يطرح اليوم أداء الدبلوماسية العربية، نقاش إعلاميا وجدلا فكريا واسعين، على ضوء المتغيرات التي شهدها العالم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001،التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدةالأمريكية،وما استتبعها من حرب شاملة، استعملت فيها كل الوسائل المباحة والمحرمة دوليا، في إطار ما بات يطلق عليه اليوم في السياسة الدولية، بالحرب على (الإرهاب)، الذي أصبح، ذريعة لتخريب الأوطان وإثارة النعرات الطائفية بين شعوبها، وورقة لإسقاط الأنظمة الممانعة أو المارقة بحسب التصنيف الأمريكي لها. في ضل هذا المناخ الدولي المشحون بأجواء القلق والخوف والتوتر،بدا الفعل الدبلوماسي العربي مرتبكا، وغير قادر على وضع أجندة خاصة به للدفاع على قضايا الأمة في مواجهة مشروع إمبراطوري ضخم،وضع كل الخطط والتكتيكات لتقسيم المقسم، وتجزئة المجزئ من مساحة هذه الأمة، من الخليج إلى المحيط،بل الأخطر من ذلك،أن حالة الارتباك هذه، خلقت بدورها شرخا وانقساما كبيرا في الدبلوماسية العربية،تجسد بشكل كبير من خلال جامعة الدول العربية، التي تحولت، إلى ساحة للشجار والتنابز بالألقاب بين زعماء الأمة، ومنبرا للاتفاق على عدم الاتفاق، ولإطلاق مبادرات هجينة لا تعبر عن تطلعات شعوبها. أزمة العراق والحرب على لبنان والوضع في الصومال ونزاع الصحراء المغربية المفتعل من قبل حاكم قصر المرادية بالجزائر،عناوين كبرى للفشل الدر يع للدبلوماسية العربية في احتواء أزمات أوطانها. عندما احتلت أمريكا وبريطانيا وحلفائهم العراق، دون احترام الشرعية الدولية، ودون إعطاء دليل يثبت تورط نظام البعث العراقي،في دعم تنظيم القاعدة أو حيازة أسلحة الدمار الشامل التي كذبها هانس بليكس، طبل العديد من زعماء هذه الأمة للاحتلال، وحاولوا إيجاد تبريرات له بكل الوسائل، بدءا بإثارة ملف اجتياح صدام حسين للكويت ومناهضة للأقليات الشيعية في الجنوب والكردية في الشمال،وصولا إلى غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن ما الذي اتضح فيما بعد؟ اتضح أن الحرب التي سماها بريجنسكي بالمسرحية، لم تكن إلا خطوة من مشروع كبير، سماه المحافظين الجدد بمشروع الشرق الأوسط الكبير،ولم تكن تلك الحرب، إلا شكلا من أشكال التنفيس الداخلي على قضايا الداخل الأمريكي. كل التقارير التي كانت تتناول أبعاد الحرب الأمريكية على الإرهاب، أكدت على أن المجتمع الأمريكي، أصبح يعيش أزمة الاكتفاء الذاتي، ولم يعد قادرا على تلبية كل حاجيات مواطنيه ، الشعب أخد يستهلك أكثر مما تنتجه الدولة، ودين الدولة الخارجي بحسب توقعات الخبراء الأمريكيين سيصل إلى 12 تليريون دولار بحلول العام 2012، وهذه المعطيات تم تأكيدها في مناسبات عدة. مع كل هاذ الكم الهائل من التحاليل والمعطيات، التي تبت بما لا يدع مجالا للشك صدقيتها، لا زال الموقف العربي مما يعتمل ببلاد الرافضين متدبدبا، ولا زالت كل أشكال الخنوع والخضوع والتطبيع قائمة،بل الأذكى من ذلك، أن حرب تموز 2006، كشفت بوضوح عورات الدبلوماسية العربية، كاشفة أن هده الأخيرة، لا تستعمل لحماية مصالح الأمة والدود عليها، بل أصبحت غطاء يتم استعماله لشر عنة إرهاب الدول وشر عنة كل الجرائم ضد الإنسانية. إذا حاولنا الابتعاد في تحليلنا لأداء الدبلوماسية العربية الباهت في تعاملها مع أزمات الوطن العربي، وانتقلنا إلى تقييم أدائها على مستوى خدمة أهداف الأمن القومي لشعوبها، فالنتيجة المنطقية ستفضي حتما إلى أن هذه الأخيرة، لم تستطع التأقلم مع متغيرات الفعل الدبلوماسي لعالم اليوم. اليوم الدبلوماسية بمفهومها التقليدي البدائي، القائم على نقل الرسائل و بعث التقارير الصحفية ،لم يعد لها مكان، ولم يعد مرغوبا فيها،وتستنزف من أموال الشعوب أكثر مما تقدمه لهم. نحن اليوم في حاجة إلى دبلوماسية فتية عمريا وفكريا، ونشطة داخليا وخارجيا،وقادرة على التأقلم مع حاجيات السوق. دبلوماسية قادرة على ابتكار وسائل عمل جديدة بحكم تزايد وثيرة الاعتماد المتبادل بين الشعوب والأمم، دبلوماسية متحركة على واجهة الاقتصاد والاستثمار، وليس دبلوماسية النزهة والتسوق وكتابة التقارير البائخة. عالم اليوم، تتصارع فيه دبلوماسية التجسس بين أقطابه الكبرى، دبلوماسية استقطاب الاستثمارات الكبرى، وليس دبلوماسية شراء السلاح وتخزينها، والكذب على الشعوب وتخويفها بخطر الإرهاب الذي بات يسكن العقول. الشعوب اليوم في حاجة إلى سلام عادل وشامل، والى توحد وتكتل أكبر، وليس إلى إغلاق الحدود في زمن العولمة، والسباق على التسلح، كما يفعل النظام العسكري الكولونيالي الجزائري، الذي أسر شعب بكامله، وصادر حريته وديمقراطيته عبر حراب البنادق، وحكم عليه بالبؤس والفقر لإرضاء نزوات جنرالات من العهد البائد. الشعوب في حاجة أيضا، إلى تنمية مستدامة وإصلاح سياسي عميق، وليس إلى مشاريع معطوبة، تحفي ورائها كل مظاهر البؤس والجوع والفقر والعوز. محاربة الإرهاب، نعم،التسلح في حدود الإمكانات، نعم،حماية النظام العام من العبث به، نعم....لكن استعمال الإرهاب يافطة وذريعة لقمع الشعوب وادلالها، لا،التطبيع مع الصهاينة بذريعة حوار الثقافات والحضارات في وقت تصادر فيه ثقافتنا ماضينا ومستقبلنا كل يوم وكل ساعة وكل لحظة بفعل الاستيطان ،لا،تجويع الشعوب وقهرها بحجة خطر الجوار، كذلك ومثال. [email protected]