لدينا دائما حدس لا شعوري بأن هناك من مساوئ الدنيا ما لن يصيب إلا غيرنا وبأننا في مأمن من الكوارث... ولأن الرياح تسير في أحيان كثيرة بغير ما تشتهيه سفن رغباتنا، فقد يفاجئنا القدر أحيانا بفجيعة تجعلنا ندرك أننا بدورنا قد نكون هدفا لشطحاته. حينها، يتأمل الآخرون فواجعنا وهم يقولون في أعماقهم بأنهم أبدا لن يصابوا بمصابنا وبأنهم في مأمن ... في الأيام الأخيرة، كلما شاهدت على شاشات قنواتنا الوطنية شهادات نساء أصبن بسرطان الثدي. أتذكر هذا الأمر وأنا أقول في داخلي بأني وبأن الكثيرات ممن أحبهن يمكن أن نكون في موضعهن. ابتسمت في البداية أمام العبارة الدارجة القحة التي تستعملها الحملة : " سرطان البزولة " ، بدل "سرطان الثدي " . الحملة التي تنظمها " جمعية للا سلمى لمحاربة داء السرطان " تحت الرئاسة الفعلية لزوجة محمد السادس تنم عن ذكاء إعلامي حقيقي . لا ينظر من خلاله للمرأة المغربية من أعلى ، من طرف الطبيب/ العالم/ المثقف الذي يحدثها من فوق ، ويستعمل معها عبارات رنانة قد لا تفهم معناها ، وقد لا تأتي معها الحملة أُكلها. في بلد يتحدث أهله عن " المرض الخايب " ، في إشارة إلى مرض السرطان ، ويحيطونه بالعشرات من الخزعبلات والتصورات الخاطئة ، لا يمكن إلا أن يكون استعمال الدارجة المغربية خطوة جميلة نحو التحسيس بأهمية الكشف المبكر . أفكر في كل أولئك النساء وفي المسار الصعب الذي اجتزنه وفي الابتسامة التي تغطي وجوههن اليوم. ابتسامة العائدين من الموت. ابتسامة ثقة. ابتسامة من يتمتع بكل لحظة من حياته لأنها كادت تفلت من بين أصابعه. ابتسامة نساء قاومن الموت بشجاعة ليقفن اليوم شاهدات على الحياة متشبثات بالأمل وبالحب وبالحياة ... زميلتي في العمل تتحدث بدورها عن المعاناة الطويلة التي عاشتها أختها مع سرطان الثدي ، عن تجربة العلاج الطويلة ، عن حصص العلاج الكيماوي التي تخور معها القوى ، وعن كونها اليوم تجاوزت الأزمة بسلام بفضل كشف مبكر وعلاج مناسب . والدتي، من جهتها ، ما تزال مصرة على أن الأعشاب الفلانية كفيلة لوحدها بمداواة المرض الخبيث ، "المرض الخايب ". تطلّب مني الأمر جهدا جهيدا لكي أقنعها بأن مرض السرطان ليس معديا وبأن الطبيب وحده كفيل بمعالجة ما تسميه " المرض الخايب " ؛ وتطلب مني الأمر جهدا أكبر لكي أشرح لها بأن " سرطان البزولة " ليس أقبح من أمراض أخرى وبأنه قد يعالج في حالات كثيرة، إذا تم اكتشافه مبكرا وإذا شرعنا في معالجته بالطرق السليمة . وأخيرا... وافقت على زيارة عيادة طبيب ، ربما لكي ترضيني أكثر منها اقتناعا بأهمية الكشف حين خرجت معها من عيادة طبيب النساء ، كنت ، رفقة والدتي ، قد اكتسبت طمأنينة اليقين الجميلة ، وكنت قد تخليت معها عن تلك الطمأنينة الكاذبة التي تجعلنا نعتقد بأننا في مأمن وبأن الآخرين فقط عرضة لمصائب الكون . * إذاعة هولندا العالمية