بدلا من أن تنشر الإدارة الأمريكية صور جثة أسامة بن لادن اكتفت ببث أشرطة فيديو كانت قد صادرتها فرقة الكوماندوس التي اقتحمت منزله وقتلته قبل أيام. وكان تنظيم القاعدة قد أنقذ الإدارة الأمريكية من ورطة، كانت قد وضعت نفسها فيها، عبر بيان اعترف فيه بمقتل قائده ومؤسسه. فالرئيس أوباما، وأركان إدارته، أظهروا تخبطا كبيرا فيما يتعلق بالعملية النوعية التي نفذتها القوات الخاصة الأمريكية في حي راقٍ بمدينة أبوت أباد الباكستانية والتي أسفرت عن مقتل عدو الولاياتالمتحدة الأول. فبعد الضجة التي أثيرت حول عملية دفنه في قاع بحر العرب، أو بلغة أخرى رمي جثته في البحر، والتي لقيت انتقادات في العالمين العربي والإسلامي، برز تحد آخر أمام إدارة أوباما وهو تقديم دليل قاطع على مقتل بن لادن. وحين قطع الرئيس أوباما الشك باليقين وأعلن أن إدارته حسمت أمرها وأنها لن تنشر صور جثة بن لادن، لأنها مشوهة وكي لا تثير الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي أيضا، خصوصا وأنها (الإدارة الأمريكية) ليست موضع ثقة هناك، ارتفعت الأصوات المشككة بمقتل الرجل والمطالبة بالدليل أكثر. لكن إقدام القاعدة على إصدار هذا البيان "أخرج الإدارة الأمريكية من فخ الصور لأن بمقدورها أن تقول الآن، ها هو الطرف الآخر يعترف بمقتل زعيمه فلا حاجة إلى إصدار دليل منا"، حسب الباحث اللبناني في معهد هادسون الأمريكي حسن منيمنة. أوباما قتل أسامة: ماذا بقي من تنظيم القاعدة ؟ أما الباحث الأردني في قضايا الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية فيقدم قراءة أخرى لبيان القاعدة الذي توعدت فيه، عطفا على الاعتراف بمقتل مؤسسها، بالمضي على "طريق الجهاد" وأن دماء بن لادن "لن تذهب سدى وستبقى لعنة تطارد الأمريكان وتلاحقهم خارج وداخل بلادهم". إذ يشدد أبو هنية على أن القاعدة أرادت من خلال إصدار بيان موقع بتاريخ الثالث من ماي (أي بعد يوم واحد من مقتل بن لادن) أن تقول "إنها متماسكة وأن المسيرة مستمرة وأن بن لادن كان حاضرا وفاعلا داخل التنظيم وعلى تواصل مع بقية الأعضاء، وأنه لم يكن معزولا أو مجرد أب روحي ورمز". لكن كبير الباحثين في معهد هادسون الأمريكي يرى أن تنظيم القاعدة تحول منذ عام ألفين واحد من تنظيم مركزي إلى "شبكة من التنظيمات الضبابية التي انتقلت من العمل على المستوى العالمي إلى المستوى المحلي وأصبح صاحب حضور إنترنيتي وحسب". فالقضاء على بن لادن كانت حاجة لإدارة الرئيس باراك أوباما وله شخصيا ليؤكد على كفاءته الأمنية الحازمة؛ أي أنه قادر على تنفيذ عمليات من هذا النوع ويحقق الانتصار بحيث أصبح الكل يردد في أمريكا: "أوباما قتل أسامة"، أي أن المسألة أصبحت شعارا انتخابيا. مقتل بن لادن لا يعني أكثر من "عودة إلى كتب التاريخ وشطب بعض المستحقات منها وليس ذا فائدة مادية موضوعية اليوم"، حسب تعبير حسن منيمنة. ربيع الثورات العربية يسحب البساط من تحت أقدام القاعدة ورغم الإشارات المتناقضة التي تقدمها الإدارة الأمريكية حول دور بن لادن في تنظيم القاعدة فإن الباحث الألماني المتخصص في قضايا الإرهاب ألبرشت ميتسغر يرى أن "غياب بن لادن سيؤثر بشكل سلبي على الحركات الجهادية على المدى البعيد". فحتى لو كانت فروع القاعدة في اليمن والمغرب والعراق "تتحرك بشكل منفرد، وبدون أوامر مباشرة من بن لادن، فإن غياب الرمز الروحي والجهادي سيترك آثارا سلبية على تحرك التنظيم ككل". ويضيف الباحث الألماني أن "الثورات العربية شكلت تحديا كبيرا للقاعدة وسحبت البساط من تحت أقدامها لأنها ثورات سلمية شعبية حركها شباب يريد الانخراط في صنع مستقبل بلاده". وحسب ميتسغر فإن الشعارات الإيديولوجية للقاعدة لم تعد تجذب الشباب العربي وأن "الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في أكثر من بلد عربي، وبعيدا عن تأثير القاعدة وزعيمها، أثبتت أن بن لادن كان ميتا سياسيا قبل أن تجهز عليه القوات الأمريكية وتنهيه جسديا". ويجري الباحث في معهد هادسون الأمريكي حسن منيمنة مقارنة بين ما قام به بن لادن ونائبه أيمن الظواهري وغيرهما من قادة القاعدة وبين ما قام به التونسي محمد البوعزيزي فيكتشف أن الأخير "تمكن من خلال احتجاج شخصي أن يطلق شرارة ثورة أصبحت مثلا أعلى تحتذي به الشعوب العربية، بينما قضى قادة القادة أعواما من التعبئة والتنظيم والنتيجة مقتل الألوف من الأبرياء". ويرى منيمنة أن حضور بن لادن كان قد انتهى حتى قبل الثورات العربية لكنها، أي الثورات، قضت "نهائيا على هذا الوهم، أي إيديولوجيا بن لادن التي تقول بأن الجهاد وفق القاعدة سيفضي إلى الثورة وإلى القضاء على الأنظمة الاستبدادية". وحسب منيمنة فإن ربيع الثورات العربية أعاد تنظيم القاعدة إلى حجمه الطبيعي بعد أن كان قد تحول إلى "وهج إعلامي" نتيجة غياب البدائل. والآن وبعد أن توفرت البدائل بهذه الثورات الشعبية فإن "الوهج سيختفي". * دويتشه فيله