وزير العدل المغربي محمد الطيب الناصري خرج جعفر حسون ، القاضي الموقوف بقرار من وزير العدل المغربي محمد الطيب الناصري ، مستاءً إثر جلسة عقدتها المحكمة الإدارية في الرباط الأسبوع الماضي للنظر في قضيته، التي تتواصل تفاعلاتها. مرافعات المحامين المدافعين عن حسون لم تقنع القاضي بقبول طلب الطعن الذي تقدم به زميله الموقوف ، حسون ، بإحدى محاكم مراكش وبالمجلس الأعلى للقضاء (أعلى هيئة قضائية في المغرب). وبمقتضى قرار المحكمة الإدارية يظل جعفر حسون موقوفا عن العمل في انتظار إحالته على مجلس تأديبي ليدافع عن نفسه في مواجهة تهمة تسريب معلومات للصحافة . " بإمكاننا استئناف الحكم ، لكنني لا أرى جدوى لذلك . لم تعد لي أية ثقة في القضاء ، فهذا الحكم غير مبرر قانونيا على الإطلاق ، ومن المؤكد أن القاضي الذي نطق به مورست عليه ضغوط " يقول جعفر حسون ل" دويتشه فيله ". وقد أكدت وزارة العدل المغربية أن تحقيقات قضائية " شاملة ومعمقة " أثبتت تورط جعفر حسون ومحمد أمغار، عضوي المجلس الأعلى للقضاء، في " إفشاء سرية بعض نتائج أعمال المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة (يوليوز 2010)، ومداولاته السرية ". وتبعا للقوانين الجاري بها العمل قررت الوزارة توقيف هذين القاضيين، ليجدا نفسيهما في مواجهة زملائهما في المجلس الأعلى للقضاء باعتباره الجهة القضائية المخولة بإجراءات " التأديب " الخاصة بالقضاة. البداية على صفحات الجرائد جريدة " الصباح " التي نشرت مقالا تضمن المعلومات التي يُتهم حسون وأمغار بتسريبها ، نفت نفيا قاطعا أن تكون تلقت تلك المعلومات من أحد القاضيين ، علما أن الشرطة المغربية استمعت لمدير نشر هذه الجريدة والصحافي كاتب المقال ، وطالبتهما بالكشف عن مصدر تلك المعلومات المتعلقة بإجراءات تأديبية وترقيات في حق قضاة مغاربة . ردود الفعل حول هذا الحادث الذي وقع في عز مشروع وطني لإصلاح القضاء أجمعت على التضامن مع القاضيين وانتقاد قرار التوقيف. فقد أصدرت تسع جمعيات حقوقية ومهنية بيانا مشتركا يستغرب تخويل القانون لوزير العدل "سلطة انفرادية" لتوقيف قاض، معتبرة ذلك "انتهاكا صارخا لمبدأ الفصل بين السلطات وللمعايير الدولية المتعلقة باستقلال القضاء". ومن جهتها عبرت جمعية القضاة الأوروبيين من أجل الديمقراطية والحريات (تضم قضاة من 11 بلدا أوروبيا) عن "قلقها" بخصوص توقيف القاضيين. وبموازاة مقالات صحافية عديدة منتقدة لهذا القرار لكونه يضرب مبدأ الحق في الوصول إلى المعلومات، تبادلت جريدتا "الصباح" و"المساء"، وهما اليوميتان الأكثر توزيعا في المغرب، الاتهامات حول خدمة أهداف جماعات تسعى لعرقلة مشروع إصلاح القضاء. عبد الوهاب الرامي، الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط يرى في حوار ل"دويتشه فيله" أن وسائل الإعلام "يجب أن تشكل قوة اقتراحية في مشروع إصلاح القضاء، هذا المشروع الذي يعتبر مطلبا مجتمعيا مهما. الديمقراطية تسير بجناحين أحدهما وسائل الإعلام الحرة والمسؤولة في نفس الوقت ، وثانيهما القضاء النزيه، فهما معا يمثلان سلطة للرقابة المجتمعية على باقي المؤسسات " . القضاء وشبهة الفساد وإذا كانت بعض وسائل الإعلام المغربية تتبادل الاتهامات حول دعم جهات تعرقل إصلاح القضاء ، فإن جعفر حسون يؤكد ل" دويتشه فيله " : " هنالك تيار يعرقل إصلاح القضاء، يتجاوز وزير العدل نفسه. مساهمة الوزير في قرار توقيفي لا تتعدى كونه وقع القرار. إنهم يمنعون وزارة العدل من تطبيق المشروع الإصلاحي ويعاكسون التوجهات الملكية بهذا الخصوص". أما وزارة العدل المغربية والتي اتصلت بها "دويتشه فيله" للرد على هذه الانتقادات، فهي تفضل عدم الإدلاء بأية تصريحات صحافية في الموضوع مكتفية بمتابعة الإجراءات التأديبية والقضائية في حق المعنيين بأمر التوقيف. ومن بين السياسيين الذين تحدثوا عن مشكلة الفساد في القضاء، وزير العدل السابق عبد الواحد الراضي(رئيس مجلس النواب حاليا)، حيث أقر أمام الصحافيين بتفشي ظاهرة الرشوة في المحاكم داعيا القضاة إلى الصمود في وجه الإغراءات، مع العمل في نفس الوقت على تحسين أوضاعهم. نفس التشخيص سبقه إليه الحقوقي عمر عزيمان عندما كان يتولى منصب وزير العدل، حيث أكد "وجود شبكات للمصالح المتناقضة في الجسم القضائي، وتفشي ظاهرة الرشوة". ومن جهته قال رشيد فيلالي مكناسي ، رئيس فرع منظمة الشفافية(ترانسبارنسي) في المغرب ، في محاضرة له حول عراقيل إصلاح القضاء في مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد (غير حكومية)، أن " القضاء يحتل عادة الصدارة على مستوى القطاعات العامة الأكثر ارتشاء بنسب تصل إلى 80 بالمائة، تماما مثل الشرطة والدرك وهما قطاعان مرتبطان به ". وفي خضم الجدل القائم على مشاكل القضاء في المغرب ، تؤكد الحكومة المغربية من جهتها تمسكها بالسير قدما في مشروع إصلاح القضاء. حيث جدد الملك محمد السادس تأكيده في خطابه السنوي أمام البرلمان في شهر أكتوبر الماضي حرصه على إصلاح القضاء، متحدثا عن"مفهوم جديد لإصلاح العدالة، ألا وهو القضاء في خدمة المواطن". ومن جهته منح الاتحاد الأوربي المغرب سنة 2009 ما يناهز 34 مليون يورو لتحديث المحاكم المغربية، وذلك في إطار صفة"الوضع المتقدم" الذي يتمتع به المغرب في علاقته مع الاتحاد الأوربي . لكن نشطاء حقوقيين وأساتذة باحثين يتخوفون من فشل مشروع إصلاح القضاء بسبب عراقيل سياسية تمنع تحقيق استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية. ومن أهم تلك العراقيل الصلاحيات الواسعة التي يخولها مشروع الإصلاح لوزير العدل في تعيين القضاة والتحكم في مسارهم المهني من خلال الترقية والعزل والتنقيل. "في ظل هذا الوضع المؤسساتي لا يمكن للقضاة إلا أن يهتموا بمساراتهم الفردية ما داموا محرومين من حق تشكيل النقابات والجمعيات وعقد التجمعات العامة" يستنتج المكناسي رئيس فرع منظمة" الشفافية ". وتشير جمعيات حقوقية إلى عدم التزام الحكومة المغربية بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة (التي شكلت قبل خمسة أعوام بهدف تسوية أوضاع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب)، التي كانت قد وضعت إصلاح القضاء في صدارة توصياتها واعتبرت تحقيقه شرطا لازما لعدم تكرار ما حدث في الماضي من تجاوزات خطيرة لحقوق الإنسان. ومن بين توصيات الهيئة الدعوة إلى "إصلاح المجلس الأعلى القضاء بضمان استقلاليته على مستوى الرئاسة، واستقلالية النيابة العامة عن وزير العدل، وفصل وظيفة وزير العدل ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ونقل مقر المجلس الأعلى للقضاء إلى مقر المجلس الأعلى (المحكمة العليا) بدل مقر وزارة العدل". ومن جهتها تطرح أحزاب المعارضة المغربية الليبرالية والإسلامية موضوع إصلاح القضاء كحجر زاوية لبناء الديمقراطية وتعتبر استمرار وجود عراقيل أمام الإصلاحات يؤشر إلى "غياب إرادة سياسية لدى الحكومة ". وترد الحكومة على ذلك بقولها إن المعارضة "جاحدة" للخطوات الإصلاحية التي تتحقق في ميادين عديدة وضمنها القضاء. لكن القاضي حسون يعتبر قضيته "محكا فعليا" لاختبار الحديث عن استقلالية القضاء وإصلاحه. * موقع " دويتشه فيله " الألماني