رياح التغيير التي تهب على العالم العربي لا يشكل المغرب استثناء منها ، بل إن مطالب الإصلاح تجاوزت الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية المألوفة فيالقاموس السياسي المغربي ، وباتت تطال بعض القضايا التي كانت ضمن المحظورات . بعض الأصوات ارتفعت خلال الاحتجاجات التي نظمتها حركة 20 فبراير الشبابية في مدن مغربية عديدة ، مطالبة بتعديل البروتوكول الملكي . كما فاجأ عبد الحميد أمينمسؤول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الجمهور المغربي ، عندما وجه في برنامج تلفزيوني بالقناة الثانية التي تملكها الحكومة ، انتقادات لمراسم البروتوكول الملكية " العتيقة " والتي ترتبط بنمط سياسي يقوم على " مؤسسة إمارة المؤمنين والنسب النبوي للأسرة العلوية الحاكمة وبيعة الشعب للملك " . كما قال. وفي استطلاع أجرته دويتشه فيله في أوساط عدد من الشبان المغاربة حول مسألة إلغاء بروتوكول تقبيل اليد ، كانت آراء الشبان المغاربة متباينة ، بينما تتجه آراء عدد من المثقفين والسياسيين لضرورة التخلي عن هذه الطقوس ، والتي وجهت لها أيضا انتقادات قوية خلال الاحتجاجات الأخيرة التي نظمتها حركة 20 فبراير الشبابية . "تقبيل اليد يعبر عن الولاء والطاعة العمياء للحاكم " وقد أوضح عبد الإله بنعبد السلام ، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الجمعية تطالب بالقضاء على جميع مظاهر البروتوكول الملكي التي تمس كرامة الإنسان وإنسانيته ، والتي تلحق أضرارا بسمعة البلاد ، في إشارة خاصة إلى عادة تقبيل يد الملك . واعتبرت الجمعية مطالب إلغاء تلك الطقوس والبروتوكولات إحدى ثمرات الجرأة التي تسود الشارع المغربي الذي ارتفعت فيه الأصوات المطالبة بالتغيير . ودعا بنعبد السلام إلى ضرورة التخلي عن " الطقوس العتيقة " كما هو معمول به في باقي الدول التي تعيش في نظام الملكيات الحديثة. وقال بنعبد السلام إن هناك من يتفاعل إيجابا مع هذه المطالب، بينما يرى فيها آخرون " إهانة "، وهذا الأمر يعتبره مشكلا في المغرب إذ لم يتحرر المغاربة حسب نظره بعد من "سلطة المخزن" (المخزن يعني السلطة المركزية والتقليدية)، وأضاف الناشط الحقوقي أن هناك من وصفهم ب" المتملقين والوصوليين الذين يسعون إلى التقرب من السلطة بشتى الوسائل ، من ضمنها الهجوم على المدافعين عن حقوق الإنسان ". ويوضح بنعبد السلام أن "هذا البروتوكول أسلوب قديم في المغرب ويعبر عن عملية إخضاع للمجتمع ، وأنه من ضمن هذه الوسائل تقبيل اليد التي تجسد الولاء والطاعة العمياء للحاكم " ، وأضاف " هذا يعني أن الحاكم هو فوق الناس وهو أحسن منهم وهم مجرد رعايا وهو السيد ، والسيد يفعل برعاياه ما يشاء " ويستنتج الناشط الحقوقي أن " التعبيرعن الولاء للملك والتقرب إليه والخضوع له يجد تعبيره في طقوس تقبيل اليد والانحناء أثناء عملية البيعة ، وغيرها من الأشكال التي تحد من مواطنة الإنسان وتهدر كرامته ". ويرى أستاذ العلوم السياسية عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، أن البروتوكول الملكي إرث سلطاني قديم مرتبط برضى مركز الحكم على كبار الموظفين في الدولة منذ القديم ثم بعد ذلك على الوزراء وعلى الطبقة السياسية عموما . و هذا البروتوكول حسب حامي الدين يعني أن " مصدر الشرعية يأتي من الفوق أي من مركز الحكم ، ومن ثم فهذا التقبيل له دلالات شكر وعرفان مثلا بتولية مناصب معينة ، كما أنه يعني التعبير على القابلية من أجل تقبل جميع التعليمات والأوامر ، وهو دلالة على إلغاء السلطان لإرادة الفرد ، وانسياب هذا الأخير بشكل مطلق من أجل خدمة مركز الحكم " . وأضاف حامي الدين " بدون شك ، فالمراقب الخارجي يلاحظ في هذا البروتوكول نوعا من المهانة والإذلال بالنسبة لمجموع المواطنين الذين يتعرضون لهذا الموقف، ويرى فيه مستويات متقدمة من الإذلال في تلك الطقوس ومنها عملية تقبيل اليد التي تعتبر عملية غير مفهومة ، بالنسبة للدول الحديثة " . " تغيير البروتوكول سيعطي قيمة أكبر للملكية " وترتفع أصوات شبابية تدعو إلى ضرورة القطع مع الطقوس التي تحط من كرامة الإنسان، ومن أبرزها حركة 20 فبراير التي رفعت خلال المظاهرات التي نظمتها في الأسابيع الأخيرة في عدد من المدن المغربية، مطالب بالحد من هذه الممارسات والطقوس. لكن آراء الشبان المغاربة متباينة إزاء هذا الموضوع. ويرى يونس، طالب مغربي، أن هذا النوع من المراسم البروتوكولية " متجاوز" ، خاصة تقبيل يد الملك، واعتبره "نوعا ما أمرا سخيفا " ، وأضاف " فيما يتعلق بالبيعة مثلا اعتقد أنها عادة متوارثة عند الأسرة الملكية منذ سنين كصورة لسلالة العلويين، وأظن أن الملك محمد السادس يميل إلى الحد من هذا البرتوكول " . وقال يونس إن الأمر " متجاوز مع الزمن ومع الظروف الحالية ، لأن الملك يجب أن يكون الأقرب من الشعب ، و تغيير البروتوكول سيعطي قيمة أكبر للملكية خاصة في عيون الشباب. بخلاف العقليات القديمة التي ستجد في الأمر نوعا من الضعف " . ولكن هؤلاء الأشخاص ليس لهم وزن خلال الظرفية الحالية على حد تعبير الطالب الجامعي . إلا أن محمد ، موظف ، يقول أنه " في الشرع لا يوجد ما يحرم تقبيل اليد "، ويضيف أن " هذه الممارسة تبقى عادة مغربية أصيلة " ، وليست مستوردة كما أنها لا تدل على الحط من الكرامة ويستطرد مستفسرا" ما هو الضرر الذي يلحقه تقبيل يد الملك وإن كان هناك ضرر فبإعطاء الأولوية لما هو أهم أم أن الأحزاب تريد أن تغطي فشلها الذريع بمثل هذه المواضيع ؟ ". لماذا لا يتخلى السياسيون عن تقبيل يد الملك ؟ وإذا كان البروتوكول الملكي المغربي يشابه في بعض جوانبه ما هو معمول به في عدد من الملكيات في العالم ، فإنه لازال يتميز بجملة من الخصوصيات لا نظير لها في العالم ، كالبروتوكول المرتبط بمراسيم البيعة وطقوس خروج الموكب الملكي للعيدين - عيد الفطر وعيد الأضحى - ، والاحتفال بليلة المولد النبوي ومراسيم الدروس الحسنية ، بالإضافة إلى تقبيل يد الملك والانحناء في حضرته . وحول رأيه في إمكانية تغيير هذا البروتوكول يرى عبد العالي حامي الدين أن هناك جزءا من هذا البروتوكول متحكم فيه ، أي أن هناك فئة من النخبة السياسية يمكنها أن تتراجع عمليا عن بعض الطقوس الممكن تجنبها مثل عملية تقبيل اليد أو الانحناء والركوع ، لكن هناك طقوس أخرى مرتبطة بقرار ملكي مباشر كقرار يقضي بإلغاء جميع أنواع البروتوكول أو بعضها كالطقوس المرتبطة بالولاء في عيد العرش ، كما يرى حامي الدين. " كل هذه البروتوكولات يمكن أن تلغى بقرار ملكي شجاع منسجم مع الدينامية الإصلاحية " كما يقول حامي الدين ، وهو يرى أن " قرارا من هذا القبيل سيجد ارتياحا عند المواطنين كما أنه إشارة على قدرة المغاربة على الانخراط في نادي الدول الديمقراطية ، والتخلص من هذه الطقوس المخزنية العتيقة ". وحول تفسيره لصمت الأحزاب السياسية حول هذا الموضوع رغم طرح الموضوع من قبل بعض النخب السياسية والمثقفين ، قال حامي الدين ،" في السابق كانت هناك تصريحات من طرف الحزب الاشتراكي الموحد ، و قبل أيام استمعنا جميعا لموقف عبد الإله بنكيران ، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ، الذي طالب بشكل مباشر بإلغاء طقوس حفل الولاء ، والبروتوكول المصاحب له " لكن حامي الدين يعتقد بأن " هذا الأمر لم يتحول بعد إلى مطلب حزبي واضح لأن بعض الأحزاب السياسية ترغب في الإبقاء على هذه المظاهر وترك الوضع على حاله ". ويذكر أن بعض السياسيين المغاربة ، لا يقبلون يد الملك ، ويفضلون السلام عليه باليد وانحناءة خفيفة ، ومن أشهرهم القيادي اليساري محمد بن سعيد آيت يدر ، الذي فاجأ الملك الراحل الحسن الثاني في بداية التسعينات عندما لم يقبل يده . وكان الملك الحسن الثاني شديد التمسك بالطقوس والبروتوكول ، بخلاف ما أشيع عن نجله الملك محمد السادس في بداية توليه للعرش سنة 1999 ، كونه لا يميل للبرتوكول العتيق ، لكنه لم يذهب إلى حد إلغائه. * دويتشه فيله