها إلى الحب المفعم بالنزوات الجنسية، أي أن لمسة من نطاتشا لرفائيل تكفيه ليصول ويجول في ذكرباته الطفولية بينما كان نيكولا عائقا حقيقيا في وجهه رغم أنه في نفس الوقت لايمكن أن يتخلى عنه، وكان أيضا يتغاضى عنه في كسله أثناء العمل تقديرا منه لليالي التي يقضونها في السهر جميعا، يحتضن الثلاثة المائدة في حانة أولغا،نطاتشا تتوسط الإثنين، رفائيل يطلب من النادلة أن تأتي:
قنينتين من الجعة من فضلك واسألي نطاتشا، ماذا تريد
كأس من شراب النبيذ الصيفي
النبيذ الصيفي هذا هو آخر ابتكار لتوديع نهاية القرن العشرين ونخب الدخول إلى الألفية الثالثة ويسمونه في الإسبانية: بينو ديلفيرانو، وهو خليط من النبيذ الأحمر مع إحدى المشروبات الغازية ذات الطعم الفاكهي.
من سمات الشرب في حانات ألميريا هذه الخصلة التي لا تتواجد في كثير من الأقاليم، وهي أن يطالبك النادل بأن تختار في قائمة المأكولات المتوفرة لديهم وهي غالبا مأكولات جاهزة أو سريعة التحضير واداؤها متضمن مع سعر المشروب الذي تختاره وهي عمليا كما يقال من كرامات فرانكو لتخفيف الثمالة عند الإسبانيين، أو عند الجنود الإسبانيين أثناء الحرب الأهلية
وهي من الأشياء التي تخدم إيجابيا السياحة الإسبانية ،أما عندنا في المغرب فكنا نسميها "القطعةًَُ"بفتح القاف والعين
تضع أولغا المشروبات وتسألهم عما يريدون من القطعة
الهامبورغيسا، قالها رفائيل، أما نطاتشا ففضلت السلاطة الروسية كما اختار نيكولا السمك المشوى، ثم انضاف إليهم خوان الذي يملك هو الآخر ثلاث هكتارات بجوار رفائيل متسائلا عما إذا كان بإمكان رفائيل أن يدع اثنين من عماله غدا ليعملو معه في عملية الغرس لأنه لايثق في اختيار أي كان من الموقف(بضم الميم)، خصوصا وان موجة جديدة من المهاجرين وصلت هذه الأيام، وهم مع كونهم شبان في مقتبل العمر ويتمتعون بحيوية فائقة إلا أن أغلبهم لم يمارس بعد العمل في الحقول كما ان عملية الغرس تتطلب خبرة و فنية في الممارسة وسرعة في التنفيذ اما المهاجرون الجدد في انتظار أن تتمرس مهاراتهم في العمل، يكون المحظوظون منهم قد بدأوا الشغل عندما تنموا الغلة، ومع أن المسألة ليست هكذا بالمطلق فإن المحظوظ أكثر هو من حصل على مشغل منذ بداية الغرس حتى نهاية الموسم دون مراعات لتلك المهارات،أنطونيو مثلا كان يفضل العمال الأكثر صغرا في السن على المتقدمين منهم ولا يراعي أي اهتمام لمدى خبراتهم. ففلسفته في الشغل تقوم على أساس ترويض العامل وفق مهارات بعينها لاتطبق إلا عنده، وكان بذلك يحرص أن يبقى العمال طيلة ما اردوا من المواسم ما داموا بدون أوراق رسمية وما دام نفوذه يصل إلى دوائر متمكنة، تجعله بعيدا عن أعين مفتشي الشغل بحيث ما أن تكون ثمة حملة في التفتيش حتى كان معلوما بها بحيث يقوم بإجراءات الحيطة والحذر حيش أن يستعمل إمكانته الهائلة خدمة للإحتماء من أية مفاجأة لأن ضيعته مغلقة وتتوفر على عدة أبواب على جهات متفاوتة إضافة إلى توفرها على باب رسمي يفتح بطريقة إليكترونية مما يجعل من ضيعته أنها صالحة للمناورة في أية لحظة
أما خوان فكانت أعماله تقوم على سواعد عائلته طيلة الموسم ولا يحتاج إلى اليد العاملة إلا في عملية الغرس أو في نهاية الموسم عند اخلاء الحمام البلاستيكي من البقايا والنفايات المتخلفة.
[email protected] mailto:[email protected]?subject=الحوار المتمدن -حكايا من المهجر&body=Comments about your article http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=199624


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.