نعود مرة أخرى إلى أحداث العيون وهذه المرة لطرح رؤيتنا حول من سقط على ساحتها الدامية. فجل ما كتب في الموضوع (ونستعمل كلمة "جلّ" لأننا نستثني بعض الأقلام التي عبّرت عن موقفها باستقلالية كاملة) كان تحت تأثير الإعلام الرسمي الذي يرى أنّ رجال الأمن الذين سقطوا في الساحة هم شهداء الوطن قدموا أرواحهم فداءا له وهذه مغالطة كبيرة الهدف منها التستر على مسئولية المخزن في هذه الجريمة الشنعاء. واليوم بعد مرور عشرين يوما على تلك الأحداث الأليمة، وبعد أن هدأت النفوس نوعا ما لنحاول تقييم ما حصل من سفك للدماء بعيدا عن العاطفة وخارج إطار وجهة نظر الإعلام الرسمي، لأنّ مهمته التي وجد من أجلها هي الدفاع عن النظام المخزني لا عن الشعب ومصالحه. حسب ما شهدناه في الفيديو (وهو تسجيل المخزن، لأنه كان من الطائرات العمودية) الذين دبحوا تدل بدلتهم على انتمائهم للقوات المساعدة، وهي قوات المفروض احتياطية تقوم بتطويق أو حصار المنطقة التي بها شغب ،وهو ما يعرف في مصطلحات المجال بالحزام الأمني الأول، ولا تشارك في العمليات لأنها من اختصاص القوات الخاصة المدربة على القتال والتدخل في حالات الطوارئ. هذه القوات يمثلها في المغرب الدرك ووحدات التدخل السريع. فقوات التدخل السريع تعمل على ضرب حزام أمني ثاني لدعم الحزا م الأمني الثالث الذي تشكله مجموعة من الدرك بينما مجموعة ثانية منه تقوم بالاقتحام أو التدخل المباشر. وهناك حزام رابع خارج هذه الأحزمة يضربه القناصون الذين يكمن دورهم في إطلاق النار على المجرمين أو الإرهابيين الذين بحوزتهم رهائن يهددون بقتلهم أو دبحهم، ومهمتهم إطلاق طلقة واحدة على من يهدد الرهينة وهي طلقة واحدة في الرأس غالبا تكون في الجبين. هكذا تقام العمليات من طرف القوات الداخلية ذات كفاءة عالية. لكن كيف تعاملت القوات المغربية مع الأحداث؟ بكل صراحة تعاملت معها باستهثار، إن لم نرد قول بعدم كفاءة، حيث تدخلت وكأنها تطارد طلبة الجامعات أثناء الإضرابات رغم أنّ إيماننا عميق بكون تدخلها في الجامعات يكون عنيفا وكثيرا ما استعملت فيه الكلاب المدربة، على الأقل في عهد الرصاص. هناك مجموعة أخرى دورها يكون استكشاف مكان العملية وذلك قبل الأحداث وأثناءها وهي على اتصال دائم ومباشر مع القيادة لتزويدها بالمعلومات اللازمة كي تكون على بينة مما يجري في الساحة وبالتالي اتخاذها القرار الصائب. هذا وعملية من هذا النوع تشارك فيها جهات أمنية مختلفة من بينها المخابرات التي لا يستهان بدورها في مثل هكذا أحداث حيث عليها معرفة كل صغيرة وكبيرة قبل وقوعها، لكن مخابراتنا يظهر أنها منشغلة بجماعة العدل والإحسان والإعلام الحر والشريف والمناضلين اليساريين بالجامعات. إنّ أعمال الشغب والتخريب تكون لها نواة محركة وأعوان ينفذون أوامرها هكذا تفيد الدراسات العلمية المختصة في المجال، وما دام الأمر كذلك فلابد لها من تخطيط وتدبير، فأين هي مخابراتنا من هذه المهمة؟ لنعود مرة أخرى لشريط الفيديو المتعلق بدبح رجل الأمن، فكما قلنا قد أخذ من طائرة عمودية التي صورت كل العملية دون تدخل القناصين لإنقاذ الضحية، وكأنّ المغرب لا قناصة له؟ بالطبع المغرب له قناصة وبكفاءة عالية، لكنهم لم يتلقوا الأوامر بالتدخل لإنقاذ الضحية. وهذا يعني أنّ السلطة المخزنية قدمت رجال الأمن كأكباش الفداء لربح الرهان على الساحة الدعائية ضد الخصوم أي أن دم وروح أفراد قوات الأمن لا يساويان شيئا عندها، فهم بالنسبة لها مجرد درع واقي لها ضد خصومها سواء كانوا داخليين أم خارجيين. فلوا أعطيت الأوامر للقناصين وتدخلوا لما دبح من دبح من رجال الأمن، لذلك نعتبرهم ضحايا السياسة المخزنية الطبقية، وإن أصر البعض على أنهم شهداء فنجيبه بأنهم شهداء سياسة الميز الطبقي والسياسة اللاشعبية إذ لو كان الضحايا أبناء وزراء أو قياد أو ذوي الجاه والنفوذ لاستخدمت السلطة المخزنية الدبابات والطيران لإنقاذهم وليس فقط القناصة، لكن الضحايا هم أيضا طبقيا ينتمون إلى الكادحين لذلك وقفت عدسات مجموعة التوثيق (إحدى المجموعات التي تشارك في مثل هذه العمليات ومهمتها إلتقاط صور المشاغبين وبالتحديد المحرضين والمسييرين) تلتقط ببرودة عملية دبح أبنائنا دون أن يتحرك لها ساكن لإنقاذهم. فكل ما كان يهمها هو الدعاية لصالح السلطة المخزنية ولو بدم المواطنين من فلذة أكبادنا. إنّ الطامة الكبرى هي أنّ المخزن خسر هذه المعركة أيضا رغم أبواقه التي تحاول دون جدى إقناعنا أنّه انتصر فيها. والدليل هو إدانة البرلمان الأوروبي لهذه الأحداث (مما يعني أنّ كفة ميزانه لا تميل في صالح المغرب، الشيء الذي اتضح جليا في رد فعل خالد الناصري وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة). كما أن البرلمان الأوروبي قرر عقد جلسة له خاصة بالموضوع في الشهر المقبل سيستدعى لها الجانبين المغربي والانفصالي على حد السواء، وهذه الدعوى للطرفين معا، في حد ذاتها، لها ما لها من مغزى. هذه الوضعية تدفع بنا للاعتقاد أنّ السلطات كانت تعرف ما سيحصل ومع ذلك دفعت برجال أمن غير مدربين بالشكل الكافي لخوض معركة شرسة وذلك للسبب الذي ذكرناه. لكل هذا فإننا نحمّل مسؤولية سقوط أبنائنا في أحداث العيون للسلطة المخزنية بالدرجة الأولى قبل اتهام الخصوم بالوحشية والهمجية والجبن إذ دبح من لا سلاح له لا يمكن اعتباره شجاعة ولا بد من الضرب على أيديهم بكل قوة العدالة والقانون. إنّ هؤلاء السفاحين مجرموا حرب ويجب التعامل معهم من هذا الأساس لا غيره. ختاما نوجه نداءا لأبنائنا العاطلين، والذين تدفع بهم الظروف الاقتصادية القاسية للالتحاق بالقوات المساعدة أو الشرطة أو قوات أخرى، بأن لا يغامروا بحياتهم وننصحهم قبل اتخاذ مثل هذا القرار بأن يفكروا في خدمة من سيكونون وهل لحايتهم قيمة عند السلطة التي يعتزمون الدفاع عنها؟ فشريط الفيديو الذي عرض خير دليل على أنّ لا قيمة لحياتهم عند المخزن الذي لا يهمه غير الحفاظ على سلطته والدفاع عن مصالحه الشخصية مستغلا في ذلك المشاعر الوطنية للفئات الشعبية.