أنا الآن في زيارة قصيرة إلى المغرب هذا البلد المضياف العزيز على النفس . ومن يزور المغرب مرة يتمنى شيئين على الأقل : الإقامة فيه لأطول فترة ممكنة والحلم بالعودة إليه عندما يغادره . فتعلق أهل المشرق العربي بالمغرب أمر ملحوظ حتى قبل أن تطأ الأرجل أرض هذا البلد . ولذلك فإن الحجز على خطوط الطيران الذاهبة إلى أقصى حدود العالم العربي ليس بالأمر السهل من كثرة الراغبين في السفر وزيارة هذا البلد - رغم ساعات الطيران الطويلة إليه . فما هي الأسباب يا ترى التي تجعل المغرب بهذه الصورة الجذابة للمشرق ؟ أعتقد أن هناك عدة عوامل قد تجمعت مع بعضها البعض . وأولها أن هذا البلد العربي الأصيل في تقاليده يتمتع بجمال ملفت للنظر . ففي المغرب هناك الماء والخضرة والوجه الحسن . وهذا شيء في غاية الأهمية . فالجمال فتنة والفتنة مثلما نعرف سحر . فطوبى لهذا البلد وزائريه. كما أن الموقع الجغرافي له أهميته . فالمغرب هو أقرب أراضي العرب إلى الأندلس . وكلمة الأندلس عند أهل المشرق تعني من ضمن ما تعني حلم العرب الضائع . ومن زار ملقا جنوبإسبانيا والبوفيرة جنوب شرق البرتغال سوف يلاحظ أن كل ركن من أركان هذه الأرضي يشهد على الحضارة التي سادت ومن ثم بادت للأسف . فالعديد من مسميات المدن هناك هي عربية بنطق أسباني مثل الفارو التي تعني هارون والجارفي التي تعني الغربي وكردبا التي تعني قرطبة وسفيليا التي تعني أشبيليا وغيرها. حتى سحنة البشر هناك عربية مغربية. فالمغرب إذاً في الذاكرة العربية هو البوابة إلى الأندلس أو أقرب مخافرنا القديمة إلى أوربا . وإذا تركنا الموقع الجغرافي ونظرنا إلى الإرث الحضاري فإننا سوف نلاحظ غنى المغرب في هذا المجال . ولذلك فإن محبي التراث والأبنية القديمة يستطيعون زيارة العديد من المواقع التاريخية مثل موقع وليلي وقصر آيت بن حدو اللذان تم تسجيلهما عامي 1997م و1987 على التوالي ضمن مواقع التراث الإنساني . كما أن زيارة المدن القديمة في الدارالبيضاء ومراكش وتطوان وطنجة وفاس ومكناس وغيرها - هذه المتاحف الطبيعية - كفيلة بعكس التسامح والزخرف الثقافي والغناء التاريخي للمغرب والعرب . ولهذا فليس غريباً أن تتطور السياحة في هذا البلد وأن تصبح واحدة من أهم مصادر العملة الصعبة . ففي خلال عام 2009 زار المغرب ما لا يقل عن 9.4 ملايين سائح دروا على البلاد دخلاً يقدر ب 8 مليارات دولار . ويدعم السياحة في هذا البلد ، بالإضافة إلى ما ذكر ، تطور البنية التحتية . ففي المغرب يوجد 19 مطارا دوليا وشبكة واسعة من الطرق تمتد على مسافة تزيد عن 57706 كم . هذا بالإضافة إلى سكك الحديد التي يبلغ عدد محطاتها 97 محطة تمتد عبر 1900 كم. ولا تقل عن ذلك شبكة المواصلات البحرية المتقدمة . طبعاً الاقتصاد المغربي لا يعتمد على السياحة وحدها بل على مجمل قطاع الخدمات وعلى الزراعة والصناعة وصادرات مواد الخام التي أهمها الفوسفاط . فالمغرب هو ثاني منتج لهذا المعدن في العالم وأول مصدر له . ويتميز الفوسفاط المغربي باحتوائه على نسبة عالية من اليوارنيوم والتي تصل إلى 6 ملايين طن . أي ما يعادل ضعف المخزون العالمي المكتشف حاليا . ولا يمكنني أن أختتم هذه العجالة دون الإشارة إلى ما لحظته من تجاذب هذا البلد بين نزعتين : نزعة الواقع والمصالح بعيدة المدى التي تشده نحو اليورو وتوثيق العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا على وجه التحديد ونزعة العاطفة والمصالح الآنية التي تدفعه لتوطيد أواصر الأخوة مع المشرق العربي وخاصة مع دول مجلس التعاون . ولذلك فإن السؤال هو في أي اتجاه سوف تميل كفة المغرب ؟ .