لاقت الإصلاحات الدستورية التي أعلنها ملك المغرب قبولا متحفظا من بعض القوى السياسية بينما اعتبرتها أخرى تطالب بتغييرات سياسية جذرية " غير كافية " داعية للتظاهر مجددا . فما طبيعة هذه الإصلاحات وما أوجه الاعتراض عليها ؟ . أعلن ملك المغرب محمد السادس الجمعة (17 يونيو 2011) مشروع تعديلات دستورية تقلص بموجبه سلطاته الواسعة لصالح تعزيز سلطات الحكومة، جاء ذلك بعد أشهر من المظاهرات المطالبة بالمزيد من الديمقراطية. وحث الملك المواطنين على الموافقة على هذه الإصلاحات الدستورية في استفتاء في أول يوليوز المقبل . وفيما لاقى مشروع العاهل المغربي ترحيبا من بعض القوى السياسية التقليدية في المغرب، إلا أن البعض الآخر أبدى ملاحظات عليه، مثل حركة "20 فبراير"، التي تطالب بإصلاحات سياسية عميقة وبملكية برلمانية. وقالت الحركة، التي تنظم تظاهرات احتجاجية منذ أشهر، إن الإصلاحات التي أعلنها الملك غير كافية ودعت للتظاهر السلمي مجددا. فما هي طبيعة هذه التعديلات وما خلفيات رفض حركة 20 فبراير لها ؟ يقول المحلل السياسي المغربي ورئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم المستقلة ، توفيق بوعشرين في حوار خاص مع دويتشه فيله إن السبب هو أن حركة العشرين من فبراير مازالت تطالب " بدستور يؤسس لملكية برلمانية في المغرب تسود ولا تحكم على الطراز الاسباني أو البريطاني، لكن السلطة، ترى أنه لابد من وجود انتقال تدريجي للوصول إلى هذه المرحلة. والعاهل المغربي اقترح تغييرات كثيرة على دستور والده، لكنه لم يصل إلى مستوى تغييرات ترسي ملكية برلمانية تسود ولا تحكم ". نقل تدريجي للسلطة ولكن لماذا يجب أن تمر مرحلة الإصلاح في المغرب، بمراحل عدة إلى إن تصل إلى نقطة التحول إلى ملكية برلمانية ؟ عن ذلك يقول توفيق بوعشرين إن السلطة تعتبر أن الطبقة السياسية " غير مؤهلة لتسلم كل سلطات الملك ، خاصة في مجال الدفاع وفي مجال تدبير الحقلين الديني ، والأمني ". ويضيف قائلاً أيضا الأحزاب السياسية الكبيرة وحتى التي في المعارضة منها مثل حزب العدالة والتنمية ، لا تطالب بأن تُعطى للحكومة المقبلة صلاحيات في هذه المجالات الحساسة ؛ الجيش والدين والأمن ، حسب تعبيره . ويشير الخبير والصحفي المغربي بوعشرين إلى ما يمكن وصفه ب " الاختلاف بين الأجيال " الذي يفرض نفسه على الساحة المغربية ، إذ يقول في هذا السياق إن هناك " اختلاف في وجهات النظر بين الشباب الذي يطمح لأن يُدخِل المغربإلى عهد ديمقراطي كامل وبين السلطة والقوى السياسية الأخرى التي ترى أنه لا بد من تدرج ولا يمكن القفز في الهواء والاتجاه نحو دستور يكرس ملكية برلمانية " . دور استراتيجي للملك وصف العاهل المغربي محمد السادس مشروع الدستور الجديد بأنه سيكون أول دستور في المغرب يصيغه الشعب. فما الجديد في هذا الدستور المقترح وما الذي سيميزه عن سابقه ؟ الدستور الحالي يعطي صلاحيات أكبر للحكومة في إدارة شؤون البلاد، لكن جزءا من هذه الصلاحيات بقت مع الملك، هكذا يصف المحلل السياسي المغربي توفيق بوعشرين الجديد في الدستور، لكنه يضيف رئيس الحكومة مجبر على أن يخلق توافقا مع الملك إذا أراد أن يستمر في منصبه. ويستطرد الخبير المغربي بأنه جرى أيضا توسيع صلاحيات القضاء وتوفير بعض الضمانات لاستقلاله بالإضافة إلى الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان وتجريم التعذيب. ويؤكد بوعشرين أن " المشرعين، الذين وضعوا هذا الدستور حاولوا إلى حد ما أن يستجيبوا إلى مطالب الشارع، لكن ابقوا للملك على دور استراتيجي، يروه هم ويراه هو ضروريا لاستقرار البلاد ". فعلى المستوى القضائي سيحتفظ العاهل المغربي برئاسة المجلس الأعلى للقضاء وتصدر الأحكام القضائية باسمه كما هو الحال في الدستور الحالي ، وهو ما يراه بعض معارضي المشروع الجديد ، خاصة من حركة "20 فبراير"، " تعدياً " على مبدأ فصل السلطات ، معتبرين أنه لا يوجد تغيير حقيقي عند المقارنة بين الدستور الحالي ومشروع الدستور الجديد . " المناخ السياسي السائد غير مؤهل " وتأخذ الحركة الاحتجاجية الشبابية على المشروع الذي طرحه الملك محمد السادس أنه لم يمس صلاحيات الملك الدينية. فالملك في رأيهم لا يزال أمير المؤمنين وبالتالي فإن المشروع يكرسه كسلطة دينية وحيدة في المملكة. لكن توفيق بوعشرين يرى أن إلغاء وضع الملك كرمز مقدس "هو أمر مهم جداً"، ففي هذه الحالة يمكن " تتناقش معه وتطرح ملاحظات على خطابه وقراراته. في الماضي كان هناك مسحة دينية على شخصه ، ولم يتمكن أي صحفي أو مفكر أو كاتب الاقتراب من آراء الملك أو قراراته ". و اعتبر الإسلاميون الممثلون في البرلمان إن الإصلاحات التي طرحها العاهل المغربي تمثل " تقدما هاما " بيد أنهم تساءلوا عما إذا كان ذلك كافيا . في هذا السياق قال سعد الدين العثماني أحد قياديي حزب العدالة والتنمية المعارض لوكالة فرانس بريس أن المشروع " مقارنة بالدستور الحالي، يمثل تقدما هاما "، متسائلا إن كان هذا كافيا ، وتابع " هذا ما سنبحثه في الحزب ". وعند سؤال المحلل السياسي المغربي بوعشرين عن مدى إمكانية تطبيق هذه النصوص الدستورية على أرض الواقع في المغرب ، على فرض تمت الموافقة عليها في الاستفتاء الشعبي ، أجاب بالقول إن " النص الدستوري كيفما كان، يبقى نصا جامدا . الحياة السياسية والصراع بين التيارات والديناميكيات السياسية هي التي تعطي مضمونا لهذا النص اليوم هناك تخوف كبير أن حتى هذه الجوانب المتقدمة من النص " غير كافية . ويبرر هذه المخاوف بأن الطبقة السياسية الراهنة في المغرب " منهكة شاركت في الحكومة لمدة 10 سنوات وشعبيتها تنازلت، هناك حزب في المعارضة وهو حزب أصولي ومازالت بعض القوى تخاف منه في الداخل والخارج . أي ليس هناك بديل حقيقي للسلطة القائمة يمكن أن تقول إنه سيصعد غدا إلى الانتخابات وسيطبق هذا الدستور ويستثمره ليحس الناس بتغيير في حياتهم اليومية ". وباختصار يوجز المحلل السياسي المغربي الوضع في بلاده بالقول إن " أكبر مشكلة هي أن المناخ السياسي غير مؤهل لكي يُفَّعِل هذه البنود الموجودة في الدستور ويعطيها روحا وتأويلا متقدما أو نَفَساً ديمقراطيا ". * دويتشه فيله