بعد أن بدأت الأحزاب السياسية في المغرب تخسر مصداقيتها ، حولت الدولة اهتمامها بشكل متزايد إلى الإعلام الدولي والإعلام المستقل كآخر أصوات نقدية متبقية . لهذه الأسباب ، منع صدور صحيفة " أخبار اليوم " في أكتوبر 2009 بقرار من الشرطة وملاحقة مديرها توفيق بوعشرين لاحقا بدعوى أنه اشترى منزلا بأقل من ثمن السوق. كما حظرت جريدة " المشعل " من الصدور بدعوى أن مديرها قد حكم عليه بالسجن لمدة سنة في نونبر 2009 بتهمة نشر أخبار كاذبة حول صحة الملك ، وأغلق مقر جريدة " لوجورنال ايبدومادير" بشكل نهائي في يناير2010 بسبب تراكم الديون عليها ومبررات أخرى . واضطرت أسبوعية " نيشان " للتوقف عن الصدور في أكتوبر2010 بسبب مقاطعتها اقتصاديا من قبل القطاع العام والشركات المقربة للنظام ، وفي أواخر أكتوبر، علقت الأنشطة الإعلامية لفضائية "الجزيرة" القطرية في المغرب. الخنق على الطريقة التونسية هذا هو التطور الذي يسميه المغاربة " الوصفة التونسية " لإسكات صوت الصحافة : استعمال طرق ملتوية وأحيانا غير مباشرة لتبدو من خلالها الصحيفة أو الصحافي المستهدف قد خرق القانون أو الأخلاق العامة ، أو مس " المقدسات " أو القيم الوطنية . فتصبح الملاحقة من طرف القضاء مسألة لا علاقة لها بمواقفه السياسية أو خطه الإعلامي . علاوة على ذلك ، تنشر قنوات التلفزة العامة والإذاعات ووكالة الأنباء الرسمية " الخبر " على نطاق واسع ، وتعلق عليه ، بل وقد تطلب شهادات من شخصيات محترمة وذات رصيد شعبي ، وتتصرف فيها بشكل كيدي ، وذلك لتعبئة الرأي العام الذي يستقي معلوماته أساسا من الوسائط السمعية - البصرية ضد الشخص أو الهيئة المعنية . ونعطي كمثال حالة استعمال شهادة مغن شهير، هو عمر السيد ، ضد أبو بكر الجامعي مدير "لوجورنال" في قضية الصور المسيئة للرسول ، حيث اتهمت القناة الثانية المغربية الصحيفة بنشر الكاريكاتير الدانمركي على الرغم من أن ذلك لم يحدث قط ، ثم استجوبت النجم المذكور الذي أدان الحادثة من دون أن يعلم أن المستهدف هو " لوجورنال " . وهناك وسائل عديدة أخرى للضغط على الصحافة المستقلة ، أو لتحريض الرأي العام ضدها قبل الإجهاز عليها ، كالمقاطعة ، على سبيل المثال ، حيث تضغط الدولة في هذه الحالة على رجال الأعمال والشركات الكبرى كي لا ينشروا إعلاناتهم في الصحف المغضوب عليها . إغراء الصحافيين الجانب الآخر من المقاطعة يتضمن تشجيع رجال أعمال أثرياء مقربين من السلطة على خلق مجموعات إعلامية ذات رسملة عالية تضخ فيها أموال الإشهار الرسمية التي تعد بملايين الدراهم ، على الرغم من أن تلك الصحف قد لا تتعدى مبيعاتها اليومية ألفي نسخة . مثل هذه الصحف ذات الحظوة تعرض أجورا محترمة على الصحافيين المهنيين لا تستطيع كل الصحف المستقلة دفعها ، مما يضر أحيانا بالجودة المهنية للأخيرة. التشكيك في وطنية الصحافيين المنتقدين لسلطوية النظام أو اتهامهم بالمس بالإسلام أو الأخلاق ، وسيلة شائعة. وهذا ما حدث لصحيفة " نيشان " وللصحافيين المشهورين زينب الغزوي وإدريس كسيكس وعلي عمار في قضايا متفرقة بين 2007 و2010. كما قد تتهم وسيلة الإعلام المستهدفة ، خصوصا إذا كانت تعبر عن توجه إعلامي تقدمي ، بتملصها من دفع الضرائب المستحقة وواجبات الضمان الاجتماعي لمستخدميها ، بل وقد يتم إغلاقها تحت هذا التبرير كما حدث ل " لوجورنال " . كما من الممكن اتهام الصحافيين المنتقدين للنظام الملكي ، وخصوصا أولئك أصحاب السمعة الطيبة في الغرب ، بمعاداة السامية من خلال استخدام مبررات واهية . وهذا ما حدث لعلي لمرابط (رئيس تحرير سابق ل لوجورنال إيبدومادير و دومان ) على رغم أنه اتهم قبل ذلك بالموالاة لإسرائيل ، إذ كان أول صحافي مغربي يجري مقابلة مع بنيامين نتانياهو. كما يحاول النظام شراء صحف مستقلة للتحكم في خطها الإعلامي أو دفعها إلى الإفلاس عبر فرض غرامات باهظة . الضغط على الإعلام الأجنبي بالنسبة إلى وسائل الإعلام الأجنبية الموجودة في المغرب ، فإن الدولة تبدأ بمحاولة فرض توظيف صحافيين موالين للنظام ، وذلك بشكل غير مباشر، حيث ترفض وزارة الاتصال إصدار بطاقات الاعتماد للإعلاميين المهنيين الذين اختارتهم القناة أو الهيئة الأجنبية. هذا ما يحدث الآن لوكالة الأنباء الفرنسية التي أبلغها الوزير المعني بأن الصحافي عمر بروكسي غير مقبول من لدن السلطات. فضائية الجزيرة كانت لديها تجربة مماثلة حين أصرت على أنها لا يمكن أن تسرح صحافييها لمجرد أن الحكومة ترفضهم . فقامت هذه الأخيرة بإغلاق مكتبها في الرباط بشكل نهائي ، كما نشرت وزارة الإعلام بيانا أكدت فيه أن " القناة المذكورة انحرفت عن قواعد العمل الصحفي الجاد والمسؤول " ، وأن الخط الإعلامي للجزيرة في ما يخص المغرب يشكل " مساسا صريحا بمصالح (البلاد) العليا ، وفي مقدمتها قضية وحدة أراضيها التي تحظى بإجماع وطني راسخ لدى كل فئات الشعب المغربي " . الغريب هنا أن قناة الجزيرة اتخذت عموما موقفا حياديا إزاء الملف الصحراوي ، لا بل هي ، وبسبب اتجاهها القومي – الإسلامي ، تلتزم الدفاع الضمني عن وحدة البلدان العربية بما في ذلك السودان والمغرب واليمن. لماذا هذا التركيز الجديد على وسائل الإعلام الدولية ، خصوصا المرئية منها ، التي تم منعها منذ أشهر عدة من مغادرة الرباط من دون إذن رسمي مسبق ؟ الجواب هو أن الصحافة المغربية المكتوبة على العموم ذات تأثير جماهيري محدود. فمتوسط مجموع المبيعات الموزعة يوميا لا يتجاوز 330 ألف نسخة أي ما معدله 1.1 نسخة لكل مائة مواطن . وعلى أي حال ، الحملات ضد الإعلام ليست جديدة . لكن في السنوات القليلة الماضية بدأ الإعلام المستقل يلعب دورا سياسيا مهما. في آخر انتخابات تشريعية جرت في المغرب عام 2007 ، استطاع النظام أن يدفع الأغلبية الساحقة من الأحزاب ذات الرصيد الشعبي للمشاركة في الحكومة – تكون ضعيفة وتتحكم في الأجندة السياسية للبلاد من دون إشارة من الملك مباشرة أو من أحد مستشاريه النافذين -. ومنذ نحو السنتين يتم التشديد على آخر مؤسسة مازالت قادرة على النقد : الصحافة المكتوبة المستقلة . * ينشر بترتيب مع نشرة الإصلاح العربي الصادرة عن مؤسسة كارينغي للسلام الدولي .