سألني أحد الأصدقاء الأجانب أن أرشح له خمسة من الكتاب الصحافيين العرب الذين يمكن وصف أعمالهم بما يعرف بالإنجليزية ب«مَست ريد»، أي إن قراءتها واجبة على كل من يدعي أنه يفهم في الشأن العام. صاحبنا يريد مني أن أحدد له خمسة كُتاب من كُتاب الرأي والأعمدة الذين لا يمكن لفرد أن يتخذ قرارا في الصباح من دون قراءة مقالاتهم. هو يريد أن يعرف إن كان هناك كتاب في العالم العربي مثل توماس فريدمان في «لنيويورك تايمز أو بوب هيربرت، أو من الواشنطن بوست أناس مثل جورج ويل وجيم هوغلاند، أو مثلما كان وليم إف بكلي أو مايكل كينزلي في السنوات الماضية. هؤلاء كتاب كنت تعرف من أعمدتهم مجرى الرياح السياسية والاقتصادية، وإلى أي اتجاه تسير أميركا، أو أين هي نقاط المناظرات والاختلافات حول القضايا الكبرى التي تسود المجتمع. فكرت كثيرا: هل هناك في العالم العربي كتاب يمكن تسميتهم ب«مَست ريد»؟ سؤال تصعب الإجابة عنه. لكن الإجابة الأسرع هي أن لدينا كتابا تكون لدى أحدهم بين الحين والآخر والمرة والتي تليها، فكرة لامعة تستحق القراءة. ولكن بما أن الفكرة تأتي كل حين ومين، فلا نعرف متى نقرأ لهذا الكاتب أو ذاك فكرته اللامعة. لكن بلا شك لدينا كتاب قد تستشف منهم اتجاه الريح السياسي الخاص بهم وليس بالدولة أو المكان الذي يكتبون عنه. المسألة عندنا ليست كمثيلاتها في الغرب تغلب عليها أهمية الفكرة، المسائل عندنا مربوطة بأهمية الشخص لا الفكرة، بالحديث عن الأشخاص لا الأفكار. ثانيا، الكتابة في العالم الديمقراطي تهدف إلى تنوير الرأي العام الذي ستكون له كلمة في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية المقبلة. أي إن للكتابة دورا حقيقيا، ولكن نحن ليس لدينا انتخابات رئاسية أو تشريعية، ومن هنا ليس مهما تكوين رؤية سياسية للفرد تجاه من يحكمونه، وهكذا تصبح الكتابة من أجل تنوير المتنورين أصلا. الصحف الحكومية أو أشباه الحكومية لا تختار كتابها بناء على خبراتهم وعلمهم ورؤاهم الثاقبة، بل تختار كتابها من الموظفين، أي موظف عمومي تختاره الجريدة لكي يكون لديه عمود، أو ليكون مثلا مشرفا على باب أو صفحة، ما دام أصحاب العمل راضين عما يكتب. ففي مصر، مثلا، كان هناك ما يمكن اعتباره صحافة حرة أيام الملك، ثم جاءت الثورة وأُممت الصحافة وأنشئت «دار التحرير» التي رأسها أنور السادات لفترة ثم انتهت إلى سمير رجب والمعروفة الآن ب«الجمهورية». و«الأهرام» أو «الأخبار» أو «دار التعاون» و«دار المعارف».. إلخ، كلها دور نشر خرج كتابها من بين كوادر الموظفين، أي لو أن الفرد مر مجرد مرور بالقرب من المكان لكانت لديه الفرصة ليصبح كاتبا، لا تدريب ولا تأهيل ولا خلافه، المهم أن تكون موظفا مطيعا فتأخذ عمودا في صحيفة، والحال داخل مصر لا يختلف عن خارجها في عالمنا العربي. الكتابة في العالم العربي لا تؤثر في السياسة، تصبح مؤثرة فقط عندما تتحول إلى نميمة، و«يوز» بعض الحكام كتابهم على بعض فندخل في عراك الديكة. إذا كنت تريد أن تعرف خريطة الخصومات العربية فوقتئذ فقط يكون لديك كتاب يمكن أن تسميهم ب«مَست ريد»، فقط في مواسم المعارك بين الدول والخناقات السياسية بين الحكام. قدحت ذهني لكي أبحث عن كاتب «مَست ريد» في العالم العربي، فلم أجد الكثير، بعض من لديهم أفكار لامعة تصعب قراءتهم لأنهم يكتبون بأسلوب معقد، البعض على ما يبدو يكتب بالإنجليزية ويترجم مقاله إلى عربية مزعجة، رغم ما في الأفكار من لمعان. البعض يكتب شعرا، لكنه خال من الفكرة، كتابته جميلة، لذا يجب أن نخلط من يكتبون كتابة جميلة مع من يكتبون أفكارا رائعة بأسلوب معقد في خلاط حتى نحصل على كاتب «مَست ريد». لدينا كتاب أعمدة رائعون، ولكن لا تعرف من كتابتهم اتجاه الريح السياسي، لأنهم ليسوا مقربين من أهل الحكم. البعض منهم يخمن ويحلل، ولكن لا معلومة هناك. لدينا الكاتب الذي يغرق في موضوع لمدة عام «لحد ما يزهقك من الموضوع». ذكرت لصديقي بعض الأسماء التي لا أستطيع ذكرها في المقال، وقلت له في النهاية، بالفم المليان: (انس الموضوع.. في العالم العربي، معندناش كتاب «مَست ريد»، ولكن عندنا «مَست رايت»). ليس لدينا كتابا من المفروض أن تقرأهم، ولكن لدينا كُتاب فُرض عليهم أن يكتبوا أو يملى عليهم فيكتبون. + نقلا عن الشرق الأوسط، 9 شتنبر 2010، "مرايا بريس" تصرفت يف العنوان الأصلي للمقال الهام، وهو "مست ريد".