كثير من المغاربة يتساءلون في هذه اللحظات عن الجهة المستفيدة من الاعتداءات التي استهدفت مدينة مراكش ، وهي اعتداءات معيبة ليس فقط لأنها أسفرت عن قتلى أبرياء تواجدوا بالصدفة في عين المكان ، ولكن لأنها أتت في وقت بدأ المغاربة يتنسمون فيه هواء الحرية الآتي بفعل رياح الثورات العربية ، ليتبين للمرء لأول وهلة أن الفاعل يريد بالمغرب العودة إلى الوراء وبالتالي خلط الأوراق من جديد . أعرف جيدا مدينة مراكش ، وأعرف أهلها الطيبين المتسامحين ، لذلك لا أستبعد أن الفاعل بين اثنين ، إما جهات داخلية ترغب في الحفاظ على مواقعها التي ورثتها لقرون طويلة وسماها شباب حركة 20 فبراير بالاسم وطالبوا بإسقاطها ، وإما جهات خارجية ترغب هي أيضا في الحفاظ على مصالحها مع السلطات المغربية خاصة وأن الانفتاح النسبي الذي يشهده المغرب مؤخرا أسفر عن مطالبة فعاليات المجتمع المدني بإنهاء التعاقد مع شركات التدبير المفوض الأجنبية . لا نريد للسلطات المغربية أن تتسرع في إصدار الأحكام ، لأن استهداف مراكش هو بالذات استهداف لقلب المغرب النابض اقتصاديا ، وكذلك هو استهداف لقلب المغرب النابض سياسيا والذي ضخت حركة 20 فبراير دماء جديدة فيه ، وأي حالة ردة يمكن تسجيلها في الساعات والأيام القليلة المقبلة يمكن فهمها بأن الجهة التي دبرت اعتداءات مراكش تريد أن تقول للمغاربة يكفيكم خروجا إلى الشارع ، ويكفيكم مطالبة بالإصلاح لأن المغرب مستقر وآمن ، وأي مطالبة بإسقاط رموز الفساد قد تعجل بانفجار الأوضاع بالبلد . وعلى السلطات المغربية أن تتحلى بالشجاعة في الكشف عن الجهات المدبرة لهذه الاعتداءات ، حتى وإن كانت جهات نافذة من داخل النظام السياسي ، لأن أمن المغرب واستقراره خط أحمر لا ينبغي لأي كان تجاوزه ، خاصة وأننا شهدنا في الأشهر الأربعة الأخيرة والتي تفجرت خلالها الانتفاضات الشعبية العربية توقف وزارة الداخلية عن الإعلان عن تفكيك ما تصفها " خلايا إرهابية " ، وعلينا تذكر ما قاله الزميل توفيق بوعشرين بتأمل : " السلطات العربية تعتبر خلايا الإرهاب ، الدجاجة التي تبيض ذهبا ، ولهذا كانت تضخم من قوة وعدد هذه الخلايا ، لتجعل شعوبها والغرب معا رهينتين للقبضة الأمنية " . علي أي ، الحادث وقد وقع ، وبلادنا تشهد انفتاحا داخليا نسبيا يغير وجه البلاد بشكل تدريجي حيث بدأ الناس يتجرؤون عن الحديث عن سلطات الملك وينتقدون جمعه بين الثروة والسلطة ، وكذلك يتحدثون عن إبعاد أشخاص محسوبون على المحيط الملكي عن مراكز القرار ، ووصلت أجواء الحرية بهتافات شباب يطالبون بإسقاط النظام دون أن يتدخل الأمن لتفريقهم بالعصي والهراوات أو إطلاق الرصاص الحي كما تفعل بعض الأنظمة القمعية العربية والتي تصوب البنادق نحو الرؤوس بمجرد سماع أجهزتها الاستخبارية والأمنية الشعار الأثير " الشعب يريد إسقاط النظام " ، فلمصلحة من أن يتوقف المغاربة عن الحديث بحرية ؟ . إذا كان المغرب يتغير فعلا ، نتمنى أن ألا تتكرر معالجة السلطة لهذا الحادث مثلما حدث في اعتداءات 16 ماي بالدار البيضاء ، رغم إحساسنا العميق بألم الحادث وأن من تجرأ على استقرارنا وأمننا يجب أن يلقى جزاءه بإنزال أقصى العقوبات بحقه كي يكون عبرة لكل من يتجرأ على أرواح الناس ، والاعتداء على مدينة الأولياء والصالحين لن يكون بحال من الأحوال سببا في تراجع المغرب إلى الوراء ، هذه قناعتنا .. لأن شباب 20 فبراير سيواصلون نضالهم من أجل التغيير ، ولن يثنيهم اعتداء معتوهين جبناء على ضيوف البلد من السياح الأجانب على مواصلة الضغط من أجل مغرب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية . [email protected]