بنظرة ملؤها الخجل ووجنتين صبغتا باللون الأحمر من الحياء ، بدت الشابة المغربية عائشة (15 ربيعا) التي ولدت وتعيش في ألمانيا ، عندما سألتها عن رأيها في مادة التربية الجنسية في المدارس الألمانية ، لتجيبني بصوت منخفض " إن هذه المادة لا تتناسب مع قواعد الأدب التي نشأت عليها وتربيت " . أما الشابة التركية خديجة فلم تتمكن من إبداء رأيها ، نظرا لمنع والديها لها من حضور الحصص المدرسية المقررة . وتقول : إن والدي " يعتبر الجنس شيئا فطريا لا يحتاج إلى دروس خاصة لتوضيحه ". هل ما يزال الجنس عقدة ؟ خديجة ليست الفتاة الوحيدة التي حرمت من حضور حصص التربية الجنسية ، بل يؤكد الشاب باسل (19ربيعا) الألماني من أصول أردنية ، على أن أهله قد اتبعوا الأسلوب ذاته مع أخواته الفتيات . وفي حديثه مع دويتشه فيله ، ينتقد باسل قرار أهله قائلاً " هي مادة مهمة للذكور والإناث معا ، لأنها تخفض المخاطر التي قد يتعرض لها الشباب في سن المراهقة بسبب عدم الوعي الكافي بالأمراض التي قد تنشأ بسبب العلاقات الجنسية غير المحمية مثلا " . وتوافق الشابة الألمانيةهنا (21 ربيعاً) باسل في رأيه ، مؤكدة أن مادة التربية الجنسية يتم تلقينها في المدارس الألمانية بطريقة علمية بحتة . وتضيف هنا " لم يكن الأمر غريبا بالنسبة لي ، ويعود الفضل في ذلك لوالدتي التي شرحت لي الكثير عنالجنس بطريقة مبسطة " . وتتذكر هنا ما شرحته لها والدتها آنذاك قائلة : " وضحت لي ما يقوم به النحل لدى جمعه رحيق العسل من الورود ، وقالت لي إن الإنسان يقوم بأشياء مشابهة من أجل إنجاب الأطفال " . وتشير هنا أيضا إلى أنه رغم تحرر المجتمعات الغربية فيما يتعلق بأمور الجنس ، إلا أن الحديث عنه " يبقى أمرا محرجا بالنسبة للتلاميذ في المدرسة " . " ليست دروس في البورنوغرافيا " حالات الهلع والخوف التي يصاب بها الأهل جراء إدراج دروس التربية الجنسية في المدارس يدفع الكثير من الخبراء للدعوة إلى ضرورة توعية الأهل قبل الأطفال ، وهو ما يدعو إليه الطبيب النفسي أبو بكر حركات ، المتخصص في علوم الاضطرابات الجنسية في المغرب أيضا ، و في حديث له مع دويتشه فيله يوضح أبو بكر محتويات مادة التربية الجنسية بقوله " هي ليست دروسا في البورنوغرافيا ، ولا تحرض على الفساد ، بل تهدف إلى توعية الشباب حول التغيرات الهرمونية التي تحصل عند البلوغ ، إلى جانب توعيتهم بالأمراض الجنسية المعدية ومعلومات حول المثلية " . ويرى أبو بكر أن هذه المعلومات لا تتنافى مع الأخلاق الدينية السائدة في العالم العربي . ويشدد في الوقت ذاته على ضرورة إدراج هذه المواد ضمن المقررات الدراسية في الوقت المناسب " يجب أن تُدّرس في نهاية مرحلة التعليم الأساسي ، أي عندما يكون الطفل في ال11 من عمره، وهي بداية مرحلة البلوغ ". " لا لسياسة التجاهل والتعتيم " وهو ما تتمناه الشابة المغربية ريم لأولادها في المستقبل ، فريملا تتذكر يوما أنها تلقت أي معلومات حول الثقافة الجنسية في المدرسة " كل ما أذكره هو أننا تلقينا دروسا مبسطة حول بعض الأمراض الجنسية المدرجة تحت مادة العلوم الطبيعية " ، وتشير ريم إلى دور والدتها في توعيتها بأمور الجنس ، وتستطرد قائلة : " لحسن الحظ أن والدتي متفتحة ، وحدثتني عن هذه المواضيع ، بينما هناك الكثير من الفتيات اللواتي لا يجرؤن على مناقشة هذا الموضوع مع أهاليهم ، وبالتالي فهم يتلقون معلومات مغلوطة قد تؤثر سلبا على حياتهن " . ولا يختلف الأمر في لبنان كثيرا عنه في المغرب ، إذ تتشابه الدول العربية بقيمها الثقافية ومعتقداتها ، كما يرى الشاب اللبناني فادي الذي يقول : " في عام 1997 تم وضع مناهج جديدة تضمنت مادة التربية الجنسية ، إلا أنها قوبلت بردود فعل سلبية من قبل الأهل ، ما دفع إلى إلغاء هذه المادة ". ويؤكد فادي أن سياسة التجاهل والتعتيم التي يسلكها بعض الأهل مع أطفالهم لدى سؤالهم عن الأمور المتعلقة بالجنس هي سياسة فاشلة " في ظل ما تنشره وسائل الإعلام والتي أصبحت مرجع الأطفال الأول في يومنا هذا " . " لا يجوز إعطاء الأطفال معلومات خاطئة " ويعزو الكثيرون السبب الأهم لمعاداة الأهل لمادة التربية الجنسية إلى الخوف من أن تؤدي هذه الدروس إلى زيادة الجرأة لدى الشباب للقيام ببعض التجارب الجنسية في سن مبكرة وهو الأمر الذي لا يتناسب مع القيم الأخلاقية في المجتمع العربي . ويحيّر هذا الأمر كثيرا من الشبان من أمثال الشاب المصري علاء . فعلاء أب ، ولديه طفلة لم تتجاوز ال5 من عمرها ، سؤال ابنته له عن " كيفية قدومها لهذه الدنيا " دفعه للبحث عن الطريقة المناسبة للإجابة على سؤال ابنته بما يناسب مستوى استيعابها " أذهلني سؤال ابنتي ولم يكن لدي الجرأة الكافية للرد ، فأن أروي لها الأمور بشكل صريح ، قد يدفعها للقيام بأشياء لا تحمد عقباها " . وهنا ينصح الدكتور أبو بكر جميع الأهالي بعدم إعطاء أولادهم معلومات خاطئة ، ويؤكد على ضرورة نقل المعلومات للطفل بشكل تدريجي ، ابتداء من تعريفهم بأعضاء أجسامهم والفروقات بين الذكر والأنثى ، وصولا إلى شرح العلاقة الجنسية بطريقة مبسطة ، والتأكيد على أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بعد بلوغ سن معين " فنحن لا نريد مخالفة عادات وتقاليد المجتمع الذي نعيش فيه ، بل نسعى إلى إيصال رسالة علمية لتوعية أجيال المستقبل " . * دويتشه فيله