أيمكننا اعتبار أزمة المعطلين في المغرب أزمة تستقي جذورها من الهشاشة البنيوية لمؤسسات الدولة وتحيل عليها ؟ أيمكننا اعتبار الواقع الكارثي للمعطلين هو فشل في السياسات الحكومية الظرفية المتعاقبة عبر الحكومات ؟ أم يمكننا الحديث عن مشكلة ذاتية للمعطلين أنفسهم , حيث ينتظرون العصا السحرية للدولة بدل الإنخراط في سوق العمل وخلق مبادرات ذاتية في مجالات متعددة ؟ ترمي الدولة في أحيان كثيرة ألفاظ العتاب القاسية في وجه المعطلين – أو على الأقل بعض الأشخاص الحكوميين – واصفة إياهم بالإتكالية والكسل وفقدان القدرة على الإبتكار , وأنهم مجموعة من الأشخاص الفاشلين الغير قادرين على الإنخراط في سوق الشغل , وهم يبحثون عن القطاع العام رغبة منهم للهروب من المسؤولية والتملص من قوانين الخواص التي تفرض المردودية والإنتجاية وما شابه ذلك . وذلك لطبيعة العمل مع الدولة الذي لا يفرض نفس الصرامة والمحاسبة الموجودة خارج أسلاكها . هؤلاء الحكوميون يقولون أيضا بأن الدولة ليست ملزمة بالدور الإقتصادي الذي يجب أن يتكفل به الخواص , فالدولة في منظورهم يجب أن تنسحب بقدر المستطاع تاركة الميدان لحركية وتفاعلات الأسواق في إطار قوانين معروفة تحكمها , كقانون العرض والطلب مثلا . بل حتى الركائز الأساسية والسيادية أحيانا للدولة ليس من الواجب دائما ان تكون خاضعة بشكل مباشر لها , كقطاع الصحة العمومية وقطاع التربية والتعليم , والأمن ... ولذلك فالدولة الناجحة في تصوراتهم هي الدولة التي تتخفف من الأعباء المالية وتضمن موارد مالية مستمرة , وهو ما يعني بشكل مباشر تخفيض عدد موظفيها إلى الحد الأدنى حيث أن الموظفين غالبا ما يشكلون العبء المالي الأكبر للدولة , وتفويت قطاعات عامة عبر الخوصصة أو التدبير المفوض , ومجموعة من الإجراءات الأخرى . بالمقابل سوف تضمن الضرائب المفروضة على القطاع الخاص مداخيل مالية تسمح لها بالتوزنات المالية . وبالمناسبة فهذه الإجراءات تعتبر من الشروط والنصائح الأولية البديهية التي يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد العالمي للدول التي تعاني من الإنقراض والتي في حاجة دائمة إلى مساعدات خارجية . وقد نال المغرب طبعا بركته من تلك النصائح والشروط . قد نتفق أو نختلف مع هذه التصورات حسب المرجعيات الإيديولوجية لبعضنا البعض عن وظيفة الدولة وطريقة تدخلها , ومبررات وجودها . لكننا لن نختلف حول الأرضية الأساسية التي تضمن الكرامة الإنسانية والحد الأدنى من الشروط الضرورية للحياة . وقبل أن نغوص أكثر في أزمة المعطلين بالمغرب , لا بأس أن نقدم بعض مواقف حركات وتنظيمات المعطلين المغاربة منها . إن المعطلين المغاربة يضربون بالحائط كل مسوغات الدولة بخصوص الموضوع , ويعتبرونها واهية , بل يصرون أن الأزمة يمكن للدولة حلها وتجاوزها , ويبدو ذلك واضحا من خلال الإعتصامات والإضرابات والأشكال الإحتجاجية المختلفة التي أصبحت شيئا مألوفا في العاصمة الرباط . إن المعطلين يصرون أنهم ليسوا عاطلين , بل مستعدون للعطاء والعمل , وأن البطالة التي يعانونها هي نتيجة لسياسيات الدولة الخاطئة والتمييزية , ويحملون الدولة مسؤولية مأساتهم كاملة , لأنها تعرف جيدا واقع النسيج الإقتصادي في القطاع الخاص , وخاصة أنها تعرف جيدا أيضا أن التوظيفات في القطاعين معا تحكمها العلاقات العائلية والزبونية والمحسوبية والرشوة , ولا تحكمها الكفاءة والموضوعية ... وحتى لا نطيل بخصوص زاوية رؤية الطرفين والإسترسال في الإتهامات المتبادلة , أريد أن أقول فقط : 1 - إن المسؤولين الحكوميين الذين يتملصون من علاقتهم بأزمة المعطلين في المغرب هم أنفسهم من يقدم الوعود في الإنتخابات لهؤلاء الشباب بتوظيف عشرات الآلاف , وبمجرد أن تضع الإنتخابات أوزارها يغيرون نظاراتهم كي يروا الأشياء بطريقة مغايرة . إذن , حتى لو افترضنا مصداقية التصور الحكومي للأزمة , فإن الإخلال بالوعود الإنتخابية جملة وتفصيلا يعتبر مبررا كافيا لجماعات الضغط في الدول الديموقراطية لإسقاط الحكومة . ومن هنا يكون إسقاط الحكومة التي أعطتهم وعود التشغيل والضغط عليها من طرف تنظيمات المعطلين مبني على أسس سليمة , ويكون نضالهم مشروعا ومنطقيا , في حين تكون الحكومة كاذبة وغير قادرة على تنفيذ وعودها , لأنهم كان عليهم تقدير الموضوع قبل الإدلاء بأكاذيب أثناء الإنتخابات , والحكومة التي لا تحترم وعودها حكومة غير أخلاقية ولا تصلح لقيادة الأمة . 2 – إن مطالبة الحكومة لتنظيمات المعطلين بالإنخراط في سوق الشغل وعدم الإتكالية على الدولة , يمكن أن يكون أمرا منطقيا ومعقولا في الدول التي تعرف إقتصادياتها حالة صحية , ولها إمكانيات رقابة وتوجيه للقطاع الخاص , بشكل دقيق ما يخص علاقة الإجتماعي بالإقتصادي . أما في وضع اقتصادي مأزوم حيث لا يخضع الباطرونات للقانون, وهناك غياب تنظيم محكم للقطاع , كعدم احترام ساعات العمل والحد الأدنى للأجور وعدم احترام مواثيق قانون الشغل , فإن الإشتغال بالقطاع الخاص يبقى من الأبواب الأخيرة , ولكن النقطة التي ينبغي الإشارة إليها هنا : لا يمكن للدولة أن تقول للمعطلين أنها لا تمتلك مناصب شغل , في حين يتم توظيف المئات من أبناء العائلات المرتبطة بالسلطة بدون الإعتماد على شروط موضوعية كالكفاءة والشفافية ... 3 -حتى وإن قبلنا بالنظرية الليبرالية لتدبير الشأن العام , من أجل دولة متطورة . فإنه لن نستوعب كيف ستتحدث الدولة عن تقليص النفقات العامة في الوقت الذي تصرف فيه الملايين من الدراهم في أجور خيالية للموظفين الحكوميين , وتدعي العجز عن تسديد الحد الأدنى للأجور لهؤلاء المعطلين . بمعنى لا يمكن بتاتا أن يتقاضى شخص مبلغا يقترب من مليار سنتيم , ويطل هذا الشخص من شرفته ليقول للمعطلين أن الدولة تعاني من أزمة أعباء مالية ؟؟؟ ولا تستطيع توفير 3000 درهم شهريا . أي ينبغي مناولة التوزيع العادل والمتقارب للأجور داخل الدولة . 4-لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال بمحاولة إقناع الشعب أن وظيفة اجتماعية حساسة ومهمة للشعب كطبيب أو أستاد أو قاض مثلا يصعب على الدولة خلق منصبها المالي , في حين ثمة آلاف المناصب التي تنهك كاهل الشعب والتي لا فائدة منها إلا طبعا منح الأموال الكثيرة لأشخاص أغنياء أصلا . على سبيل المثال وظائف برلمانيي الغرفة الثانية التي يجمع معظم السياسيين على فشلها وعبثية وجودها , فالمصاريف العامة التي يتقاضاها هؤلاء البرلمانيون خلال السنة باحتساب مصاريف البرلمانيين المتقاعدين من الغرفة نفسها , بإمكانها توظيف الآلاف لوحدها وخلق آلاف مناصب الشغل الإجتماعية الضرورية , والتي لن تعود بالنفع فقط على المعطلين ,بل على الشعب أيضا . 5 – حتى وإن قبلنا بالنظرة الليبيرالية للمسؤولين الحكوميين مرة أخرى , لا يمكن للدولة الرأسمالية أن ترفع يدها عن ضمان كرامة المواطنين , وإلا أصبح وجود الدولة لا معنى له . كما أن هؤلاء الحكوميين الذين يتحدثون اليوم عن عدم ملائمة الشواهد الدراسية لسوق الشغل هم المسؤولون عن هندسة النظام التعليمي لعقود طويلة . لكن النقطة المهمة هنا أيضا , هو طريقة توزيع موارد الدولة الطبيعية والبشرية , والذي من حق أي مواطن أن يتسائل عن مصيرها . ليس منطقيا أن تتخلى الدولة عن توفير مناصب الشغل التي سيعيل كل منصب منها عشرات الأشخاص" إذا عرفنا أن الموظف ملزم بالعناية بعائلته التي تتجاوز الزوج والأبناء إلى الأباء والإخوان ... " , في حين تكون مصائر أموال ضرائب الشعب والموارد الطبيعية جيوب الموظفين الحكوميين والحفلات ووسائل الترفيه والبذخ . هناك نقاط عديدة تمسح مزاعم الدولة بخصوص تنكرها لجحافل المعطلين الذين يتزايد عددهم السنة تلو الاخرى . ربما يتحمل المعطلون بعض نصيبهم في الأزمة . لكن الأكيد , أن الدولة المغربية لا تعالج أزماتهم بالشكل الصحيح . [email protected]