على مدى أكثر من 800 سنة، نجحت مدينة آلانيا التركية في أن ترسخ مكانتها كمنتجع سياحي، وذلك عبر استغلال موقعها على الساحل التركي المطل على البحر الأبيض المتوسط. وتستقطب شواطيء المدينة التي تطل على خليج انطاليا السياح الذين تجذبهم أيضا جبال المدينة المكسوة بالغابات وتاريخها العريق. لكن تبدو المدينة الآن على أعتاب سوق جديدة وواعدة هي "سياحة الشواطئ الإسلامية"." وقد قررت بعض فنادق المدينة الخوض في تجربة يطلق عليها اسم "الفندقة الحلال" أو "السياحة التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية"، بعد أن لاحظت نجاح قطاع الخدمات المالية الاسلامية وصناعة المواد الغذائية الحلال للمجتمعات الاسلامية في المهجر. كما أن أعداد المسلمين في العالم، والذين يتخطون المليار وستمئة مليون نسمة، تنبئ بأن سوق "الفندقة الحلال" يبدو واعدا ومبشرا بأرباح عظيمة للدول التي تستثمر فيه.. ويعتمد مفهوم السياحة الحلال على الأحكام الرئيسية في الشريعة الاسلامية مثل تحريم الكحوليات والحرص على تقديم اللحود والدواجن المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية وتوفير مساجد للمصلين. وقال رب الأسرة لمراسلة بي بي سي، إنهم ذهبوا الى مدينة برايتون الساحلية في جنوب بريطانيا ولم يتمكنوا من الاستمتاع بما توفره لهم المدينة، باعتبار أن"الرجال وحدهم يستمتعون بالسباحة فيما تكتفي النساء بالمشاهدة عن بعد". أما زوجته ناظمة، فتقول إنها أحست بأنها تفتقد شيئا خلال زياراتهم الى المدن الساحلية في بريطانيا: "كنت أشعر أنني ممنوعة من فعل شيء ممتع ومسلي". وتضيف: "من الممتع أن نتمكن من المشاركة في تلك الفعاليات والنشاطات. حتى الأطفال لا يستمتعون بشكل كاف عندما لا يكون الآباء بجوارهم في البحر. إنهم يريدون أن تكون أمهم الى جوارهم لمساعدتهم والسباحة بالقرب منهم." وتتماشى معايير فندق "بيرة" حيث ينزل ميزان وأسرته، مع التقاليد الاسلامية. ففي ردهة الاستقبال مثلاً، شاشات كبيرة تعدد التسهيلات المتوفرة، بدون ظهور أية امرأة.. سمة أخرى من سمات الفندق والتي يعتبرها البعض أهم ما يميزه، هي المسبح المفتوح المخصص فقط للسيدات، والموجود في الطابق السادس للفندق، أعلى نقطة فيه..ويحاط المسبح بدرجة عالية من الخصوصية. حتى المصعد المؤدي اليه مخصص للسيدات . وتضيف مراسلة البي بي سي "معظم النساء اللواتي رأيتهن في هذه العطلة كن إما محجبات أو منقبات. لكن في المسبح المخصص لهن، جميعهن كن حاسرات الرأس.. أخبرتني ناظمة أنها وجدت صعوبة في التعرف عليهن بعد ارتدائهم البوركيني أو لباس البحر الشرعي الذي يغطي أجسادهن بالكامل، ويكشف عن الوجه والكفين والقدمين فقط. بعد زيارتي المسبح المخصص للسيدات، تجولت على الشاطىء والتقيت ثريا الحاج مصطفى، وهي فلسطينية تقيم في ألمانيا واعتادت على المجيء الى تركيا مع أسرتها خلال السنوات الخمس الماضية. وأثناء حديثي معها،تقول المراسلة، وجدت أنها وأسرتها كانوا من أوائل العائلات اللاتي خضن تجربة سياحة الشواطىء الحلال. وتقول ثريا إنها تستمتع بقدرتها على المجيء الى الشاطىء مع أسرتها والسباحة في البحر مع زوجها وأطفالها. وتضيف أنها عندما تزور وطنها فإنه من الطبيعي أن تجد السيدات جالسات على الشاطىء ولا يسبحن بينما هنا هي تستطيع ذلك". وفي الوقت الذي تقود فيه دول مثل تركيا وماليزيا واندونيسيا الطريق في صناعة السياحة الحلال فإن الكثيرين يعتقدون أن الشرق الأوسط يمكن أن يستفيد من هذه الصناعة الواعدة. فاليوم، هناك مجموعة محدودة من الفنادق والمشاريع السياحية التي تقدم خدمات تتوافق مع متطلبات "السياحة الحلال" في منطقة الشرق الأوسط.. ووفق أرقام منظمة السياحة العالمية فإن سياح دول الخليج أنفقوا اثني عشر مليار دولار أمريكي سنويا على السفر من أجل الترفيه. وقال لي عبد الصاحب الشاكري، وهو خبير سياحة عراقي وناشر مجلة "السياحة الاسلامية"، إنه يمكن الاستحواذ على حصة كبيرة من الإنفاق السياحي الخليجي عبر الاستثمار في صناعة السياحة الحلال. وبالرغم من الربح المتوقع من وراء هذه الصناعة، إلا أن الشاكري يعتقد أن هذه الصناعة مازالت في بداياتها الأولى وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها فقط كبديل عن السياحة التقليدية. ويضيف: "إن صناعة السياحة الاسلامية عمرها الآن خمس أو ست سنوات فقط. ما هي خمس أو ست سنوات في عمر البشر؟ لكن بالرغم من أن البعض ينظر الى السياحة الحلال وعطلات الشواطىء التي تتوافق مع الشريعة باعتبارها خيارا لبعض العائلات المسلمة، فإن آخرون يعتقدون أنها شكل من أشكال الانعزال. ولا تروق الفكرة للكاتبة الصحفية البريطانية المسلمة ياسمين آليباهي براون، وهي تعتبر أنها تبعث على القلق. تقول: "فالعنصرية الثقافية أو العنصرية الدينية، والتي أنظر إليها كذلك، هو بمثابة قول إنه لا توجد أرضية مشتركة للبشر يمكن أن يتلاقوا عليها حتى من خلال العطل. أعتقد أن هذا أمر مزعج ومثير للقلق". وتضيف: "يمكنك أن تذهب لقضاء عطلتك في أي مكان في العالم وأن تختار الامتناع عن شرب الكحوليات. فلا أحد سيجبرك على فعل ذلك. أنا أقبل حجة الطعام الحلال، لكن هناك خيارات أخرى للطعام. لكن كيف يمكن مثلا أن نستقبل فكرة الإعلان عن سياحة مخصصة فقط للمسيحيين البيض؟ كنا سنشعر بالاشمئزاز. لا يمكن أن يكون لدينا معايير مزدوجة.."