لم يجف بعد ثرى قبر إدمون عمران المالح ولم تجف بعد دموع رفقاء دربه في الفكر والأدب وكل من عرفوه يهودا وعربا، حتى تلقت قلوبهم وخزة أخرى برحيل أشهر معارضي نظام الحسن الثاني وأبرز رواد الفكر اليساري بالمغرب، أنه ابراهام السرفاتي المغربي اليهودي الذي عادى الصهيونية ورفض زيارة إسرائيل وقال قولته الشهيرة "لن ازور فلسطين إلا عند قيام الدولة الفلسطينية وبعدها سأزور أصدقائي اليهود في إسرائيل". رحل الفقيد يوم الخميس، عن عمر يناهز 84 عاما بأحد مستشفيات مراكش. وكان ابراهام السرفاتي المنحدر من عائلة يهودية تم ترحيلها من اسبانيا بعد سقوط غرناطة سنة 1492، يعاني من "مشاكل في الرئة واضطراب في الذاكرة". وقد قضى العضو السابق في الحزب الشيوعي المغربي ثم في حركة "إلى الأمام" الماركسية اللينينية، نحو 17 سنة في سجون الحسن الثاني (1974-1991)، إلى أن أفرج عنه بعد حملة تضامنية دولية. وتم ترحيله مباشرة من المغرب إلى فرنسا بأمر من وزير الداخلية حينها إدريس البصري بدعوى انه "مواطن برازيلي". ومباشرة بعد توليه العرش سنة 2000، سمح الملك محمد السادس له بالعودة إلى المغرب بجواز سفر مغربي. واستقر في المحمدية (جنوبالرباط) مع زوجته كريستين دور التي كانت دائما سنده. وكان المهندس السرفاتي وهو من مصممي سياسة المغرب المنجمية بعد الاستقلال، ينتقد الأحزاب السياسية بسبب بطء العملية الديمقراطية. بعد سنوات المحن السجن والنفي والمرض ووقفة الترقب والانتظار التي كانت فيها وطأة المرض شديدة وعزلة الوحدة والمعاناة يغادر المناضل معاناته إلى حيث النهاية السرمدية وهو يحمل هموم وآمال التاريخ في زمن تبدو فيه الأمور ما تزال عند بدايتها.