لو كنت مثلى من راكبى القطار لسمعت مئات المرات المذيعة صاحبة الصوت الجميل وهى تخبرك أن القطار القادم من الوجهة كذا سيتأخر 25 دقيقة، ثم تحاول إقناع نفسك أنه لا فائدة من الانزعاج مجددا لأن ذلك ليس في مصلحتك، ففى النهاية لن تستطيع تعجيل قدوم القطار. بالطبع أنا لست راضيا على الزيادة الأخيرة في تذاكر القطارات، مع أنني من المنكرين لما يلحقه الركاب من ضرر بتجهيزات القطار على علاتها.. وكنت أرى ذلك دليلا لى ولغيرى على صدق المقولة التى تؤكد أن عموم المغاربة "هكذا" يكرهون النظام والنظافة، فالأمر فى النهاية يتعلق فى الأساس بتقديم خدمة، لابد أن يحترمها ويحافظ عليها الناس.لكن، وآه من لكن، المذيعة صاحبة الصوت الجميل فى الإذاعة الداخلية للقطار لم تتحدث عن الحقوق، أقصد طبعا حقوق الذين يمولون من جيوبهم هذا المرفق العمومي، وفى الحقيقة هى كثيرة، منها مثلا: كيف يحصل المواطن على حقه إذا تعطل القطار أو تأخر، وهذا يحدث، وبالتالى تتعطل مصالحه؟ لمن يشكو من الأزبال التى تغمر العربات؟ غياب الرقابة على الباعة المتجولين داخل العربات؟ لمن يشكو وكيف يأخذ حقه، من تعطل شبابيك التذاكر، وهو ما يؤدى إلى تكدس الناس أمامها وضياع وقتهم وتأخرهم عن أعمالهم؟ حكى لى صديقى الصحفى أنه كان يعالج ابنته فى باريس، وذهل عندما وجد فى الأماكن البارزة فى المستشفى لافتة كبيرة مكتوب عليها بحروف واضحة حقوق المريض.. فهم يحترمون الحقوق، ويؤكدون عليها حتى لمن لا يعرفها. وأكثر ما لفت نظره عندما قرأها أن فيها حق الألم، أى الشكوى من الألم والتعبير عنه بحرية كاملة، فليس منطقيا فى رأيهم أن يتألم المريض كل هذا الألم ولا يصرخ. هذه بلاد محترمة، ولكن للأسف هنا فى بلدنا، الثقافة السائدة هى الواجبات، وليس الحقوق، ففى العمل مطلوب منك أن تعمل بإخلاص ولكن لا تحصل على ما يكفيك لحياة كريمة. وتدفع من أموالك للحصول على خدمة، فيأخذون المال و"يجرجروك" حتى تحصل على حقك. الحكومة تسعى إلى فرض قوانين جديدة، منها مثلا قانون مدونة السير، الذى رفع سقف الغرامات والعقوبات، ولكن ذات الحكومة ليست مشغولة بحقوقك فى طرق نظيفة وخالية من الحفر. إنها ثقافة فاسدة، ثقافة الجباية، ثقافة الأسياد والعبيد.