كثرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الاحتجاجات من طرف المواطنين المغاربة، وقد اتخذت لها أشكالا عدة، فمن مسيرات احتجاجية ووقفات استنكارية وتظاهرات أمام المحاكم والسجون، واعتصامات إلى نصب خيام خارج الضواحي والمدن أو إضرابات عن الطعام أو محاولة الانتحار أو قطع بعض الأعضاء من الجسم. حركة الاحتجاجات هاته، لم تكن وليدة اللحظة، ولا ناتجة عن تغير آني ، بل هي نتاج تراكم سياسات تدبيرية متتالية، غير أنه في فترة ما من الفترات لم نكن نسمع غالبا إلا بالاحتجاجات التي يقودها المعطلون طلبا للبحث عن وظيفة بعد استكمال سنوات التمدرس وكمطالبة بحق دستوري في الحصول على لقمة العيش، وقد كانت تجابه هذه الحركات الاحتجاجية والتي كانت تتخذ مظهر الاحتجاج أمام البرلمان باعتباره هيئة وطنية مسؤولة، بالضرب والرفس و تفرقة المتظاهرين. إلا أن الملاحظ في السنوات الأخيرة أن هذه الاحتجاجات بدأت تأخذ شكلا متسعا لا لتشمل فقط كل المدن والمداشر والقرى، بل لتتعدى الفئات المحتجة، فبالإضافة إلى إضرابات واحتجاجات قطاع التعليم والصحة، لاحت في الأفق احتجاجات بعض الهيئات الأخرى والقطاعات كقطاع العدل وموظفي الجماعات المحلية والفلاحة والصيد البحري والنقل والمالية، ناهيك عن احتجاجات المواطنين من جراء غلاء الأسعار وأصحاب دور الصفيح والفئات المهمشة و المكفوفين والمطرودين والمعزولين والمتقاعدين و قدماء المحاربين ... والملاحظ كذلك أن هذه الاحتجاجات أصبحت تجد لها صدى خارج المغرب، فبالإضافة لاحتجاج المواطنين، صارت هناك مجموعة من الجاليات المغربية و الدولية التي تخوض مظاهرات واحتجاجات على الأوضاع داخل المجتمع المغربي، مما يشير إلى أن المسألة آخذة في التطور و الاتساع على المستوى الجغرافي وعلى المستوى القطاعي و المجتمعي. الحكومة المغربية من جانبها لا تفتأ تقول في كل مرة أن الأوضاع في المغرب بخير وأن قطار التنمية يأخذ مساره الصحيح، وأن مستوى التنمية في تصاعد وأن الاحتجاجات الحاصلة إنما تعبر عن مدى حرية التعبير التي يحظى بها المواطنون في ظل الديمقراطية التي تسير وفقها البلاد، وأنه في القريب العاجل سوف يتم تجاوز كل الاختلالات بناء على المؤشرات السوسيو اقتصادية . غير أن السؤال الملح والذي قد تخفيه عبارات التخفيف هاته، هو هل فعلا تعبر هذه التظاهرات والاحتجاجات فقط عن خلل اجتماعي يعيشه المجتمع المغربي؟ أم أن المسألة تكاد تتعدى الأمر لتطال مجالات عدة قد يكون من أهمها سوء التدبير الحكومي و انتشار الفساد السياسي و ظاهرة الرشوة واحتقار فئات الشعب المغربي وتفقيره. التعرية الكبرى التي تنبئ عن الاحتقان الداخلي والذي تسعى الحكومة المغربية إلى إخفائه، تجليه بدقة وتبرزه وتبينه الزيادة الملحوظة التي باتت تعرفها جمهرة الأمن والعسكر والدرك والشرطة لتفريق المتظاهرين وتشتيتهم ورفسهم، بل على اعتقال البعض منهم و ضربهم وسبهم، وقد تعدى الأمر المتظاهرين والمحتجين ليشمل المارة و المشاهدين والحاضرين، وما أحداث سيدي إيفني ببعيدة ولا أحداث مختطفي العدل والإحسان وآخرها أحداث المخيمات بضواحي مدينة العيونجنوب الصحراء. إن اتساع رقعة الاحتجاجات واتساع أشكالها واتساع أسلوب التعاطي الأمني معها لينبئ على أن المغرب قد دخل عنق الزجاجة، وأن احتدام الصراع قد لاح في الأفق بين فئات تطالب "بإصلاح سياسي" وقابضين على الحكم لا يرون بديلا عن استهجان شعب لا يرون فيه سوى صوت في فترة انتخابات، في غياب كامل للأحزاب السياسية و للبرلمان الحكومي.