الفقر، ضيق الذات، و الظروف القاسية دفعت خالد و محمد إلى أن يبيعا كليتيهما بثمن بخس مقارنتا بقيمة الكلية المعنوية، بملغ لا يتعدى 70 مليون سنتيم، و هما ما إلا نموذج لعدد من الناس الذين أهلكهم الفقر، و قست عليهم الظروف، و منهم من ضاقت به السبل، ولم يحسب العواقب بالطريقة الصحيحة، «مرايا بريس» اتصلت بهما لتنقل إلكم الأسباب الكامنة وارء قصتهما الأليمة. خالد و محمد و الظروف القاهرة يبيعان كليتيهما ب700 ألف درهم و السبب الضائقة المعيشية لو كان الفقر "كلية" قابلة للبيع لباعها الفقير و استغنى "أغيثوني". كلمة لا طالما رددها خالد، في عدة مناسبات، ووجهها لأكثر من مسئول، ولا من مجيب، يقول خالد "قد عرضت كليتي للبيع مقابل مبلغ 400 ألف درهم، أو 500ألف درهم، لأن الدنيا صدتني، و ليس أمامي سوى بيع عضو من أعضائي مع أنني أعلم جيدا أنه حرام و الله عز وجل نهانا عن ذلك إلا أنه ما باليد حيلة"، و يستطرد في حديثه لنا قائلا :" و للعلم فلست وحيدا فصديقي محمد، هو الآخر باع كليته ليسدد ديونا تراكمت عليه كاد أن يدخل بسببها السجن و يترك أبناءه عرضة لتشرد"، و ختم حديثه الأولي لنا بقوله "لا حل كان أمامنا سوى البيع". الراتب لا يكفي اتصلنا بخالد في اليوم الثاني، ليسرد لنا حكايته التي يصعب أن تصدقها أذن أي كان،و تدفعنا إلى طرح أكثر من تساؤل بعد سماع قصة خالد كاملة، "لماذا وصل خالد و كذلك محمد إلى هذه الحالة؟، كيف يعرض الإنسان كليته للبيع، لتسديد ديونه؟ و هل هناك خالد واحد، و محمد واحد، أم يوجد غرهم كثير؟"، اعتذر لنا خالد على عدم قدرته على المجيء إلى عاصمة المملكة الرباط، دون أن يوضح الأسباب و بدئ الحديث بسرعة، "اسمي خالد، مواطن مغربي، 30 سنة، متزوج و أب لثلاث بنات، و أشتغل موظفا بأجر لا يتعدى 3800 درهم، في إحدى الوظائف العمومية، تزوجت مند 6 سنوات، و لا أستطيع استئجار سكن خاص بي، و حتى زوجتي كانت تقيم حينها مع أبيها و معها البنات، و أنا كذلك، إلى حد أني لم أعد أحتمل النظر في وجه حماي. و يستطرد قائلا "استأجرت شقة مدة 6 أشهرب1200 درهم شهريا، زائد مصاريف الماءو الكهرباء، تصل إلى 1500 درهم شهريا، و لم أستطع مواكبتها، فعدنا إلى منزل حماي، فراتبي لا يكفي متطلبات الحياة المتزايدة، من مأكل و ملبس، و لا دخل لي غيره، لم أترك جهة من الجهات المسؤولة إلا وطرقت بابها، طلبا للمساعدة، و الإجابة الوحيدة التي سمعتها في كل مكان هي : يكون خير..". و يضيف خالد بنبرة حزينة، "مع تزايد نفقة العائلة، أجبرت على بيع كليتي، في الوقت الذي رفضت فيه الاقتراض من البنك"، موضحا "لأنني لا أستطيع التسديد، و القروض تخرب البيوت، ضاقت بي نفسي، و بدءت تراودني عدة أسئلة مزعجة، لماذا وصلت إلى هذه الحالة، لماذا لا أعيش مثل الآخرين، حياة سهلة و مريحة مثل الجميع؟، لماذا لا أدرس بناتي في أحسن المدارس؟، و لم أجد اجابة واحدة". و خلص خالد إلى النتيجة المؤلمة، "فكرت و فكرت، و لم أجد أمامي سوى بيع كليتي، فهي السبيل الوحيد لحل مشاكلي، كنت أرغب فقط بملغ 450 ألف درهم، و لا أمانع من أن أعيش بكلية واحدة، المهم أن أرضي أسرتي، و أن أخصص لها مسكن خاص، و كل ما يحلم به أي رب أسرة في العالم". و يقول أيضا "أعرف أن بيع الكلية حرام، و قد تحدث في الموضوع إلى "الفقيه"، و أجابني بأن البيع حرام، لكن الشرع يجيز "التبرع دون أن يشترط بشرط مادي، و مع اقتناعي برد "الفقيه" الا أنه قررت بيع الكلية". و عن طريقة بيعه لها رفض مجددا الدخول في تفاصيل الموضوع بعدما حاولت «مرايا بريس» لأكثر من مرة مند بداية الإتصال، لكنه أجاب في الأخير عن سؤالنا حين قال: "بعد أن أعلنت بيعها، و التجأت الى أكثر من شخص، اتصل بي أحدهم و اقترح علي مبلغ 700 ألف درهم، مقابل الكلية، لم أتمالك نفسي حينها وقبلت عرضه، عندها طلب مني انتظار هاتفه، و اتصل بي و طلب مني أن أتمم إجراءات السفر بسرعة لأني سأجري عملية الاستئصال بالإمارات و كذلك كان و ذهبت و أجريت العملية و نجحت، و سلمني قبلها النقود كاملة، و ها أنا ذا في صحة جيدة، و في وضعية جيدة كذلك من الناحية المادية". و ختم خالد حديثه لنا بطلب "صغير" قائلا: "لي رجاء واحد فقط، هو أن تكتفوا بذكر اسمي الأول فقط، و أتحفظ عن الإسم العائلي، تجنبا للمشاكل و الحرج مع أسرتي الصغيرة. الديون، تدفعه للإنتحار! قدم لنا خالد رقم هاتف صديقه محمد، الذي باع كليته هو الآخر، بنفس الثمن، سبب ذلك راجع إلى الديون التي تحاصره من كل جانب، كما أن عليه قرض بملغ 280 ألف درهم، و راتبه الشهري لا يتعدى 6500 درهم، يدفع 70% منه، (حوالي 4500 درهم) شهريا لسداد جانب من القيمة الإجمالية للقرض و فوائده. و لدى محمد طفلة عمرها سنة و نصف، و لم يكن يملك بيتا يقيه برد الشتاء، و حر الصيف، فاكترى بيتا، و يقول "راتبي لا يكفي سداد رسوم الكراء، و الإنفاق على أسرتي فاقترضت من البنوك، إذ بلغت ديوني 28 مليون سنتيم، و ليس لدي دخل آخر، من أي جهة كانت أو نشاط معين، و أعيش مأساة على مدار الليل و النهار، كلما تذكرت مبلغ القرض، فأكاد أصاب، يضيف محمد، بالجنون حيث وصلت إلى مرحلة، قررت فيها الهروب من الحياة، بأي شكل حتى بالانتحار". و يستطرد في خضم حديثه ل»مرايا بريس» ، "أعرف أنه تفكير مجنون، لكن ما العمل، أحتاج إلى سيارة، أحتاج إلى مسكن خاص، أعيش في حتى أرتاح من ثمن الكراء، و ظللت أحلم بتسديد القرض، فالبنك يقيد حركتي و فوائد القرض تزداد باستمرار". كما سبق لمحمد أن تردد على جهات كثيرة لطلب المساعدة، و لم يساعده أحد، فكان قراره النهائي أن يبيع كليته، "و عسى، يقول محمد، أن أجد من يحتاج إلى شرائها، فثمنها سوف يفيدني كثيرا و كذلك كان حيث أنه مبلغ 70 مليون سنتيم ليس سهلا، و قد أراحني ماديا، و أخرجني من كابوس مرعب كان يراودني ليل نهار". و تحفظ محمد عن ذكر لمن باعها؟ أو أي تفاصيل عن طريقة بيعها، رغم إصرارنا و إلحاحنا على ذلك إلى أنه بدون جدوى، كما تحفظ عن ذكر اسمه العائلي، مثلما فعل خالد، مع طلب آخر هو عدم ذكر عمله، مبررا ذلك بمخافة انكشاف أمره و أن يصبح بعد ذلك محط "سخرية من طرف الجميع!!". نظرة قانونية و اجتماعية محمد أبو حسن باحث في علم الاجتماع، أكد في تصرح ل»مرايا بريس»، أن المتحكم في الموضوع دافعين متناقضين؛ حيث الفقر المدقع الذي يدفع بأفراد لرهن أجسادهم وأعضائهم في يد سماسرة وتجّار الأعضاء"، مضيفا "بالإضافة للجشع الذي يقود أفراداً لامتهان هذا النوع من التجارة المحاربة قانونيّاً وشرعيّاً عبر التغرير بالكثير من الشبّان البسطاء وإغرائهم بالمال". هذا و يذكر أن القانون المغربي من أشد القوانين صرامة حينما يتعلق الأمر بالموضوع، و قد اعتمد مجلس الوزراء يوم الاثنين 31 يوليوز2005 الذي كان قد ترأسه الوزير الأول السابق ادريس جطو قانونا جديدا يسمح بالتبرع بالأعضاء البشرية. و قد سبق ليومية الأحداث المغربة أن ذكرت في وقت سابق أن القانون الجديد يهدف إلى تسهيل وتخفيف الظروف على المتبرعين، و سيكون بوسع المتبرعين المحتملين نقل حقهم في استعمال الأعضاء أمام رئيس المحكمة الإقليمية التي لها حق البث في شأن المستشفى الذي وقع فيه التبرع أصلا. محمد أمين جويبر، أستاذ القانون العام، بإحدى المعاهد الخاصة بالعاصمة الإدارية للملكة، أكد لنا الأمر و استطرد قائلا، "يبدأ القانون رقم 16/98 المتعلق بتبرع الأعضاء والأنسجة البشرية، وأخذها وزرعها المتمم بمقتضى القانون رقم05/26 بتعريف مفهوم العضو البشري الذي تحدده المادة 2 ب :كل جزء من جسم الإنسان سواء أكان قابلا، للخلفة أم لا، والأنسجة البشرية باستثناء تلك المتصلة بالتوالد." وتنص المادة 4 بشكل صريح في قضية اخذ الأعضاء،إذ لا يجوز اخذ الأعضاء إلا بعد أن يوافق المتبرع مسبقا على ذلك، ويمكن للمتبرع إلغاء هذه الموافقة في جميع الحالات.وتفصل المادة 5 في القضية معتبرة التبرع بعضو بشري أو الإيصال به عملا مجانيا لا يمكن بأي حال من الأحوال وبأي شكل من الأشكال، أن يؤدى عنه اجر أو أن يكون محل معاملة تجارية، ولا تعتبر مستحقة سوى المصاريف المتصلة بالعمليات الواجب إجراؤها من أخد وزرع الأعضاء ومصاريف الاستشفاء المتعلقة بهذه العمليات. وحددت المادة 6 مكان إجراء العمليات في المستشفيات العمومية المعتمدة، وطالبت المادة 7 بضرورة التكتم على اسم المتبرع إذ لا يجوز للمتبرع ولا لأسرته التعرف على هوية المتبرع له، كما لا يجوز كشف أي معلومات من شأنها أن تمكن من التعرف على هوية المتبرع أو المتبرع له باستثناء الحالات المنصوص عليها في المادة 9، أو إذا كان ضروريا لأغراض العلاج". و أضاف جوييبر، كما أن هناك عدة مواد أخرى لكن هذه هي الأساسية و إن أردنا القول هي العمود الفقري للقانون المغربي المنظم للمجال".