الفتنة النائمة التي لمستها "إيلاف" من خلال شهادات عشرات الصحراويين وغير الصحراويين المقيمين بالعيون، تعود إلى يوم الاثنين الثامن من نونبر الجاري، فبعد تفكيك مخيم إكديم إزيك ضاحية العيون، على الساعة السادسة من قبل الجيش المغربي، وضعت حافلات لنقل الصحراويين الذين كانوا قد أقاموا مخيما 12 كلم عن المدينة، للمطالبة بحق الصحراويين في العمل والسكن وبطاقات الإنعاش التي تمنح لهم المواد الغذائية الأساسية مجانا. بدأت دفعات الصحراويين تصل إلى المدينة، شعر المحتجون أن السلطة خدعتهم لأنها ظلت تتفاوض معهم حتى مساء الأحد الماضي، لكن المسؤولين في المدينة لهم رأي آخر، فهم يرون أن المخيم أصبح بيد عصابات وأشخاص يأتمرون بأوامر المخابرات الجزائرية، كانوا يسعون إلى إعلان ولائهم لمخيم "تندوف" بالجزائر الذي تتخذه جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء الغربية عن المغرب مقرا لها. وحسب ما قدمه المسؤولون المحليون فإن بيانا في هذا الاتجاه كان سيوزع بداية الأسبوع. وكان محافظ جهة العيون الساقية الحمراء قد منع من دخول المخيم لإحصاء المرابطين به، رغم اتفاق قبلي مع لجنة الحوار، وهو ما اعتبر تلكؤا من قبل السلطات. فكان القرار بتدخل الجيش والدرك الملكي ومنع على القوات المغربية استعمال الذخيرة الحية. انتهى التدخل، "بدون خسائر بشرية في صفوف المحتجين" حسب الرواية الرسمية المغربية، واعتبر عدد من المشرفين على تنظيم المخيم، هذا التدخل، نوع من الخيانة من قبل السلطات. "كيف يمكن تقديم وعود إلى أحد البرلمانيين من المنطقة يوم الأحد ثم تنفيذ التدخل ساعات بعد ذلك؟" يتساءل ناشط جمعوي صحراوي. غياب الشرطة نقلت حافلات الصحراويين المقيمين في المخيم، وكان ضمنهم عدد من شباب المدينة، لكن الشرطة لم تكن متواجدة في عدد من الأحياء والشوارع لتأمين المدينة، خاصة شارع السمارة الطويل. شرطي أكد أن والي الأمن بالمدينة كان قد طلب تعزيزات أمنية إضافية لكن الإدارة العامة لم تستجب له. "إيلاف" اتصلت بهذا الوالي وبالإدارة العامة للأمن الوطني المغربية طيلة أربعة أيام لمعرفة تفاصيل في الموضوع ومواضيع أخرى لكن الجميع تهرب من تقديم تصريح. ظلت الشوارع بدون أمن، فقام الشباب الذي كان يطالب بالأمس بالسكن والوظيفة، على الحافلة التي أقلتهم وتعود ملكيتها إلى المكتب الشريف للفوسفات، بإضرام النار في السيارة بعد إفراغ ركابها، ثم تم الهجوم على مخفر للشرطة بالزجاجات الحارقة وأحرقت بالكامل. انتقلت الاحتجاجات العنيفة إلى شارع المسيرة والشوارع الكبيرة في المدينة، قبل أن تدب في غالبية أحيائها. هجوم الشباب الصحراوي الذي لم يتجاوز 500 فردا ركز على المؤسسات العمومية ووكالات الأبناء وبعض المؤسسات التي يعتقد أن ملكيتها لأحد رجالات السلطة القادمين من خارج العيون، كما أحرقت سيارات وحافلات وشاحنات تابعة للمؤسسات العمومية. كان الشباب الصحراوي يغلق الشوارع بالحجارة وبالعجلات المحروقة، رفعت أعلام البوليساريو ورددت شعارات بالاستقلال. استمر الوضع من الساعة السابعة صباحا إلى منتصف النهار. احترقت المدينة، عاشت وضعا لم تشهده منذ عودتها إلى المغرب سنة 1975 كما يؤكد سكانها. أصبحت "فلوجة" مغربية. تساؤلات الحقوقيين ظلت تساؤلات الحقوقيين كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان ورابطة المدافعين عن حقوق الإنسان في الصحراء تتمحور حول نقطة واحدة "لماذا غاب الأمن عن المدينة أثناء تدخل الجيش لتفكيك المخيم؟، ثم لماذا لم يتدخل الجيش بعد اندلاع أول شرارة احتجاج شاب صحراوي غاضب مطالب بالانفصال؟". في تمام الساعة الثالثة بدأ الأمن المغربي في الظهور بشكل متواتر، فاعتبر السكان القادمين من خارج مدن الصحراء الغربية أن هذه الاحتجاجات تستهدفهم وأن المحتجين يسعون إلى حرق مساكنهم وسياراتهم، فخرجوا إلى الشارع مدججين بسيوف وأسلحة بيضاء. شاهد عيان صحراوي شارك في إحدى المسيرات يحكي جانبا من هذا الاحتجاج ل "إيلاف"، ويقول: "على الساعة الثالثة ظهر الاثنين تجمهر قرابة 400 شخصا من السراغنة (السكان غير الصحراويين المقيمين في العيون) كانوا محاطين بسيارة "فاركونيط" زرقاء تابعة للأمن المحلي، يتقدمهم ثلاثة رجال أمن محاطين بخوذات وسترات واقية واضعين أقنعة على وجوههم. رآني أحد المحتجين وتوجه إلي جاهما وقال "قول عاش الملك (قل عاش الملك)، أجبته "عاش الملك". اطمأن بعد أن اعتقد أنني مغربي لأنني أتكلم بلكنة مغربية. سرت معهم تجاوزنا ساعة الدشيرة وعرجنا على شارع المغرب العربي، وقعت عيون المحتجين على سيارة "لاندروفير" التي يملكها الصحراويون والتي وظفت في تنقلاتهم صباح الاثنين لحرق المؤسسات والهجوم على محطة قناة "العيون" الجهوية، فقيل لهم "ماذا تنتظرون؟" فهجم المحتجون على السيارة أمام أعين الشرطة. خلال المسيرة المترجلة أحرقت ثلاث سيارات يعتقد أنها لصحراويين". هذا المواطن المؤمن بحل سياسي للنزاع في الصحراء تحت السيادة المغربية، يؤكد أن بعض عناصر الشرطة متهمة بمساندة "السراغنة" ضدا على "صحراوة". بالنسبة للطالب محمد، الكاتب العام ل "رابطة المدافعين عن حقوق الإنسان في الصحراء" وإيكليد حمودي، مسؤول فرع العيون في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فأكدوا انه لا محيد عن تقرير يشرف عليه القضاء في موضوع الأحداث التي شهدتها المدينة والوقوف على مدى تورط بعض عناصر الشرطة. والي الأمن في المنطقة رفض حتى الرد على اتصالات "إيلاف" الكثيرة جدا، وكذلك الأمر بالنسبة لمسؤولين أمنيين آخرين. ما يسميه الصحراويون ب "السراغنة" اعتبروا أن خروجهم إلى الشارع كان السبب في عودة الأمن "خرجوا باش يدافعو علينا وكون ما كانوش كون حركوا ممتلكات غير الصحراويين كلها" يقول خالد، الموظف في المكتب الشريف للفوسفات. واعتبر أن إقدام هؤلاء على إحراق محلات يملكها صحراويون ردة فعل انفعالية عادية على تصرفات مماثلة لصحراويين. اطمئنان مؤقت خالد الذي كان يجلس في مقهى قبالة فندق النكجير بالعيون، كان يتحدث عن الموضوع وهو يحدق على يمينه في ثلاثة صحراويين، توقف عن الإجابة وقال "ألا ترى أن هؤلاء لا يطيقوننا وأنهم يرغبون في طردنا؟". شعر خالد بالاطمئنان مؤقتا بعد دخول الجيش إلى المدينة والتمركز في أهم شوارعها، لكنه لا يرى حرجا في تصرفات بعض رجالات الشرطة التي ساعدت مظاهرات تردد "عاش الملك" وتحمل الراية المغربية على الخروج إلى الشارع مساء الاثنين. صحراويون آخرون يتهمون الشرطة باقتحام منازلهم، كما حدث لمراسل إحدى الصحف المغربية، إذ قال إن عناصر الشرطة كانت تتعقب متورطين في الأحداث، وأضاف: "دخلت عناصر الشرطة على زوجتي وكسرت بعض الأجهزة الإلكترونية". وأوضح أن هذا الحادث كاد يتحول إلى كابوس لولا انتباه شرطي إلى صورته المعلقة على الحائط، فقال "لنخرج ليس هذا هو البيت المقصود". الصحافي المراسل اتصل بوالي الجهة ووالي الأمن وقال إن لجنة مرت لمعاينة الاعتداء. هذه الحوادث تكررت في منازل أخرى وزادت من حدة الاحتقان بين سكان العيون والسكان القادمين من خارج الصحراء الغربية. وأضاف مراسل الصحيفة المغربية الذي تم الاعتداء عليه قائلاً: "نطالب من عاش في الصحراء عقودا طويلة بألا يشاطر عددا من السكان تشاؤمهم بالنسبة إليه، من قام بهذه الأحداث من الجانبين جماعة من قطاع طرق وأصحاب السوابق الجنائية"، مؤكدا أنه في لحظة الغضب يطفو خطاب الهوية، لكن خطاب العقلاء سيعود بعد أن تهدأ النفوس"، وأكد أن الصحراويين وغير الصحراويين لا يمكنهم أن لا يميزوا بين قطاع الطرق وبين أصحاب مطالب اجتماعية، ساردا قصصا كثيرة عن التعايش والتآزر بين المغاربة صحراويين أو غير صحراويين، ثم ختم قائلا "الروابط أكثر من أن تهزها أحداث عابرة، فأعمال العقلاء تصان من العبث". وقت الحساب يعتقد كثير من الصحراويين أن سياسة الدولة التي يتم تطبيقها لما يربو عن 35 عاماً ساهمت في تردي الأوضاع. ويؤكد هؤلاء أن شعار المرحلة السابقة كان "الإفلات من العقاب". هذا الشعار اتخذته الدولة لأن المنطقة أشبه ببرميل بارود. عدد من عقلاء المدينة قالوا أن مكونات المنطقة تهدد برميل البارود هذا بنسف المنطقة بأكملها، كيف؟. فهناك صراعات خارجية أو حرب طاحنة بين أجهزة الاستخبارات بين الجزائر، الراغبة في قيام دولة في الصحراء تأتمر بأوامرها ثم المخابرات الإسبانية، التي لا يمكن السماح لحل دون أن يكون للدولة المحتلة سابقا (قبل 1975) دور فيه، ثم المخابرات الأميركية التي تراقب منطقة أضحت تفرخ خلايا إرهابية، كما تعمل المخابرات المغربية على مراقبة تحركات الانفصاليين المرتبطين بالجزائر وغيرها من الدول المساندة للبوليساريو. على الصعيد الداخلي هناك صراعات تأخذ أشكالا كثيرة، فهناك القبلية، فالمجتمع الصحراوي مبني على القبلية، كل قبيلة تطمح أن يكون لها دور في قيادة الشعب الصحراوي، فقبيلة إزركيين احتجت قبل أشهر على إقصاء أبنائها من مناصب الشغل الموزعة محليا ووطنيا بالإضافة إلى إقصائها من الاستفادة من بقع أرضية يوزعها المجلس البلدي الذي يهيمن عليه حمدي ولد الرشيد المنتمي إلى فرع في قبيلة الركيبات، الذي وزع 1200 قطعة ارض قبل الانتخابات البلدية الأخيرة على السكان، واعتبر هذا تواطؤ بينه وبين وزارة السكان التي يشرف عليها توفيق حجيرة وهو من حزب "الاستقلال"، نفس حزب ولد الرشيد، وقد بعث شيوخها رسالة إلى الملك محمد السادس. يضاف إلى ذلك صراع الأعيان الذين اغتنوا بعد عودة المدن الصحراوية إلى المغرب. وتساءل عدد من المتابعين كيف تعيش مدينة العيون مشاكل في السكن، والدولة وزعت أكثر من 42 ألف بقعة أرضية، منذ 1975 على سكان مدينة، لا تجاوز سكانها 200 ألف نسمة. في ظل هذه الأجواء القلقة تعيش مدينة العيون، لا يبدو أن عيد الأضحى القريب سيهدأ النفوس، فبعض الأسر الصحراوية وغير الصحراوية قررت أن لا تذبح الأضحية في هذه الأجواء "لا يمكن القيام بطقوس العيد وبعض الأسر تبحث عن أبنائها المعتقلين أو مازالت مصدومة مما عايشته الاثنين الماضي، أو فقدت أقاربها، رغم ذلك فسوق بيع الغنم والماعز قائمة والإقبال عليها لم يشهد تغيراً، كما يؤكد أحد المواطنين. * موقع " إيلاف " الإلكتروني